ما يطلب من العالم تجاه تلاميذه
لأهمية العلم ومكانته في رقي المجتمعات وتحضرها أحببت أن أكتب ما يطلب من المعلم والمربي تجاه تلاميذه خاصة وتجاه الناس عامة، ومنهلي الذي أنهل منه بهذا الصدد هو القرآن والسنة وسيرة علماء هذه الأمة وأقوالهم، كيف لا وهي المناهل الصافية لأمة (إقرأ).
ويقول الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم : ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى 000 )[3] .
وروى أبو داود بسند صحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله عز وجل لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يعني ريحها)[4] .
لذا نقول كما قال صاحب الأحياء رحمه الله : (على المعلم أن يقتدي بصاحب الشرع صلواتالله عليه وسلامه فلا يطلب على إفادة العلم أجرا ولا يقصد به جزاءاً ولا شكراً بل يعلم لوجه الله تعالى وطلبا للتقرب إليه)[5]
وصح عن الإمام الشافعي رحمه الله تعالى أنه قال : (وددت أن الخلق تعلموا هذا العلم على أن لا ينسب إلى حرف منه )[6] .
الأمر الثاني :
الذي يطلب من المعلم أو المربي التواضع لله تعالى وعدم التكبر على الناس من العوام أو من تلامذته أو من أمثاله، فالتكبر في الأرض سبب من أسباب الضياع والخذلان في الدنيا والآخرة، فالله عز وجل يقول في محكم كتابه :
{سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق}[7]
ويقول تعالى عن إبليس أعاذنا الله من شره : {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين}[8]
ويقول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم : (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر)[9] .
هذا ويتحقق التواضع بزيارات متواصلة إلى أهله ويكون في خدمة جيرانه والفقراء والمساكين، ويهتم بشؤونهم، ويطلع على مشاكلهم، ويسعى في حلها كما أن عليه أن يقوم بزيارات لإخوانه العلماء، ولا يتردد في الاستفسار عما لا يعرفه منهم . كما أن عليه أن يتواضع في قبول الحق، ويرجع عن الخطأ ولا يتمادى فيه، قال وكيع: روى شعبة حديثا ، فقيل له إنك تخالف هذا الحديث ، قال من يخالفني ؟ قالوا : سفيان، قال: دعوه – أي دعوا الحديث واتركوه – سفيان أحفظ مني)[10].
وينبغي أن لا يتعظم على المتعلمين ، بل يلين لهم ويتواضع فقد أمر بالتواضع لآحاد الناس، قال تعالى :{ واخفض جناحك للمؤمنين}[11]
فهذا في التواضع لمطلق الناس، فكيف بهؤلاء الذين هم كأولاده مع مالهم عليه من الملازمة لطلب العلم[12] .
الأمر الثالث :
من الأمور التي تطلب من المعلم ليكون قدوة لتلاميذه أن يلتزم بالأخلاق الحسنة والآداب الفاضلة ويتجنب السلوكيات المذمومة فالله عز وجل أثنى على رسوله بعظيم الأخلاق قائلاً : {وإنك لعلى خلق عظيم}[13]
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (إن أحبكم وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحسنكم أخلاقاً وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلساً يوم القيامة مساويكم أخلاقاً)[14]
لذلك رأى العلماء أن من واجب المربي والمعلم أن يكون قدوة في التزام الفضائل واجتناب الرذائل . يرى ابن جماعة أن المعلم عليه أن يأخذ نفسه بأحسن الأخلاق وأكملها فإن العلماء هم القدوة، وإليهم المرجع في الأحكام[15] .
الأمر الرابع :
من الأمور التي تطلب من المعلم ليكون قدوة لتلاميذه أن لا يدع للحسد سبيلاً إلى قلبه، فما من آفة هي أعظم خطراً على الأمة من آفة حسد العلماء فالحسد هو الذي يوقع بين العلماء العداوة والبغضاء ، مما يؤدي إلى تمزق الأمة بسبب ما ينتشر بين تلاميذ أولئك العلماء وأتباعهم ومربيهم من الكراهية والبغضاء مما يؤدي إلى توارث الأجيال لهذا الداء الوبيل ، فيصبح مرضاً مزمناً يصعب على الصالحين والمربين إزالته والقضاء عليه . وعلاج حسد العلماء يكون باللجوء إلى الله تعالى ، والاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، وكثرة الاستغفار والدعاء لإخوانهم العلماء بمزيد من العلم والتوفيق ، وعلو المنزلة عند الله والناس وإن أساء إلى بعضهم يذهب إليهم ويستسمحهم ويعتذر إليهم . وقد فصل الإمام النووي في المجموع القول في هذه العلل والأمراض[16] ، كما تناول ابن جماعة هذه الأدواء وكيف يتحاشاها المعلم[17] .
الأمر الخامس :
على العالم أن يتجنب الطمع في المال والمنصب والرياسة، فإن الطمع في هذه الأمور خسة ودناءة وإذلال للنفس ، وإهانة والترفع عنها عزة وسؤدد .
فهذا سعيد بن المسيب يزهد في الدنيا ولا يلهث وراء المطامع بل يؤثر التقوى مع الفقر على مظنة الظلم مع العظمة والسيادة والمال ، فيزوج ابنته من تلميذه الفقير ، ويرفض ابن الخليفة فيسطرالتاريخ اسمه في سجلات العلماء العاملين .
وهذا غياث بن إبراهيم حين دخل على المهدي وكان المهدي يحب الحمام ويلعب به ، فإذا قدامه حمام فقيل لغياث حدّث أمير المؤمنين فقال: حدثنا فلان عن فلان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
لا سبق إلا في نصل أو خف أو حاجز أو جناح ، فادخل فيه قوله (أو جناح)، فأمر المهدي له ببدرة فلما قام قال: أشهد أن قفاك قفا كذاب على الرسول صلى الله عليه وسلم ، ثم قال: أنا حملته على ذلك ثم أمر بذبح الحمام ورفض ما كان فيه[18] .
هذا ويرى ابن جماعة رحمه الله أن من أهم الصفات التي يجب أن تتوفر في المعلم، هو تنزيه العلم عن جعله وسيلة للحصول على أغراض ومطامع دنيوية من جاه أو مال أو سمعة أو شهرة أو تقدم على أقرانه[19] .
(ويصون العلم كما صانه علماء السلف ويقوم له بما جعله الله تعالى له من العزة والشرف)[20].
وقد صح من الشافعي رحمه الله تعالى أنه قال : (وددت أن الخلق تعلموا هذا العلم على أن لا ينسب إليّ حرف منه)[21] .
الأمر السادس :
من الأمور المطلوب توافرها في المعلم الرفق بتلاميذه والإحسان إليهم ما أمكنه، فقد روى الترمذي بإسناده عن أبي هارون العبدي قال: (كنا نأتي أبا سعيد الخدري رضي الله عنه، فيقول: مرحباً بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الناس لكم تبع و إن رجالاً يأتونكم من أقطار الأرض يتفقهون في الدين ، فإذا أتوكم فاستوصوا بهم خيراً)[22] .
وعلى المعلم أن يقبل تصحيح تلاميذه ولا يتمادى في الباطل أو الخطأ و يفعل ما فعله سفيان بن عيينة مع تلميذه العلاء بن الحسين كما سيأتي في آداب التلميذ مع معلمه .
الأمر السابع :
من الأمور المطلوب توافرها في المعلم وهو أخطرها الحذر من البدع المحدثة في الدين، فهذا الغزالي يقول في كتابه الإحياء حول هذا الأمر مقالا مطولا اقتطف منه بنصه يقول رحمه الله تعالى: (ومنها أن يكون شديد التوقي من محدثات الأمور وإن اتفق عليها الجمهور فلا يغرنه إطباق الخلق على ما أحدث بعد الصحابة رضي الله عنهم … فلا ينبغي أن يكترث بمخالفة أهل العصر في موافقة أهل عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم … قال الحسن –
والقول مازال للغزالي – : محدثان أحدثا في الإسلام : رجل ذو رأي سيئ زعم أن الجنة لمن رأى مثل رأيه، ومترف يعبد الدنيا لها يغضب ولها يرضى ، و إياها يطلب فارفضوهما في النار… و كان أبو سليمان الداراني رحمه الله تعالى يقول : لا ينبغي لمن ألهم شيئا من الخير أن يعمل به حتى يسمع به في الأثر ، فيحمد الله تعالى إذا وافق ما في نفسه ، وإنما قال هذا – والقول لا يزال للغزالي رحمه الله تعالى – لأن ما قد أبدع من الآراء قد قرع الأسماع ، وعلق بالقلوب ، وربما يشوش صفاء القلب فيتخيل بسببه الباطل حقا، فيحتاط فيه بالاستظهار بشهادة الآثار.. وفي الحديث النبوي المشهور : (من أحدث في ديننا ما ليس منه فهو رد) [24]،[23]
——————————————–
[1] – الإلماع / 60 /
[2] – المجموع 1 / 67 /
[3] – المجموع 1 / 67 / بتصرف .
[4] – إحياء علوم الدين 1 / 51 / ، والإلماع / 48 /
[5] – الالماع / 238 /
[6] – المجموع 1 / 69 /
[7] – المجموع 1 / 66 / وإحياء علوم الدين 1 / 50 /
[8] – المجموع 1 / 50 /
[9] – الإلماع / 53 /
[10] – سبق تخريجه ، انظر الصفحة / 6 /
[11] – المجموع 1 / 47 /
[12] – – أخرجه مسلم 1 / 74 برقم ( 54 ) والترمذي 4 / 664 برقم ( 2510 ) .
[13] – المجموع 1 / 67 /
[14] – أدب الإملاء والاستملاء / 126 /
[15] – المجموع 1 / 68 /
[16] – أدب الإملاء والاستملاء / 133 /
[17] – أدب الإملاء والاستملاء / 126 / ، والمجموع 1 / 67 /
[18] – أخرجه الحاكم في المستدرك 4/188 برقم ( 7319 ) والترمذي 4/589 برقم ( 2378 )
[19] – المجموع 1 / 70 /
[20] – أخرجه البخاري 1 / 14 برقم ( 14 ) ومسلم 1 / 67 برقم ( 45 ) .
[21] – إحياء علوم الدين 1 / 50 /
[22] – المجموع 1 / 68 /