المبني للمجهول وتجاهل الحقيقة والأصول

موسى زاخوراني

     نشر السيد برزو محمود وعبر الإنترنت مقالة عنوانها: «نظرة نقدية في المشهد الثقافي الكردي»، استخدم ما طاب له من (تنظير) ونعوت واتهامات، وآراء متناقضة، وإيحاءات حول أشخاص – كتاب ومثقفين وسياسيين – دون ذكر الأسماء، ومن دون أن يورد ولو مثالاً واحداً، يبرر اتهاماته وآراءه، أو يسعف (رؤيته النقدية)، مستنداً على جمل وتعاريف، ووظائف وسمات عمومية للنقد كرافعة لتطوير وازدهار الأدب والثقافة ويسمي المقصودين في المقالة بـ «الفئة المثقفة» حيناً وحيناً آخر يقول «لا يمكن أن نصف هذه الفئة بالمثقفة لأن أخلاقها وسلوكياتها وطبيعة علاقاتها تشبه إلى حد كبير أخلاق وطبيعة عصابات المافيا» فيا لهذا التشبيه (البليغ) ويا لهذا التصوير والمقارنة (السوبر نقدية)، إذ يستحيل التوافق معه في الاعتقاد أن قلة قليلة – كما يشير هو – قادرة على لعب هذا الدور الذي عناه الكاتب،
 وحبذا لو أشار إلى «الإشاعات الكاذبة» و «سلوك ومواقف بعض…» و «نشر الأحقاد وإحداث الكراهية بين صفوف المثقفين» و «بث السموم…» وكتاباتهم «الهابطة والمتدنية….الخ……و الخ» التي ذكرها واسماء المقصودين أو انه أورد ما كتبوه في نصوصهم وبين أقواس، كما تستدعيه أصول النقد، ليتسنى للقارئ معرفة الصالح من الطالح، إذ ليس بمقدور القارئ محاربة طواحين الهواء والجمل والآراء والأقوال المبنية للمجهول، أو الاعتماد على قارئة الفنجان، اللهم إلا إذا كان السيد برزو يريد أن يرسم لنفسه صورة تخيلية في أذهان بعض القراء، وذلك بتوزيع الاتهامات جزافاً واعتباطاً وحسب هواه وبطريقة لم أوفق في إيجاد تسمية تناسبها، إلا إذا كان هدفه إشباع شهية البعض إلى التشفي والصيد في المياه بعد تعكيرها، خاصة ممن يسميهم «إزاء كل قلم حر يكتب بجدية ويفكر في مصلحة الثقافة الكردية»، طبعاً مع فائق تقديري لكل من ساهم ولو بسطر واحد في خدمة الثقافة عموماً والكردية منها على وجه الخصوص وبالتأكيد بعد مراعاة السيد أرخميدس لسيرورة وماهية كل كاتب أو كتابة احتراماً للوزن النوعي، واللافت للانتباه في المقالة عدم اكتفائه بالساحة الثقافية بل وكان (كريماً) في توزيع الاتهامات والقدح بسياسيين وأطراف سياسية، والله وعباده أيضاً يعرفون مساهمته في التشتيت المشار إليه من قبله، وذلك ليبين وعلى ما يبدو أنه الأكفأ والأجدر ثقافياً وسياسياً وبأنه ترمومتر الحقيقة والنضال والثقافة، مثلما لم يدخر جهداً في إلصاق بعض أهم صفاته ومواقفه وسلوكياته بآخرين مثل: عدم التواصل الثقافي والتمييز المزاجي و التكتل والسباحة في البر…..الخ.

     ­­­­­أما الفقرة الثانية من مقاله فقد تناول فيه وتحت عنوان «المديح الذاتي والمديح التبادلي» وهنا أود الإشارة إلى جملة من جمله في هذا الصدد وهي «ومن مختلف المستويات» وكذلك جملة «تقليد شاباشي»، وأوضح في ذات الوقت إن القائم بالشاباش كان شخصاً خاصاً ومحدداً وفي الغالب لا يكون المنشد ولا الموسيقي وأن اختفاء وندرة هذه العادة هو بفعل التحولات الاقتصادية والاجتماعية وليست بالتغيير الطارئ، ولأننا لسنا في صدد البحث عن أساس وجذور هذا التقليد فلن نكتب الكثير عنها، إلا أن الحقيقة هي أن الشاباشجي يمدح من يقدم له وما كان يقتصر على الآغا، خاصة وأنه أي الآغا لم يكن يحضر كل حفلات الزفاف، فكان المديح للمدعوين والكرماء وأقارب العريس وسواهم. ومن المؤسف أن السيد برزو يرفض ويعارض أن يعبر مثقف ما عن ولائه لهذا الحزب أو ذاك – وفي الحركة الكردية ما يكفي من المثقفين – فهو يريد أن يكون المثقف غير حزبي أو….، وحول تحليلاته عن غايات وأسباب توجه بعض المثقفين للحركة للظهور في التلفزيون أو غير ذلك، فإن الأمر يتطلب شق صدورهم لمعرفة ما في قلوبهم من نوايا ومقاصد ولا أظن أن صاحب المقال رفض التقاط صورة له، أو مقابلات تلفزيونية والتي وعلى ما يظهر قد جاء هو وأمثاله بنهاية تلك المقابلات؟! وحول ما جاء عن «المستوى الفني وحقيقة بعض النصوص الكتابية» و«المحتوى الفقير لنتاجاتهم والدعاية والتزمير ووصفها بنعوت لغوية» مضيفاً «وقد وصل الأمر مع أحد الكتاب أنه عبر صراحة عن المديح الذاتي في مقدمة كتابه كما لو أن القضية هي مجرد تقديم طلب ليستحوذ على شهادة عظمة قبل غيره علماً أنه تأخر في طرحه لهذه المسألة إذ كان من المفروض أن يقدم طلبه هذا في الجزء الأول من دراسته» وهنا أسأل صاحب المقال : لماذا تفرض على الآخر موعد تقديم طلبه – وليس هناك ما يشير لذلك – خاصة وأن المعني بذل جهداً مشكوراً في دراسته قد كتب تنويهاً ذيل به مقدمته التي سماها السيد برزو «طلباً للعظمة» بكل بهتان و زور، فأي مديح للذات قام به الكاتب – صاحب الدراسة – وهو لم يتحدث عن نفسه سوى بـ14 كلمة اعتيادية وتوضيحية بل وضرورية لمحتوى الدراسة، وأية جريمة أو مديح في ما كتبه في الـ14 كلمة سوى الإشارة إلى ما كان لوالدته من دور في تعلقه وحبه للفولكلور الكردي، وأية أم هي جديرة بالتقدير والذكر أكثر من الأم التي تربي أبنائها على حب لغتهم وأدبهم الشفاهي؟، ومن جانب آخر أتساءل لماذا صد الآخر عن التحول من جهة يراها خاطئة إلى جهة أخرى يراها أكثر صوابية، ولما الحكم على الآخرين بالعيش في السكون، بل ومن الذي أعطاه حق الوصاية على الآخرين وأما كفانا لعب دور الوصي وولي أمر الناس وما منشأ هذا الداء، أفلم يغير الكاتب رؤيته وموقفه طوال عمره؟! – والجواب معروف – مع الأخذ بعين الاعتبار تجنب الزئبقية والتنقل المتكرر كثيراً، هذا ولا أظن أن هناك مثالاً يشير لانتقال وانخراط مثقف في صفوف الحركة بعد فشله في أداء رسالته الثقافية كما ذهب إليه صاحب المقال، وفيما لو وجد واحداً أو اثنان فإن ذلك لا يشكل ظاهرة أما عكسها فهي ظاهرة عالمية ولا ضير في ذلك، ومن الضرورة بمكان ولأي كان القول: إذا كنت غير ناوٍ على العمل فدع الناس يعملون ما هو بمقدورهم.
     وبخصوص قراءة الكاتب للظنون ظنون «من يستخدم ألقاب تنفيخية.. في عرض شخصيته على الشاشة الإنترنيتية أو الفضائية…» وغيرها الكثير مما ذكره فليعذرني الكاتب على عدم حصولي على ماجستير في الظنون!، فذلك من اختصاصه على ما يظهر، وأما عن تاريخ الثقافة الكردية في سوريا ورموزها، فالوثائق كافية منذ خويبون و … وحتى الآن وما من أحد يستطيع نقضها، وهي على كل حال لا تعني شيئاً في إطار ظروف وأوضاع الفرد. وأما قوله عن سهولة التمييز بين الانتقال المبدئي وغير المبدئي فلا اعتقد أن الأمر بتلك السهولة، خاصة بالنسبة لوضعنا الحالي وما يحيط به من عراقيل وضباب و…، وليس هناك من مبرر – كما أرى – إلصاق صفات وسمات وخصائص المثقفين – حسب الدراسات القديمة والجديدة – بأفراد وأشخاص يقول هو عنهم بكونهم غير مثقفين – فهل ما ذهب إليه في مقالته ما يخدم الثقافة – سوى العموميات والبديهيات الواردة والمقتبسة وما هي يا ترى مستوى ثقافة صاحب الأقوال التالية «تمظهر ثقافي» و «مصير الثقافة الكردية وقضية تطورها» و «لا تعرف من الثقافة سوى ما يخدم نوازعها الشخصية المريضة والمشعوذة و …» وغيرها من الأقوال التي قالها عن الآخرين، ومن ثم أين الأدلة على «تشويه الثقافة الأصيلة» و «المطعونة في شرعيتها وأصالتها…» وإذا كانوا من تسميهم بالفئة الشاباشية «لا تملك من الثقافة سوى قشورها وزيفها وسطحيتها» فما هي الأمثلة على ذلك، أليس من حقنا هنا أن نورد الآية الكريمة} وقل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين{؟، ولا أدري من أين جاء الكاتب بهذه الآراء والأقوال، هل هي من مخزونه الثقافي أم أنها أقوال وكلمات من لم تكن الكردية لغتهم؟ وكانوا أبعد الناس عن هذه اللغة وأصحابها ومتطلباتها، ولماذا لا يتحفوننا بجوهر الثقافة الكردية لنستسلم لقناعاتهم؟.
     أما بصدد قوله «أما اجتماع الكاتب الصادق الشريف مع الكاتب المزور المشبوه» فمثير للاستغراب حقاً ولكن الأكثر غرابة هو قوله «في بعض الأحيان» فمتى يكون الأمر ذاته مستغرباً حيناً وغير مستغرب حيناً آخر؟! وهل لذلك علاقة بالتوقيتين الشتوي والصيفي؟!. وأما حدوث ذلك الاجتماع على مائدة السياسي فسر ذلك يعرفه هواة الموائد دون سواهم، كما واستميح من الأخ برزو العذر في أن أقول حول مقالته عموماً: «فعلاً يؤخذ منك العلم»، وعن قوله «الثقافة الهابطة» و «الغباء» و «الشهرة المزيفة» وغيرها من النعوت التي صبها بين سطوره، فمن المؤكد أن الغباء لا دخل للموصوف والمبتلي به في ذلك، إذ لا أحد يريد أن يكون غبياً مثلما لا أحد يسعى للشهرة المزيفة، والفرد قد يسعى للشهرة – وذلك حق طبيعي له – أما المزيفة منها فلا أحد يرغب فيها، أما الحل الأمثل لما يحيط بنا من ظروف وأوضاع وعلاقات وغيرها فتكمن وقبل كل شيء في تسمية الأشياء باسمائها، بجرأة وصدق ونزع ما في نفوسنا من أشواك وتبديلها بورود المودة والعمل وتشجيع الملاكاة والأقلام، ومحبة الآخر أياً كان اسمه أو أصله، والنظر إليه من خلال منظار المصلحة المشتركة والاعتراف بجهود الآخرين في خدمة الأدب واللغة.
     وقبل الختام لا بد من القول بأن المقالة بالإضافة لافتقارها للحقائق وأنصاف الحقائق أيضاً، تعج بأخطاء ثقافية ونحوية يصعب حصرها، كان على السيد برزو التقليل منها خدمة للمعرفة واللغة وكأمثلة على ذلك من الناحية الثقافية:
1- «من أجل تقديم ما هو أفضل من النتاج الإبداعي الأصيل»، وأحيل للقارئ الإجابة عما هو أفضل من النتاج الإبداعي الأصيل؟
2- «يمكن أن يلعب دوراً ما في تطوير وتنمية الحياة الثقافية والاجتماعية والسياسية» والصحيح هو: يلعب دوراً في تطوير….
3- «خاصة من الطبقة الفقيرة… ضحوا بكل ما لديهم…» والسؤال هو وماذا يوجد لدى الفقراء كي يخسروه أو يضحوا به سوى وقتهم وحياتهم وعذاباتهم، وغيرها الكثير من هذا النوع من الأخطاء.
     أما الأمثلة على الأخطاء النحوية فهي:
1- «حالة…ناتج عن ظروف موضوعية يفرضها القوانين المركزية السائدة» والصحيح: ناتجة، تفرضها.
2- «أم أن هناك أشخاص» والصحيح: أشخاصاً.
3- «أفرز فئة من كتاب الفوتوكوبي لا يهمها من الثقافة..» والصحيح: لا تهمها.
4- «يذكرها الأجيال القادمة» والصحيح: تذكرها.
5- « هي أن السياسيون منهم لا يعملون ..» والصحيح: السياسيين. وغيرها من هذه الأخطاء.
     أما حديثه عن المواقف فحبذا لو أورد الكاتب مواقفه وبالطبع فلا حاجة لنا بذكر بعض مواقفه التي لا يجهلها الكثيرون، كما أشير أن المقال هذا نفسه قد تم عرضه على أحدهم حيث قام بتنقيحه لغوياً، ويبدو أنه – السيد برزو – أعاد كتابته بصياغة أخرى مما أدى للمزيد من الأخطاء، وهنا من الحق أن أتساءل: لماذا هذه الجهينية – نسبة لجهينة – ومن أي رواق في الأزهر أو السوربون استقى منهجه هذا في الكتابة و (النقد) وممارسة الأستذة؟
     ويبدو جلياً أن المقال يتناول المشهد الثقافي الكردي في القامشلي، وليس المشهد الثقافي الكردي عامة أو السوري خاصة، فلماذا إذاً كان العنوان «نظرة نقدية في المشهد الثقافي الكردي»، أليس هذا تمظهر ثقافي بأجلى صوره؟؟؟!!!.
القامشلي

27/9/2009

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم محمود

أول القول ومضة

بدءاً من هذا اليوم، من هذه اللحظة، بتاريخ ” 23 تشرين الثاني 2024 ” سيكون هناك تاريخ آخر بحدثه، والحدث هو ما يضفي على زمانه ومكانه طابعاً، اعتباراً، ولوناً من التحويل في المبنى والمعنى القيَميين والجماليين، العلميين والمعرفيين، حدث هو عبارة عن حركة تغيير في اتجاه التفكير، في رؤية المعيش اليوم والمنظور…

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…