جمال سعدون …لا زال هنا ..لا زال هناك

أمين عمر

أعرف إنك هناك كما كنت هنا…كما كنت دائماً متشعب الروح بين آهات الهٌنا والهٌناك ..من هناك كنت تحكم قلوباً تاهت في زوابع ضآلة مرت من هناك وهنا ..

لا زلت ملاحَ فضاءاتٍ لا تتناثر  هُناك  أو هُنا ،  اعرف كما كل العابرين ..التائهين في فنون أناشيد العشق الثائرة، التي غادرت من هنا ولم تحط هناك .. أنه العشقٌ الصادح من فاك وينبوع جارٍ يحبسه المارقون هنا وهناك .. أي عفة تخرج من بين أصابعك الدامية لتتربع سيّدَ أفئدةٍ على هامات كادت تتحول دمى ..
 كنت دائما بيننا وبينهم هنا وهناك ، حين تغني يتمادى الحلم في غروره.. وتضيع الأذن بين الجهات بحثاً هنا.. لاهثاً هناك عن الجهات..لا يعرف احدٌ قبل الاغتراف كيف سطعت.. تشربت .. تعمقت وحيداً في أنفاق ضاقت هنا وهناك ..

ألف ميلٍ من الحزن وحِجرٌ صغيرٌ.. ساكنه قلبٌ يفك طلاسم الأشجان وينفث أرواحاً ثقيلة الهندسة.
نغمتُك ..تنهيدتُك.. ألحانك المباركة من الأقحوانات من فرحة الصبايا بالأعراس لوحاتك الكوجرية اجتازت الحدود وتخطت منذ زمن بيارق القبور إلى عالمٍ كبير أكبر من أحلام جمبشك الراقد منذ اشهر
لا تقترب  أكثر ، لا تعلن عن نفسك ، اعرف انك هنا وهناك.. لازلت ترقص هنا في كل الأدمغة  وتدندن هناك على كل الألسنة لا زلت تهز أعماق الجميع ..جميع من مر بديرك  قاصداً عين ديوار أو زاخو …
كل المسافرين الموتى والأحياء تكفنوا بكلماتك.. كل مولودٍ ..تجرعٍ من أغنياتك تعلم درساً ..قانوناً حول احتفاءٍ مشتعلٍ بجوار الأفئدة ، كنت دائما في كل مكانٍ.. في الفراغ الفاصل بين الفراغات في نسمةٍ كتمها الأنفاس 
في ليلٍ مضمحلٍ بلا ريبٍ ، لوهلة غادرة ..عابرة ..مقحمة في ربيعٍ منتظر، هناك طردنا مع اليأس أغنيةٍ بصوتٍ لا يشبه صوت بلبلنا ، عذرا.. كدنا نُصدّق علوماً عن اغتصاب الألسنة ولكن هيهات مثلك أن يغادر مسارحنا و واحاتنا الجميلة
انك إن غادرتنا يوماً من هنا أو من هناك  فكن ثقةٍ كما ألحانك إنك تجري في دمائنا العطشى..
  نعرف بعد كل حفلة يترأسها السجان تبدأ حفلتك الدائمة.. للنسيم والعشق والحرية الماضية ..القادمة والجدران الصامتة و أرتال المنكوبين
لازلت هنا في قلوبنا .. لازلت هناك في قلوبنا ..لازلت الحاضر الغائب في ليالينا المسمومة في ربوع قنوطنا القادم الراحل ، رغم زخم الحب الصامت ..رغم بيوتنا المهاجرة لا زلت باقٍ

من يمر بقلعتك يدرك أن أنشودة  الفلكلور لا تأبه بتآكل الجدران وصدأ الحديد.. عذراً أنهم لا يعرفون المسافات التي تقيسها وتخيطها بين كانيا غيدا وكانيا عسكري  .. عذراً إنهم لا يفهمونك ، لا يعرفون الفرق بين جمو وعلوشٍ ،لا يفهمون  كيف تكون هنا وهناك وفي كل الأمكنة ..

هنيئاً للفنان جمال سعدون  ولأهله وعشاقه بحريته

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

بهجت حسن أحمد

ولد رشاد زازا في شمالي كردستان عام 1910 عندما كانت الدولة العثمانية المحتلة لكردستان تعاني من سكرات الموت بعد خلع السلطان عبد الحميد الثاني وتنصيب محمد رشاد الخامس سلطاناً على الدولة المتهالكة بعد انقلاب حزب الاتحاد والترقي على السلطان عبد الحميد الثاني.

في تلك الأجواء المشحونة عالمياً ممثلة بخطر قيام حرب عالمية بدأت بوادرها…

فراس حج محمد| فلسطين

لا شك في أنّ نافذ الرفاعي روائيّ بارع، يُحسن عمله الروائي، ومن خلال ما قرأته له أدرك حجم موهبته الفذّة في صناعة رواية جيدة، وهو من الروائيين القلائل الذين يتأنون في صنعته، ولا يعاني من الفيضان الروائي أو الغزارة في إنتاج الروايات. إنه يتأمل جيدا قبل الكتابة وخلالها، وها هو يتأمل مرحلة…

إبراهيم أبو عواد / كاتب من الأردن

يُعْتَبَرُ المُتَنَبِّي ( 303 ه _ 354 ه / 915 م _ 965 م ) أعظمَ شُعَراءِ اللغةِ العربيةِ على الإطلاق . تَدُورُ مُعْظَمُ قَصائدِه حَوْلَ نَفْسِه ومَدْحِ المُلوكِ ، وأفضلُ شِعْرِه في الحِكمةِ وَفَلسفةِ الحَياةِ وَوَصْفِ المَعاركِ والحُروبِ . لَمْ يَصِف الحَرْبَ كَحَدَثٍ دَمَوِيٍّ فَحَسْب ، بَلْ…

ا. د. قاسم المندلاوي

عوامل كثيرة تاثر في حياة الطفل وفي المقدمة جو العائلي ” الروتين القاتل ” وجو المدرسي ” الكئيب ” جلوس طويل للتلميذ على رحلة الصف ، كثافة الدروس و الواجبات النظرية ، تاثير المعلم و المدير فضلا عن غياب الانشطة الترويحية الفنية و الرياضية وافتقارالمدرسة الى ساحات و ملاعب و قاعات لقضاء اوقات…