وثائقي «البابا شنودا» يفتح الباب لأعمال مهمّشة

  هوشنك أوسي

حتى وقت ليس بعيداً، كانت الطائفة القبطية غائبةً في شكلٍ مطلق في السينما والدراما المصرية، الا حين يتعلق الأمر بشخصية كاريكاتورية او بمحاسب عزبة او ما شابه ذلك، وكأنَّ الأقباط ليسوا أقدم مكوِّن عرقي وديني وطائفي وثقافي من النسيج الحضاري والوطني المصري.

ومع مطلع العقد الأخير من القرن العشرين وحتّى نهايته، بتنا نلمح شذراً عابراً وبسيطاً لحضور الأقباط في الدراما المــصريَّة، وكأنَّه لزوم الماكياج أو الديــكور أو الكومبارس، في ما يمكن تســميته بالموضوعيَّة المفتعلة، أو التـصنع الوطني، دراميَّاً وسينمائياً.
والغريب، إن كثيرين من المبدعين المصريين، من الأقباط، متورِّطون إلى حدٍّ ما، في ذلك التغييب! ولعلَّ أهم وأبرز عمل سينمائي، تناول الحضور القبطي في شكل مركِّز، من اساس العمل إلى رأسه، فيلم «بحب السيما» لمخرجه اسامة فوزي. إذ اتى فيلماً ضدَّ التزمُّت ضمن الطائفة القبطيَّة.
وفي فيلم «حسن مرقص» لرامي إمام، شهدنا حضوراً لافتاً للأقباط، على اعتبار أن الفيلم، أيضاً، كان ضد التزمت والنفاق والمرائين في الفريقين القبطي والإسلامي، مصوراً كيف أن هناك ضحايا من الجانبين، حفر التزُّمت عميقاً في سيكولوجيتهم ووعيهم ولاوعيهم، وكيف أن الغزائر الطائفيَّة بإمكانها أن تتلف وتنسف العرى الإنسانيَّة لدى الضعفاء والجهلة من الجانبين.
ولكن، ما بدا أخيراً لافتاً ومهماً في آن، الشريط الوثائقي التلفزيوني الذي أعدَّه وقدَّمه حسين عبدالغني عن «الموالد في مصر»، إسلاميَّاً ومسيحيَّاً، وإشارته الى تقاطعات هذه الموالد، والإحاطة بها على الصعد كافّة. وعرضته قناة «الجزيرة» قبل فترة. كذلك فإن الأهمَّ والأكثر لفتاً للانتباه، هو الوثائقي الذي عرضته القناة ذاتها، بعنوان «البابا شنودا»، وكان البحث والإعداد والسيناريو في هذا الشريط هو لعبدالله الطحاوي، والإخراج لعبدالرحمن عادل.
تناول هذا الشريط نشأة نظير عيد (الأنبا شنودا)، وطفولته وشبابه، وانخراطه في «مدارس الأحد»، وتوجُّهه نحو الرهبنة، ودوره في الكنيسة القبطية. وتولِّيه لمنصبه كرأس الكنيسة، في بداية حكم الرئيس المصري الراحل أنور السادات.
كما ركز الشريط على فترة وئامه وخصامه، وثمَّ صدامه مع السادات، ما جعل الأخير، يصدر قراراً يفسخ به قراره السابق بتنصيب الأنبا شنودا، بابا كنيسة الأسكندريَّة القبطيَّة.
كلّ ذلك، في سياق درامي شيّق، ساهم في إحكام وإتقان صوغه، ليس السيناريو والإخراج فحسب، بل كذلك الموسيقى التصويرية (من توقيع شريف نور) أيضاً. علاوة على أن سيرة البابا شنودا نفسها، والتفاعلات والأحداث الدراماتيكيَّة التي رافقت تجربته، ساهمت ايضاً في رفع منسوب التشويق والجذب، إذ سعى كاتب السيناريو الى جمع أكبر مقدار ممكن من الشهادات، من داخل الكنيسة، ومن مثقفين ومفكِّرين أقباط ومسلمين، علمانيين ومتدينين حول هذه التجربة.
وهذا أيضاً، يحسب للشريط، من حيث الجودة في تناول التجربة، ومناقشتها من زوايا متباينة، تضفي زخماً معرفيَّاً على الشريط، يضاف إلى القيمة التوثيقيَّة له.
ولعل أبرز نقطة تسجَّل لهذا الفيلم، هو أنَّه قدَّم معلومات لأحداث عن حياة أنور السادات، وعلاقاته بالكنيسة القبطية والبابا شنودا، والتصادم معه، كان قد تجاهلها تماماً أحمد بهجت، كاتب سيناريو فيلم «أيّام السادات» لمخرجه محمد خان.
أيَّاً يكن من أمر، فإن الشريط الذي عرضته قناة «الجزيرة» على جزءين، اتى ناجحاً، على أصعدة ومستويات عدَّة. وبدا واضحاً ان الطاقة الدراميَّة الهائلة في تجربة البابا شنودا لفتت انتباه عبدالله الطحاوي وعبدالرحمن عادل، ما دفعهما لتحقيق هذا الشريط، وربما تكون هنالك أسباب أخرى، لا يتسع هذا المقال لتعدادها.
والغريب ان تلك الطاقة الدراميَّة، لم تلفت انتباه شركات الإنتاج الدرامي لإنجاز عمل عن البابا شنودا، يوازي مسلسل «الشعراوي» لمخرجه مصطفى الشال.
من هنا، قد يكون هذا الشريط الوثائقي، مدخلاً، أو أقلَّه تلميحاً إلى صنَّاع الدراما والسينما المصريَّة والعربيَّة، بأن تجربة قامة دينيَّة مصريَّة من وزن البابا شنودا، تصلح وبامتياز لأن تكون فيلماً سينمائيّاً وعملاً دراميّاً.

عن جريدة الحياة

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم محمود

أول القول ومضة

بدءاً من هذا اليوم، من هذه اللحظة، بتاريخ ” 23 تشرين الثاني 2024 ” سيكون هناك تاريخ آخر بحدثه، والحدث هو ما يضفي على زمانه ومكانه طابعاً، اعتباراً، ولوناً من التحويل في المبنى والمعنى القيَميين والجماليين، العلميين والمعرفيين، حدث هو عبارة عن حركة تغيير في اتجاه التفكير، في رؤية المعيش اليوم والمنظور…

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…