كلمة طيبة بحق حامد بدرخان.. ذكرى ووفاء..؟

 دهام حسن

حامد بدرخان.. ذلك الإنسان البسيط في حياته، البسيط في  زيه.. الهادئ في حضوره، الراحل بصمت ووقار، والراقد بسكينة  في مثواه الأخير.. لم يثر عند رحيله صخبا، ولم يلتفت إليه إلا نفر قليل  من أصحابه، هذا الإنسان البسيط، كان عزيزا في نفسه، كبيرا في بساطته، بعيد النظر في أحلامه و تطلعاته، كان يتمنى أن يعود إليه الشباب ليؤسس لمسرح كوردي ..قالها أثناء زيارته إلى عين ديوار المنطقة السياحية المطلة على دجلة في شمال شرق سوريا.. زار مرقد جكرخوين..قيل لي وقتها.. أنه ذرف أدمعا وهو يتوكا على نصبه..هذا الإنسان البسيط كان كبيرا في شعره..كتب الشعر بأربع لغات، كتب بالتركية، والفرنسية، والعربية، والكوردية..

تعلم اللغة العربية في كبره..فكتب من أجمل ما كتب الشعر بهذه اللغة، هذه اللغة التي  استعصى على كثيرين تعلمها، أجاد الكتابة بها حامد بدرخان، وكانت باكورة أعماله (على دروب آسيا)..معرفتي به كانت جدا بسيطة..حتى لا تذكر..حدثني أيضا أحد أصحابي قال أنه بات عندنا ليلة أو أكثر، فقمنا بغسل ملابسه، وقال لي هذا الصديق المضياف، قمت بتفتيش جيوبه فلم أعثر في جيوبه ولا ليرة سورية واحدة، كان مجييئه بصحبة طالب فتكفل هو بمصاريف رحلته.. هكذا كان حامد بدرخان.. جمعتنا مرة قعدة كانت تحتفي به جهة ما وكنت مدعوا..ولهيبة حضوره في نفسي، ولتقديري الكبير لمكانته كمناضل وإنسان، ولتكبيري لقدراته الشعرية..تلعثمت وتلكأت عندما أسمعته قصيدة غزلية. وكان يتأمل فيما أقول وكأنه تمثال دون حراك…ولما لم أستطع أن أكمل النص..عاد وابتسم  ليقول: لي مازحا أنت غير صادق في حبك..كان شاعرا كبيرا بحق، ثوريا، عالميا في شعره يتخطى نضاله الثوري  الحدود والأمكنة.. مثلما عرفه وسطه البسيط، عرفه بالمثل الكبار، لكن يبقى أهم صديق له في حياته ومماته، نازلي خليل..هذه السيدة التي عرفته وقدرته فكانت وفية معه حتى بعد رحيله..وقد تشرفت بإهداء ديوانه بالعربية بتوقيع نازلي خليل المكناة بأم فؤاد والسيد رشيد عبد المجيد أبو فؤاد.. فلهما مني ألف تحية وامتنان..فليت وراء كل مبدع ومبدعة إنسانة راقية كأم فؤاد..تلهم المبدعين والمبدعات..هكذا كان حامد بدرخان،وهكذا عرفته أم فؤاد فقدرته واحتفت به، وكان هذا وفاء ما بعده وفاء، ربما نسمعها بالأساطير
كنت كبيرا ياحامد في حياتك، وفي مماتك، ومهما بعدت بينك وبين محيطك وبيئتك  المسافة، .. فستبقى كالشمس الساطعة في سماء شعبك..نصير الفقراء والمعذبين في الأرض..

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبدالعزيز قاسم

(كان من المقرر ان اقدم هذه المداخلة عن “اللغة الشعرية في القصيدة الكردية المعاصرة ـ ڕۆژاڤا” في مهرجان فولفسبورغ للشعر الكردي اليوم السبت ٢٥ اكتوبر، ولكن بسبب انشغالي بواجب اجتماعي قدمت بطاقة اعتذار إلى لجنة إعداد المهرجان).

وهذه هي نص المداخلة:

من خلال قراءتي لنتاجات العديد من الشعراء الكرد (الكرمانجية) المعاصرين من مناطق مختلفة “بادينان،…

إبراهيم محمود

 

تلويح خطي

كيف لرجل عاش بين عامي” 1916-2006 ” وفي مجتمع مضطرب في أوضاعه السياسية والاجتماعية، أن يكون شاهداً، أو في موقع الشاهد على أحداثه، ولو في حقبة منه، إنما بعد مضي عقود زمنية ثلاثة عليه، دون تجاهل المخاطر التي تتهدده وتتوعده؟ وتحديداً إذا كان في موقع اجتماعي مرصود بأكثر من معنى طبعً، كونه سياسياً…

د. محمود عباس

حين يمرض الضوء، تبقى الذاكرة سنده.

قبل فترةٍ ليست بعيدة، استوقفني غياب الأخت الكاتبة نسرين تيلو عن المشهد الثقافي، وانقطاع حضورها عن صفحات التواصل الاجتماعي، تلك التي كانت تملؤها بنصوصها القصصية المشرقة، وبأسلوبها المرهف الذي حمل إلينا عبر العقود نبض المجتمع الكوردي بخصوصيته، والمجتمع السوري بعموميته. كانت قصصها مرآةً للناس العاديين، تنبض بالصدق والعاطفة،…

خالد حسو

 

ثمة روايات تُكتب لتُروى.

وثمة روايات تُكتب لتُفجّر العالم من الداخل.

ورواية «الأوسلاندر» لخالد إبراهيم ليست رواية، بل صرخة وجودٍ في منفى يتنكّر لسكّانه، وثيقة ألمٍ لجيلٍ طُرد من المعنى، وتشريحٌ لجسد الغربة حين يتحول إلى قَدَرٍ لا شفاء منه.

كلّ جملةٍ في هذا العمل تخرج من لحمٍ يحترق، ومن وعيٍ لم يعد يحتمل الصمت.

فهو لا…