صمتُ الزَّمان

  الدكتور بهاء الدين عبدالرحمن*

إلى الرجل الذي انكبَّ على طفله الرضيع ليجعل من نفسه غطاءً يحميه من الغازات السامة، فماتا معًا أمام داره في مدينة حلبجة الكردية:

صَمْتُ الزمانِ يتيـــهُ في أعمـاقـهِ *** تِيــهُ المـكان وانتظــارٌ بَلْقَــعُ

وَيَئِنُّ صـدْرُكَ والأنيــنُ تَقَـــطٌّعٌ *** (أَمِنَ المنُـونِ ورَيْبِــهِ تتـوجَّـعُ) (1)
وَتَرى الأناســيَ انْتَثَرتْ أشْــلاؤُها *** والهَــرْجُ فيهـمْ مُشْـرَئِبٌّ مُتْلِـعُ

هَمَدَتْ على شَبَحِ الطُّلـولِ جُسُــومُهُمْ *** والجَوُّ مُلتهِـبُ الجـوانبِ أسْـفَعُ

حتّى المنـونُ تَعسَّـــرتْ أنْفاسُــهُ *** فَتَـراهُ يَحْصـدُ عابِسـًا يَتَبشَّــع

وضَمَمْــتََ طِفْـلَكَ بالجـوانِحِ عَلَّـهُ *** يَحْيَى وَتَقْضي حيْثُ كان المَضْجَعُ

وَوَدْتََ لَوْ تَغْـــدو لــهُ كمّامــةً *** تَحْميـهِ منْ هذا الدُّخَـانِ وَتَمْنَـعُ

وَوَدْتََ لوْ عَلَّقْـتَ قَبْــلُ تميمـــةً *** تُنْجيـهِ منْ شـرِّ الدُّخانِ وَتَدْفَـعُ

وتُجيبــُهُ الأنفـاسُ قد تَهَـَدَّجَــتْ *** وَمَـعَ السُّـعالِ بِلَهْجـةٍ تَتَقَطَّـعُ

وإذا المنـيَّةُ أنْشَـــبت أظْفـارها *** أَلْفَـــيْتَ كُلَّ تميمـةٍ لا تَنْفَـعُ) (2)

ومَضَيْتُمـا إثْـر الأُلُـوفِ وَعَنْكُـمُ *** عََمِِيََ الزَّمـانُ وَصَُـمََّ مِنْهُ المََسْمَعُ

هـذي جِـراحٌ منْ جِراحـاتٍ لَهَـا *** نَزْفُ السـنينِ روايةٌ هَلُ تَفجَـعُ!

سَبْعُـونَ عامـًا والمــذَابِحُ شُـرَّعٌ *** في جِسْـمِكَ المنهـوكِ تَلْهُو تَرْتَعُ

بَدَأَ (الكمالُ)(3) أو النَّقيصَـةُ عَيْنُـها *** أُولَى الجَرائمِ، وانْتَشَـى يَتَمَتَّــعُ

وتتالَــت الطَّعَـناتُ تَتْرى خَلْفَـهَا *** طُغـاةُ حِقْـدٍ في الضـلالةِ نُقِّعُوا

يَا أمّةً سَــكِرَتْ بِطُهْـرِ دمائِـهـا *** أَعْـداؤُهــا وتَكالبُـوا وتَتَرَّعُوا

حتَّى متـى يَلْهو الطُّغـــاةُ بأمْرِنا *** وَنَنَـامُ عَنْ أَفْعـالِهم، أوَنَهْجَـعُ!

هذا يُقَتِّلُ شَعْبَهُ مُســـتأسِـــدًا *** وَذاكَ يَفْنيـهِـمْ، وذاك يُشّـرِّعُ

وتَعَــــدَدَتْ أَلْقابُهـم، تَبًّا لَهْـمْ *** هُـمُ الذِّئـابُ مِنَ الدِّما لا تَشْـبَعُ

أنّى الْتفَتَّ وَجَـدْتَ في أشــداقِهم *** مِِــزََعََ الضَّـحايا بَيْنَها تَتَقَطَّـعُ

هذي جِــراحٌ لا يكـونُ شِـفاؤْها *** إلا بنهجٍ بالعـدالة يصـــدعُ

الدكتور/ بهاء الدين عبدالرحمن – السعودية (عضو في منتدى كليلك)

———————————————————

* أستاذ مشارك في اللغة العربية قسم النحو والصرف – السعودية.
(عضو في منتدى كليلك)

(1) (2) من قصيدة أبي ذؤيب الهذلي في رثاء بنيه.
(3) كمال أتاتورك.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف

إلى أنيس حنا مديواية ذي المئة سنة صاحب أقدم مكتبة في الجزيرة

 

ننتمي إلى ذلك الجيل الذي كانت فيه الكتابة أمضى من السيف، لا بل كانت السيف ذاته. لم تكن ترفاً، ولا وسيلة للتسلية، بل كانت فعلاً وجودياً، حاسماً، مزلزلاً. فما إن يُنشر كتاب، أو بحث، أو مقال مهم لأحد الأسماء، حتى نبادر إلى قراءته، ونتناقش فيه…

أصدرت منشورات رامينا في لندن رواية “مزامير التجانيّ” للجزائريّ محمد فتيلينه الذي يقدّم عملاً سردياً معقّداً وشاسعاً يتوزّع على خمسة أجزاء، تحمل عناوين دالّة: “مرزوق بن حمو، العتمة والنور، الزبد والبحر، الليل والنهار، عودٌ على بدء. “.

في رحلة البحث عن الملاذ وعن طريق الحرية، تتقاطع مصائر العديد من الشخوص الروائية داخل عوالم رواية “مزامير التجاني”،…

الترجمة عن الكردية : إبراهيم محمود

تقديم : البارحة اتحاد الكتاب الكُرد- دهوك، الثلاثاء، 8-4- 2025، والساعة الخامسة، كانت أربعينية الكاتبة والشاعرة الكردية ” ديا جوان ” التي رحلت في ” 26 شباط 2025 ” حيث احتفي بها رسمياً وشعبياً، وبهذه المناسبة وزّع ديوانها: زكاة الحب Zikata evînê، الصادر عن مركز ” خاني “للثقافة والإعلام، دهوك،…

فواز عبدي

 

في نقّارة، قريتي العالقة في زاوية القلب كقصيدة تنتظر إنهاء قافيتها، لم يكن العيد يأتي… بل كان يستيقظ. ينفض الغبار عن روحه، يتسلل من التنّور، من رائحة الطحين والرماد، من ضحكةٍ انبعثت ذات فجرٍ دافئ ولم تعد ، من ذاكرة عمّتي نوره التي كانت كلما نفخت على الجمر اشتعلت معها الذكريات..

تنّورها الطيني الكبير، ذاك…