حامد بدرخان .. أيها الراقد في قلب كردستان

  عدنان بوزان
Bave-araz@hotmail.com

ولدت أيها الشاعر الأممي في قلب كردستان  .. ولدت أيها الكردي المناضل .. ولدت أيها اليتيم في وطنك محروم من حروف الثمانية المحترقة .. محروم من ألوان قوس القزح معبرة عن الحرية وجمال الطبيعة .. معبرة عن الماء والهواء والنار والتراب .. هكذا بدأ شاعرنا بقلبه الكبير …..

ولد الشاعر الكردي حامد بدرخان في قرية يتيمة من قرى كردستان التي امتازت بقسط وافر من جمال الطبيعة وبهائها إذ تتشعب بين رياض الطبيعة الساحرة وجمال أخاذ يوشي بألوان زاهية ومزركشة وخمائل وردية أصيلة تصافح الجبال الشاهقة بخجل وحنية كسولة تارة , وتناطح السماء اللازوردي همة ونشاطاً , وتنافس قمم جبال العالم سر الخلود وآيات الإجلال والإكبار تارة أخرى . 
       كانت ولادته مأساوية وعسيرة في زمن تراجيدي ناعم , برفض الظلم والاضطهاد منذ نعومة أظافره , ترعرع في أحضان عائلة كردية تحمل مفاخر الماضي القريب , وفي ليلة ثلجية حالمة , هجر الأهل والخلان مبكراً ولم ينسى ملعب الطفولة الجميلة قط , متخطياً ناقوس الخطر وخشونة الأنظمة الفاشية التركية رافضاً الاستبداد والعبودية والخنوع باحثاً عن ملجأ يحمي شعبه بأمان تحت نور الشمس الخالدة وانبثق الروح فجراً من جديد , احتضنه أشجار الزيتون الباسقة بشغف ودلال في قامشلو ضيفاً عزيزاً وكوباني عابراً ومستلهماً وعفرين ملجئاً واستقراراً , حمل حلبو الحثية في رزمات أوراقه المنقوشة بالدفء والحنان لم ينسى أرسطو وذي القرنين , كان قلبه مكمن الأسرار ومخبئ الخفايا بصدق , عقله حمل التراث بعمق , كان روحه منهلاً للصمود والإصرار , حمل الماضي واستقراً الحاضر بأمان .

      إنه ذاك الشاعر القروي الآتي من أساطير الماضي السحيق لم ينسى مواسم الحصاد ومحراثه القديم وشر وال ماميش الناحل وعذوبة ينابيع كردستان  وأشجار البلوط  الجبلية ليلتف  على جسده  المريض ملحمة تروي حكايات دمه الثائر وارتسمت على  وجهه أحقاد القرامطة وعلى جبينه قسوة الحياة ومرارة الحزن , كان عيناه مصفاة للروح وشرارة الحرائق الأولى , تاركاً وراءه شواطئ الجزر الدافئة وهمسات الصباح وفجر الجبال , مخلداً للتاريخ اسطراً وصفحات نارية بلا قيود .
     حامد بدرخان هو الشاعر الذي دافع من خلال قصائده عن الطفولة المشردة وأيتام كردستان والعالم جمعاء , وكتب ملحمة بدموعه عن مجزرة حلبجة الخالدة التي التهبت في ذاكرة كل كردي , وفي نهاية من عمره اختار مدينة حلب معبداً لأشعاره وأحلامه التي بدأت تتأرجح بين الظلمة والنور إلى أن بدأ المرض يتسرب إلى جسده المنخور الذي يفوح منه رائحة الخبز الريفي حتى داهمه عزرائيل الموت في ليلة خريفية في مشفى السبيل مغادراً مع أجنحة الطيور المهاجرة , إلى مثواه الأخير بصمت وحزن خريفي .   
        هاهو اليوم روحه يتحول بين غبار الكلمات وتجاعيد الزمن , دونت صفحات مؤلمة من حياته التي تهز الشعور بالإنسانية .
  ولعل على دروب آسيا وليلة هجران لم يفقدا الأمل …  تممتها ثالوث الأثافي ورسمت جدران حلبجة بالدم والنار ..

هاهو ذا يخلد التاريخ بخط يده .. محياً زهور خمسة آلاف شهيد .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبدالعزيز قاسم

(كان من المقرر ان اقدم هذه المداخلة عن “اللغة الشعرية في القصيدة الكردية المعاصرة ـ ڕۆژاڤا” في مهرجان فولفسبورغ للشعر الكردي اليوم السبت ٢٥ اكتوبر، ولكن بسبب انشغالي بواجب اجتماعي قدمت بطاقة اعتذار إلى لجنة إعداد المهرجان).

وهذه هي نص المداخلة:

من خلال قراءتي لنتاجات العديد من الشعراء الكرد (الكرمانجية) المعاصرين من مناطق مختلفة “بادينان،…

إبراهيم محمود

 

تلويح خطي

كيف لرجل عاش بين عامي” 1916-2006 ” وفي مجتمع مضطرب في أوضاعه السياسية والاجتماعية، أن يكون شاهداً، أو في موقع الشاهد على أحداثه، ولو في حقبة منه، إنما بعد مضي عقود زمنية ثلاثة عليه، دون تجاهل المخاطر التي تتهدده وتتوعده؟ وتحديداً إذا كان في موقع اجتماعي مرصود بأكثر من معنى طبعً، كونه سياسياً…

د. محمود عباس

حين يمرض الضوء، تبقى الذاكرة سنده.

قبل فترةٍ ليست بعيدة، استوقفني غياب الأخت الكاتبة نسرين تيلو عن المشهد الثقافي، وانقطاع حضورها عن صفحات التواصل الاجتماعي، تلك التي كانت تملؤها بنصوصها القصصية المشرقة، وبأسلوبها المرهف الذي حمل إلينا عبر العقود نبض المجتمع الكوردي بخصوصيته، والمجتمع السوري بعموميته. كانت قصصها مرآةً للناس العاديين، تنبض بالصدق والعاطفة،…

خالد حسو

 

ثمة روايات تُكتب لتُروى.

وثمة روايات تُكتب لتُفجّر العالم من الداخل.

ورواية «الأوسلاندر» لخالد إبراهيم ليست رواية، بل صرخة وجودٍ في منفى يتنكّر لسكّانه، وثيقة ألمٍ لجيلٍ طُرد من المعنى، وتشريحٌ لجسد الغربة حين يتحول إلى قَدَرٍ لا شفاء منه.

كلّ جملةٍ في هذا العمل تخرج من لحمٍ يحترق، ومن وعيٍ لم يعد يحتمل الصمت.

فهو لا…