رد على حيدر عمر مع التحيَّة

هوشنك أوسي

بادئ ذي بدء، سرَّني ردُّ الأخ الاستاذ حيدر عمر، تحت عنوان: “القراءة المزاجيَّة هوشنك أوسي نموذجاً” (إيلاف: 14/2/2010)، على مقالي “عن النقد وإِنصافه وأَنصافه”، المنشور في “إيلاف” يوم 12/2/2010. رغم أن العنوان الذي انتقاه حيدر لمقاله، ينطبق عليه، أُسَّاً وأساساً، ولا حرج أو ضير في ذلك. وسآتي على توضيح هذه النقطة لاحقاً. أمَّا ما أودُّ نقله وتوضيحه وتأكيده للسيّد عمر، بأن إِنصاف النقد، كان مطلبي منه لكوني اعتبر حيدراً، ودون مجاملة، من نقَّادنا الأكراد الأفاضل. أمَّا أنَّصاف النقد، فليس المقصود أو المُشار أو الموحى إليه هو، بل المتطفِّلين، من بين الذين لهم مع احمد حسيني خصومة أو خلاف شخصي، أو ما شابه ذلك. نقطى انتهى، من بداية السطر.
القراءة فعل انتقائي. والانتقائيَّة، من جملة ما تنطوي عليه، تنطوي على المزاجيَّة أيضاً. والنقد فعل قراءة، أفقيَّاً وعاموديَّاً، ومحاولة سبر مكنون النصّ وخزينه الدلالي، وقلقلة ألفاظه، واستكشاف معانيه ورموزه، وصولاً لفهم النص، وإعادة بناءه، بمنأى عن المؤثرات الخارجيَّة. وعليه، النقد، نصٌّ في النصّ، أو نصٌّ على النصّ. فهو قراءة إبداعيَّة للنصّ الإبداعي. هكذا أفهم النقد. رغم أنني لا أزعمه. وبالتالي، مثلما القراءة، يغلب على الميل المزاجي، إذ لا يمكن أن نقرأ لأيٍّ كان، وأيَّاً كان. فالنقد، أيضاً لا يمكن أن يكون عن أيّ نصٍّ كان. وبالتالي، فالنقد، فعل مزاجي، يستند على الأدوات والمنهجيَّة والثقافة. وهو فعل إبداعي، بامتياز.
سأبدأ من حيث انتهى حيدر عمر، في مقاله السالف الذكر، بقوله: “مهلاً يا صديقي، الانحياز إلى الصداقة أو الزمالة أو الاشتراك في أديولوجية ما، و تجاوز أسلوب البحث العلمي، في الكتابة لا يجر على صاحبه في النهاية غير الخسران”. وعليه، اعتقد أن ما كتبته، لم يكن، مدفوعاً، لا من الزمالة ولا الصداقة، ولا الخلفيَّة الأيديولوجيَّة، بل يرتكز على أبرز وأوّل ركائز النقد، وهو النص. إنّ أراد أحدهم نقد أو فهم الإسلام أو أيّ دين، أو أيَّة فلسفة…، فالمصدر الأوّل سيكون القرآن والسنّة، وليس التفاسير، والقيل والقال، ونشر خبر هنا، وآخر هناك. وكذا الحال في نقد المسيحيَّة أو أيَّة فلسفة. فالماء الرقراق والأكثر نقاءاً، يكون من رأس النبع يا عزيزي. وكان الأجدى بحيدر، أن ينظر إلى الخلافات الشخصيَّة أو الخصومات الأيديولوجيَّة، التي دفعت البعض إلى انتقاد أحمد حسيني، بنفس القدر الذي يحاول أن يضفي هذه الصبغة على من حاول الدفاع عن النقد، والإشارة إلى مثالب وأخطاء المناوئين لحسيني، ومن اعتمد على هذه الاخطاء، لزيادة جرعة الانتقاد إليه. وعليه، إذا كانت ثمّة مزاجيَّة لدى هوشنك أوسي، حسب زعم حيدر عمر، بالتأكيد، فأنّ هنالك مزاجيَّة في المقالب الآخر أيضاً. وبين حجج الطرفين، يتبيّن من هو الأكثر حرصاً على حرمة الكلام والنقد، وعدم “المجازفة بالكلام”، على حدِّ تعبير الصديق العزيز الناقد خالد محمد. أمّا من سيكون مآله الخسران، فمتروك لنباهة القارئ الحصيف، الذي يتقن فرز القرائن، وتثمين قيمتها. وليس كلَّ من انتقد أحمد حسيني، على موقف له، أو نصٍّ له، اعتماداً على توارد الأخبار وتواترها، يمكن الأخذ به على أنّه انتصار للنقد والكلمة، وكل من تنطَّع للدفاع عن احمد والنقد والابداع، مبيَّناً لما بين يديه من القرينة الوثقى، وهي النصّ، على أنَّه خسران، وسوء العاقبة، لأنه ميلٌ شخصي ومزاجي وسياسي وأيديولوجي…!. أوليس كذلك يا عزيزي؟!.
مقالتي، لم تكن عن سوء فهم لما كتبه حيدر عمر، بل كانت عن عسر هضم، لما رأيته غير لائق بناقد من طينة حيدر عمر، أن يتهم أحمد حسيني بتأسيس تحقير الذات، والترويج لها…الخ!، وأشياء أخرى، أتيت على ذكرها في مقالي السالف، ولا أودُّ تكرارها.
يقول حيدر عمر: “تناولت في مقالتي تلك موقفاً غير لائق بشاعر صدر عن الشاعر أحمد حسيني، و هو موقف رأيته يؤسس لثقافة التحقير في المجتمع، خاصة وأنه صدر عن شاعر له مكانته في الشعر الكوردي الحديث. أما الموقف، كما ورد في بعض مواقع النت الكوردية، منها موقع آفستاكرد و موقع آزاديا وَلات، فهو أن الحسيني قد ألقى أوراقه أرضاً، في برنامج حي لفضائية روز ت.ف بتاريخ 27. 11. 2009، و خرج من الكادر منفعلاً و هو يقول، بعبارة لا لبسَ و لا غموض فيها ما معناه بالعربية ( لتكن الكلمات و القصائد قرباناً لنعالك يا أوجلانوس ).
وهل حاول حيدر عمر، وبحكم علاقته الطيّبة بأحمد حسيني التي أتى على ذكرها في مقال ردِّه عليّ، التأكد من ذلك الخبر، عبر الاتصال بحسيني؟!. ومتى أصبحت مواقعنا الالكترونيَّة أناجيل ومصاحف، ومحرروها ملائكة وأنبياء وأولياء…، ولا يشوبهم شائبة، حتّى نثق، مغمضي الأعين والعقول والقلوب، بما ينشرونه من أخبار؟!. وأقلّ شيء كان يمكن لحيدر فعله، هو العودة للنصّ. وهو لم يفعل لا هذا ولا ذاك. لا قبل كتابته لمقاله السالف، ولا وبعد قراءته لمقالي، ولا قبل كتابته لردّه عليَّ!!؟. واكتفى بالاخبار، “الموثوقة” التي لا يأتيها اللغو والتلفيق من جنبيها، التي نشرها موقع الكتروني كردي، معروف الميل والهوى والمرام!. والانكى، أنَّ حيدراً، لا زال مصرَّاً “صدق ومتانة” موقفه في مقاله عن أحمد حسيني!.
وإلى القرّاء الأعزّاء، والنقّاد الأفاضل، رابط قصيدة أحمد حسيني، كي يتبيَّن الحقُّ من الريب:http://www.rojava.net/ehmedehuseyni. ويختتم حسيني نصّه المهدى أصلاً، إلى المناضلة ليلى زانا، بالقول:
( – Kî ji we dizane mirov çawan dikare laşê xwe ji bageran، çavên xwe ji xewrevînê، destên xwe ji kuştinê، welatê xwe ji mirinê û dilê xwe ji hezkirina hechecîkan، biparêze?
Ocalanos ji helbestan، ji kêlên dîrokê، ji darbesta gulan û ji dengbêjên mirinê dipirsî!
Min jî bersiva wî bi hêrs dida: De bila hemî peyv û hemî helbest bi qurbana pêl-ava te bin Ocalanos!)
… والمعنى بالعربيَّة: (ـ مَن منكم يعلمُ كيف للمرءِ أن يجنِّبَ جسدهُ من الأعاصير، عينيهِ من السهد، يديهِ من القتلَ، وطنه من الموت، وقلبه من عشقِ السنونوات؟!
هكذا ساءل أوجالانوس القصائدَ، شاهِداتِ التاريخ، خشبةَ دفن الموتى الحاملة ورداً، ومغنييّ الموت.
فأجبتُه منفعلاً، هائجاً: فليكن الكلام كلُّه، القصائدُ كُلُّها، قرباناً لموج_مائك يا أوجالانوس).
وعلى ضوء ما سلف، لا حذاء ولا نعال موجود، ولا تحقير للذات، ولا تنزيه لها. وقارئ الكرديَّة الحصيف، ومنهم حيدر عمر، يعي ويعلم ذلك. ولن اتَّهم عمر بأنّه انطلق من موقف مسبق من حسيني، ولا من هوشنك أوسي، ولا من أيَّة جهة، كما اتّهمني هو، جزافاً، بل سأكتفي بالقول: إنَّ ردَّه هو دفاعٌ عن الذات والمآل والمقصد، بشكل هشّ!. والنصّ، سيّد الردّ والبيان. وحسيني ليس مجبراً أن يكذِّب كلّ متطفِّل على إبداعه، وعلى النقد أيضاً، وكلِّ متطبِّل بالأحقاد والخصومات، من الذين يتربَّصون به، ويتصيَّدون له في الماء العكر، لكل قول أو فعل يصدر عنه، ويلاحقون أخباره وكتاباته، غارفين من النقد والثقافة، وحريّة التعبير، والحرص على الشعر والكلام، وأيُّهما أنفع وأجدى للشعوب، الشعر أم القادة؟!. وأيًّهما الثابث وأيُّهما المتحوّل، الشعر أم القادة… وهكذا دواليك، إلى آخر هذه الشعارات والكلام المنمَّق، على اعتبار أنَّهم يردُّون “الخطأ والسقطة”، ولا يعلمون أنَّهم يقترفون خطأً أكبر، وبكثير من الركاكة والفجاجة!.
يقول حيدر: “(…) هذا الذي حدث في ذلك البرنامج، و تناقلته مواقع النت، مضى عليه ما يقارب الثلاثة أشهر، دون أن يبادر أحد، لا الشاعر المعني و لا المدافعين عنه إلى نفيه و تكذيبه، مما جعله في الآونة الأخيرة موضوع مقالتين، إحداهما لي و الأخرى للكاتب قادو شيرين، و قد انبرى الأستاذ هوشنك أوسي للكتابة حول المقالتين مدافعاً عن الحسيني و محاولاً تفنيد ما ذهبت إليه المقالتان”.
أوّلاً: اعتقد أن نصّ احمد حسيني، هو الكفيل بالردّ. ومسألة عدم ردّ حسيني على “منتقديه”، تعود له. أمّا المقالان، الذان أشار لهما حيدر، فهي ثلاث، حسب الترتيب، مقال قادو شرين أوّلاً، ومقال جان كورد، ثانيّاً، ثم مقال حيدر عمر ثالثاً. ومن الإنصاف، حُسنُ الذكر والترتيب!. وأنا لم أخصص مقالات ردّ على هذه المقالات الثلاث، تباعاً. بل اكتفيت بالردّ على الأسلوب والفكرة والابتسار، والبناء على الخبر والشائعة، ونقلاً عن فلان، أو علاّن، دون العودة للنص، ودلالة ذلك في المسلك الثقاف_سياسي، وتأثير ذلك على الفعل النقدي. يعني، لم أخصص مقالاً للردّ على هذا أو ذاك، كما أشار حيدر. وهذا هو مقال الردّ الأوّل، بهذا الخصوص، عنواناً ومتناً.
يقول حيدر: “إنه لجميل جداً أن يدور سجال أو حوار ثقافي فكري و أدبي بين الكتاب، لأنه يدل على صحة مسارالتواصل، ولكن الأجمل أن يلتزم هذا الحوار معاييره الهادفة إلى تفعيل الحراك الثقافي بما يؤدي إلى دفع عملية التواصل نحو آفاق فكرية أرحب، و لا تلغي الآخر المختلف”. وعليه، عمَّن يتحدَّث ناقدنا الفاضل؟!. ومن ألغى المختلف في الرأي؟!. وأوليس اتهام مبدع بتحقير الذات، وتأسيسه وترويجه لهذا الأمر، إلغاء للمختلف!؟. المسألة، أنني أشرت مراراً وتكراراً للعودة للنص، الأصل والفصل، في هذا الأمر. ولم تعودوا له. وهذا شأنكم. وحينئذ، لا يأتينَّ أحد، ويلقي خُطباً حَطباً، عن الشعر والنقد وقداسة الكلمة، ويطرب وينشد ويشدو في محاسن النقد، وحرية التعبير، ويغرف من تاريخ الآداب العالميَّة، لتوثيق وتوكيد شائعة، دون أن يكلِّف نفسه قراءة النص المعني!. شأن هذا، شأنُ من يعلِّق على تصريح، سمعه من فلان، ولم يقرأه!. ثمّ أنني تحدّثت عن المتطفّلين على النقد. وهذا ما أشار إليه حيدر أيضاً، في معرض مقاله، في ردِّه على تعليق شخص، لا يكون يفهم من النقد، لا نوناً، ولا قافاً، ولا دالاً؟!.
ليكن الأخ حيدر على علمٍ تامّ، أن ليس له منِّي أيَّ موقف مسبق. وأنا لا أعرفه شخصيّاً. ولم أقرأ له إلاّ نادراً. ووقع بين يدي كتابه النقدي عن الشاعر الكردي فقيه تيران، لكنني لم أقرأه بعد، للأسف الشديد؟!. وعليه، أيَّة مواقف مسبقة، أتى على ذكرها عمر؟!. الحقّ أن هذا الكلام، نال منِّي منال الدهشة والغرابة!. وعليه، ينبغي على عمر تفسير ترجيحه على أنني مأخوذ منه بموقف مسبق، لا أعلم عنه أيّ شيء!.
مهمٌّ جدَّاً أن يحظى الكاتب بأيَّة لغة، بالقدر الكافي من الإلمام والدراية بقواعدها تلك اللغة، إلى جانب إتقانه تقنيّة الكتابة بحرفيَّة. لكن، ليس من الضروري أن يكون من عتاةِ نحاتها. وإيَّاً يكن من أمر، فالكاتب، ليس في امتحان لغة عربيَّة، أثناء الكتابة. وقد يشوب متنه، بعض الهفوات والهنَّات. وإذا بقينا نتصيّد لبعضنا الأخطاء، لقضِّينا الوقت في هذا الأمر، وإلى ذلك، ما فعله حيدر، باقتباسه شيئاً من مقالي السالف، منوِّهاً في سياق المقتبس، لما اعتقدَه أنني ارتكبت خطأً نحويَّاً، إذ كتب: “هل قرأ حيدر عمر قصيدة أحمد حسيني؟ لو عاد حيدر، و هذا ما ينبغي على الناقد، إلى قصيدة أحمد حسيني، سيرى ( سيرى و ليس لرأى ) أنه كتب:
 Pêlava te وليس Pêl-ava- te
والأولى تعني موجك و الثانية تعني حذاؤك، و شتان ما بين الأثنين في التوظيف الشعري…”.
وفعلاً، ظننت أنني قد اقترفت سقطة نحويّة. ولكن، حين تمعّنت، ثم سألت أحد الأصدقاء والزملاء الكتّاب، ويحمل إجازة في اللغة العربيَّة من جامعة دمشق، وهو عمر كوجري. فتأكَّدت أن “لرأى”، هي أصحّ من “سيرى”، لأن اللام، رابطة لجواب الشرط، لأسم الشرط غير الجازم، “لو”. عموماً، لا داعي لهذه الأمور. ويفترض أن يكون اشتغال حيدر، ليس على تصويب الاخطاء النحويّة، فهو ليس مدقق لغوي، بل عليه التركيز على المنهجيّة والجوانب الفكريّة في الكتابة.
يجيب حيدر على تساؤلي بالقول: “نعم، أنا لم أقرأ قصيدة الحسيني التي يشير إليها هوشنك، كما لم اقترب منها في مقالتي المذكورة”. وعليه، ما هذا الكلام؟!. إذن والحال هذه، على ماذا بنيت مقالك، وعدت به الى النابغة والمتنبّي، وشعراء السلاطين والملوك…، واكتشفت احمد حسيني نموذجاً لاحتقار الذات؟!. هل على بعض الأخبار عن مواقع، لها مناكفاتها ومناوءاتها من “روج تي في” وأحمد حسيني؟!. ولو كان مقالي متكوباً بالكرديّة، لما استوجب الردّ!. ولأنّه بالعربيَّة، حفَّز ذلك الشعور بالمظلوميّة والتجنِّي لدى حيدر، كي يردّ على كاتب هذه السطور!. بربِّ الكلمة الكلمة الكرديَّة والعربيَّة والعبريَّة والتركيَّة والفارسيَّة والسيريانيَّة…، أوليست هذه إهانة للغة الأم من لدنّ كاتب كردي، وناقد حصيف؟!. والتبرير عن سبب كتابته للردّ، غير مقنع، وبل أصاب عمراً ما أصابه. والحقّ أنه فعلاً “نقد غير موفّق”، وبل ومشوب بالغلط واللغط، ومآله التجنِّي على حسيني أولاً، على انه يحتقر الذات، ويسعى لتأسيس هذه الثقافة بين الاكراد، وعلى أوسي ثانياً، على أنّه ينطلق من موقف مسبق من حيدر، ويدافع عن حسيني لكذا وكذا، ومآله الخسران؟!.
ويقول حيدر: “أنا لم أنقد أو أدرس قصيدة، بل نقدت تصرفاً ينم عن موقف خطير يؤسس لثقافة التحقير و الدونية لا ينبغي أن يصدر عن شاعر له قراؤه و منزلته”. والسؤال، على ماذا اعتمدت إذن؟ وما هي قرينتك؟!. ولا تقل ليّ، خبر هنا، وآخر هناك؟!. واسمحي لي بتذكيرك، بقوله تعالى: “وإنْ أتافكم فاسقٌ بنبئٍ، فتبيَّنوا، أن تصيبوا قوماً بجاهلةٍ….”!. وبل الموقف الخطير، الذي يؤسس للنقد المستند على الأخبار والشائعة، دون التدقيق والتمحيص، هو ما كتبه حيدر عمر في مقاله عن أحمد حسيني. وإطلاق التهم جزافاً، في مقال الردّ على كاتب هذه السطور أيضاً!. هذا الموقف الخطير، الذي ينبغي للقرَّاء والنقَّاد الوقوف عنده مليَّاً، واكتشاف خلفيَّاته، واستشراف تبعاته، هو الذي يؤسس لأمور وأمور، لا يتّسع هذا المقام لتعدادها.
يقول حيدر: “إن ما كتبته لم يكن مبنياً على (ما أشيع) و لا على (خطأ)، بل على ما تناقلته مواقع النت، و منها ما هو قريب جداً من الحسيني، ولم أقل: ” قد ذبح كلماته و نصوصه الشعرية تحت حذاء أوجلان “، بل قلت (رمى أو ذبح الكلمات و القصائد)، و شتان ما بين العبارتين”. أمَّاً عن الجزء الأوّل، فقد أجبيت واكتفيت. ولكن حين يرفض حيدر ذكره لـ”الذبح” في مقاله عن حسيني، وأنه ذكر “الرمي”، ثم يعطف الرمي على الذبح، ويقول “شتّان ما بين العبارتين، فهذه من مغامرات الاستخفاف بالقارئ واللغة أيضاً. نقطة انتهى، من أوّل السطر!!.
ويضيف حيدر: “… ثم إن الحسيني لم يهد أوجلان قصيدته في ذلك البرنامج، فلو كان فعل، لكنا قلنا إنه يعبر عن تعاطفه معه و ينتصر لقضيته. و هو أمرلربما يُكتب له و ليس عليه، ولكنه رمى أوراقه أرضاً و نحر الكلمات و الشعر عامة تحت الحذاء الذي يُنتعَـل فترة، ثم يُرمى، فهل الكلمات و القصائد بهذه التفاهة و هي ضمير الأمة؟!”.
أمَّا عن الإهداء، فهو لليلى زانا. وقد ذكرت ذلك أعلاه. ولئن حيدراً لم يقرأ النصّ، فلا حرج على جهله لمن كانت القصيدة مهداة!. لكنّ، العنوان، والمتن والمونودراما داخل النصّ، تشير إلى حجم التعاطف مع محنة أوجالان. ونفي حيدر لتعاطف حسيني مع أوجالان وقضيته، لكونه لم يهدهِ قصيدته، هي أيضاً مجازفة، أوقع حيدر نفسه فيها. والسبب، أنَّه لم يعد للنصّ!. ولَعمري أن جلُّ التفاهة، هو أن يُنتَهَكَ النقد، برشق الناس بالتهم، وبداعي الدفاع عن الثقافة والشعر، وقضايا الشعوب!. أن يكون العامّ، هو لبوس أو دريئة الخاصّ، في رشق الناس بالتهم، هذه أتركها برسم أمانة وموضوعيَّة وحياديَّة حيدر عمر النقديَّة.
ويقول حيدر: “أنا لم أفتر على أحمد حسيني الذي تربطني به معرفة و صداقة منذ ما يزيد عن عقد و نيف، كما ذهب إليه السيد هوشنك في مقالته، بل بنيت رأيي على ما لم يُحَمل لا السيد هوشنك، و لا غيره، نفسه عناء البحث عن وسيلة، إن وُجدت، ليفندوا بها ذاك الذي ( أشيع )”.
هو لم يفترِ على من ترطبهُ بهِ صداقة، منذ عقدٍ ونيّف، بل اتهمه بتحقير الذات، وتأسيس ذلك في المجتمع، آخذاً بما نُشر هنا وهناك، ولم يكلِّف نفسه الاستفسار عن ذلك من صديقه!؟. ألا ترى يا أستاذنا الفاضل، بأنك الآن تمتهن إهانة الذات، وتزيد في إهانة الآخر، كتَّاباً ونقَّاداً وقرَّاء!؟. أمَّا أنا، فقد فنَّدت ما ذهبتَ إليه أنت، وذهب إليه قبلك آخرون، بالدعوة إلى العودة للنص الأصل!. أوتريد أكثر من هكذا تفنيد!؟.
“إن الحدث الذي تناقلت مواقع النت خبراً عنه منذ ما يقارب الثلاثة أشهر، كان على مرأى و مسمع ملايين المشاهدين، و على الهواء مباشرة، و قد سكت عنه السيد هوشنك كل هذه المدة، و لم يقل عنه إنه ( إفتراء)، فلماذا يأتي الآن و يصف مَن يقاربه بالمفترين؟” هكذا يتساءل حيدر عمر. وياله من عَجب العُجاب!!؟. يا أستاذنا الفاضل، أنا لا أردُّ إلاَّ على الآراء. والأخبار والشائعات أتركها لك، كي تبني عليها نقداً حصيفاً، لبلورة ما شئت من تهم، تارة؛ تحقير الذات، وأخرى، موقف مسبق، وتركيب الرأس على أكتاف الآخرين…الخ!. أنا لا اشتغل على الأشخاص، بل على الأفكار. وأحياناً، تهمِّني خلفيَّات الاشخاص، لمعرفة الأفكار!. لقد تجاوزت الخبر والشائعة. أمَّا أنت وغيرك، فقد استثمرها، شرَّ استثمار، ولغاياتٍ ومآلات، ليست خافية على القارئ!. نقطى انتهى.
ويجيب حيدر على تساؤله بالقول: “أليس لأنه (يقصد هوشنك) يريد أن يركب رأسه بين أكتاف الآخرين، ليفكروا كما يفكر هو نفسه؟. كان حرياً به أن يرجع إلى أراشيف المواقع التي أوردت الخبر، أو أرشيف فضائية روز ت.ف ليتأكد من صحته أو عدمها، قبل أن يجري إلى قلمه ليسخر ممن كتب شيئاً مخالفا لما يراه، إذا كان يريد أن يفند آراءهم و ادعاءاتهم.و هذا أبسط القواعد التي تؤسس لرأي صائب، يحاجج آراء الغير”. والحريُّ أيضاً وأيضاً، من ناقد وباحث، يحترم النقد، العودة للنصّ، ولا ينبي اتهامه لصديقه، على ما تناقلته المواقع!. أليس كذلك يا عزيزي؟!. إنْ أردتَ أن تهين صديقاً، فلتكن إهانتك تمتلك الكياسة النقديّة والحصافة المعرفيَّة، وجودة الأدلَّة، لا أن تجري وراء أخبار، نشترها مصادر، معروفة المشرب والمذهب والمقلب والمرتب والمسعى والكيل والميل!. وسخريتي في مقالي، “عن النقد وإِنصافه وأنصافه”، إذا لم تكن قادرة على كشف الحقائق، أقلَّه، كانت قادرة على الإشارة إليها. ومن السخرية ما أسعف، ومن الجديَّة ما أتلف.
ولعل تحفة حيدر عمر النقديَّة، تكمن في ما يلي: “بقي أن أكشف للسيد هوشنك، وهو يتصيد الكتابات التي تتناول موقف الحسيني، أن مقالة قصيرة ظهرت بعد تلك المسرحية الحسينية الهزلية، و تحديداً في 30. 11. 2009، كتبتها السيدة أفين برجم باللغة الكوردية، و نشرتها في موقع نـَتـَوَ، عبرت فيها عن اشمئزازها لصدور موقف رخيص عن شاعر. لربما تدفعه الحمية إلى رشق تلك الكاتبة أيضاً بسهامه الساخرة التي لن تحجب الشمس بغربالها”.
أمّا عن غربالي، وشمس حيدر عمر، فاترك هذا الحكم للقارئ وكتَّابنا الأفاضل، كرداً وعرباً. وأمَّا عن التصيّد، فهذه مهنة، من يسعى لبناء نقد في الأشخاص ونتائجهم، بناءاً على أخبار وإشاعات مغرضة، أتيت على ذكرها. وأمَّا عن “المسرحيَّة الهزليَّة الحسينيَّة” التي أتى حيدر على ذكرها، فهي خير دليل على الودّ وعلاقة الصداقة التي تربطه باحمد حسيني، منذ عقدٍ ونيّف!. وقصارى القول: اللهمَّ جنِّبنا شرَّ كل ناقدٍ حاذق نبيه، تشهدُ الشائعة والخبر المغرض، على علوَّ كعبهِ، في المراس النقدي والمسلك الثقافي، والعلاقة الإنسانيَّة. وأكرر: العاقبة للمبدعين، وسوء المآل للمدَّعين.
كاتب كردي سوري
Shengo76@hotmail.com

عن إيلاف

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…