حلبجه *

محمد قاسم
m.qibnjezire@hotmail.com

بعد فصل قارص البرد
بعد ثلج ومطر
بعد عصف الريح يئن تحت وطأته البشر
بعد زوبعة دامت طويلا، تقلع العشب والشجر

بعد ليل حالك، طالت ذؤئبه
فاشتهى الناس نورا وبصر
بعد آمال تموّّجت
عبر الخيال والحضر
رسمتها الإعلام..
أغنياتً..
أشعاراً ..
وُعوداً ..
أمانيَّ ..
فاجأ الكونَ جميعا
قاصفاتٍ
حاملاتٍ للشرر..!
تملأ الأجواء غازاتٍ
لتسميم البشر..!
خردل..
سيانيد..
يفوح منهما عبق الموت
بفن معتبر..
كيمياء ينفثها حاقدون  …
همج..
ليسوا بربر أو تتر ..!
إنه “اليعربي”
“ابن العراق العربي”
صدّام
أبو الفكَر..
“وحدة العرْب باتت في خطر..!”
وتنتشي أسماع بعض “بني يعرب”
بأصداء، لها تتبختر
“القادسية”
الأنفال..
والخبر..!
يصفقون
يزغردون
ملء الحناجر يصرخون
صدّام انتصر..!
بالغاز..انتصر
وفي الأنفال ظفر ..
رجل البطولات
رمى الآدميين
رجالا ونساء
كهولا وأطفالا
جثثا في  مقابر جماعية
وفي أعماق الحفر..!
ليهنأ الفكر العروبي  .
رمز الحقد
 والأنا تضخمت
حتى كادت تنفجر
ليهنأ فعل مشين
في تاريخ البشر..
الربيع قادم بالرغم عنك
فيه عشب..
فيه زهر..
فيه ورد
فيه شمس ساطعة..
وأنسام وعطر..!
فيه أمنيات حبلى
لا يخطر ببالك
يا-ومعذرة من بشرية-أقول:
أيها…البشر..!!
حلبجة
مثلما امرأة ثكلى تنوح..
  فأنا أنوح ..!
مثل أم فقدت أغلى وليد..
 فأنا أنوح..!
مثل طفل يتلظى الشوق فيه.
.فأنا أنوح..!
مثلما عاشقة تبكي على صب شهيد..
فأنا يا أختي الثكلى قعيد..!
حلبجة..
يا أمّ الآلاف من جرحى
 ومن شهدا
يا أمّ الإنسان تشوّه حيث بدا
عين مفقوءة..
أيد مبتورة..
فخذ مهشوم..
رئة مفجورة..
وأصابع ترسم في الأيدي
خريطة شقاء ممهورة
أجسام تتلوى
تتكور..
شيوخ ..
أطفال..
ونساء..
فلأخجل يا أخت من نفسي..
ولأخجل من قدري التعس..
فأنا بشر..
ويسمى صدّام بشرا..
ويسمى الجلاّد بشرا..
صدام..
يا سيد قادسية العصر
أنجزت ظفر..
فعلى أشلاء الثكلى..
وعلى أحشاء الأطفال..
والأمهات الحبلى..
وعلى أجساد أبناء الثمانين..
تسير  دباباتك تهدر
دبابات سكرى
ترعب..
تقتل..
تمزق أجساد القتلى..
تنشر في الساحات الموتى..
تجوب الأجواء..
أسراب من نفاثات حيرى
تنثر موجات من غاز
يحرق..
يسحق..
كي لا يبقى أخضر..
تنثر غازا من سيانيد
ومن خردل..
تسحق ..
تحرق..
كي لا يبقى أخضر..
كي لا يبقى حي يسمر..
صدام
يا تنين  الشر الأغبر..
عدو الأرض
عدو السماء
عدو البحر..
يا أعدى من عادى الحياة ..
يا هتلر
ستموت ..
وسيحيا الشعب..
وسيطلع يوما نور الفجر..!
……………………
·       تعود كتابة هذه الكلمات الى الأيام الأولى من أحداث حلبجه الشهيدة ،لكني لم أجرؤ على نشرها خشية ان تكون غير مناسبة لحجم المأساة ..لكنني اليوم وجدتها في أرشيفي فظننت انها تصلح ان تكون مساهمة متواضعة في التعبير عن الشعور بالمعاناة.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم أبو عواد / كاتب من الأردن

علي الوَرْدِي ( 1913 _ 1995 ) عَالِم اجتماع عِرَاقي ومُؤرِّخ . اهتمَّ بِتَحليلِ شَخصيةِ الإنسانِ انطلاقًا مِنْ حَقيقةٍ بسيطة ، وَهِيَ أنَّ الإنسانَ لَيْسَ كائنًا نقيًّا ، ولا شِرِّيرًا خالصًا . إنَّه يعيشُ مُمَزَّقًا بَيْنَ مَا يُمْليه المِثَالُ ، ومَا يَفرِضه الواقعُ . وهَذا التَّمَزُّقُ…

صبحي دقوري

يُعد جاك دريدا من أبرز الشخصيات التي أحدثت ثورة فكرية عميقة في مسارات الفلسفة المعاصرة، خاصة فيما يتعلق بفهم النصوص، وبنية المعنى، وحدود وجود الإنسان في إطار اللغة. لقد قدم مشروعه التفكيكي ليس كطريقة منهجية ثابتة، بل كحساسية فكرية تعبر عن التشكيك في كل ما يُعتبر بديهياً، أو مكتملًا، أو نهائيًا. وبالتالي،…

خالد حسو

الأغاني والأهازيج الكوردية، والرقص الجماعي الذي يتجلى في تماسك الأيدي خلال الدبكات الكوردية، ليست مجرد طقوس فنية أو تعبيرات عن الفرح، بل هي شهادة حية على حيوية هذا الشعب وإرادته الصلبة. إنها دليلٌ واضحٌ على حبه العميق للحياة، وسعيه المستمر للعيش بكرامة وسعادة، رغم كل مظاهر وأشكال الظلم والطغيان والاستبداد التي حاولت…

سمكو عمر لعلي

مقدمة

لم يكن الحاج أحمد ملا إبراهيم مجرد اسم عابر في تاريخ الحركة الكردية، بل كان رمزًا للنضال والمثابرة من أجل قضية شعبه. وُلد عام 1923 في بلدة عين ديوار، التي تقع اليوم ضمن الحدود السورية، لعائلة مناضلة تمتد جذورها إلى شرق كردستان من اقرباء سمكو اغا الشكاك ، حيث كان والده الملا إبراهيم…