القديسة … لورين والنوروز (4)

توفيق عبد المجيد

هذا هو نوروزنا الأول بنيتي … وقد مضت ثلاثة وأربعون يوماً على رحيلك الأبدي عنا … وتعود بي الذكريات إلى عشية نوروز 2009 عندما شاركت مع أخواتك في إشعال الشموع أمام دارنا وعلى الرصيف الذي يحاذيه … وكنت في مراقبة دائمة لها حتى ذاب الشمع وخبت الشعلة …

أتذكر الصباح وكيف كنت جميلة كالعروس في الزي الكردي الفولكلوري عندما احتفلت معنا وللمرة الأخيرة … ولم نكن ندري أن ذلك اليوم هو النوروز الأخير الذي ستشاركينا فيه … فقد كنا على موعد آخر مع المعالجة التي صمدت لها بقوة وتحملت نتائجها دون أن تضعفي أو تفقدي الجلد والصبر … ولم يخطر في بالك قط أنك لم ولن تشاهدي نوروزاً آخر .
بنيتي :
يعلم الجميع أنني لست بشاعر … لكنها المشاعر والعواطف والوفاء والأبوة الحنونة تأبى إلا أن تنثر الكلمات وتخطها على الصفحة البيضاء لأنها تنهمر وتتساقط من كل عضو من أعضاء جسدي المنهك … ويعلم الجميع بأنني لا أكتب إلا في مناسبات معينة تفرض علي ّ الكلمات فيها نفسها لإبداء رأي أو مشاركة في تغطية حدث ما … نعم لست شاعراً بنيتي ولم أظهر على المنصات ووراء المايكروفونات لأتظاهر بما لا أرتضيه لنفسي … لأستعرض شاعريتي … بل أقولها ببساطة كبساطة والدك … ما أبعدني عن النفاق والتظاهر … ما أبعدني عن الدعاية الشخصية لنفسي … فلم يكن أبداً قلمي المتواضع إلا مشعلاً يخدم السواد الأعظم من الذين أنتمي إلى فضائهم الإنساني الرحب … وكانت كلماتي صدى لقلبي الموله … كانت دموعاً غالية تنهمر من عيني … لقد شعرت بفقدك في هذا اليوم كأي اب إنسان فقد عزيزاً وغالياً … وأختم هذه الخاطرة بأبيات جميلة للشاعر عبد الستا رنور علي:

إنّي نحتُّ الحرفَ بالأهدابِ
بالقلبِ المولّهِ
بالليالي
بالغوالي
بالأظافرْ،
فإذا خلتْ قيثارتي منْ رقصةِ الألحانِ
يكفيني اهتزازُ قريحتي
لأنين سُكانِ الصفائحِ والحضائرْ
وخيالِ أشلاءِ الألوفِ منَ المقابرْ
20 آذار 2010

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

دريس سالم

 

«إلى تلك المرأة،

التي تُلقّبُني بربيع القلب..

إلى الذين رحلوا عني

كيف تمكّنْتُ أنا أيضاً على الهروب

لا أريدُ سوى أن أرحلَ من نفسي…».

يفتتح الشاعر الكوردي، ميران أحمد، كتابه «طابق عُلويّ»، بإهداء مليء بالحميمية، ملطّخ بالفَقد، يفتتحه من قلب الفَقد، لا من عتبة الحبّ، يخاطب فيه امرأة منحته الحبّ والحياة، لقّبته «ربيع القلب». لكن ما يُروى ليس نشوة…

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…