صورة و تعليق

غسان جان كير

كأنما نحن الذين نُمثل ذلك الفيلم الوثائقي, في بيئة تُخالف بيئته الأصلية , ذلك أننا نعبر البحر لنحوز رحمة مجمع الآلهة الإغريقية , في حين كان الفيلم الأصلي يُصور عبور الظباء لنهر أفريقي , طلبا للكلأ في الضفة الأخرى من النهر الجهنمي , حيث التماسيح لهم بالمرصاد إن عبروا النهر , والقحط والجدب يفتك بهم إن هم على حالهم بقوا.
خياران أحلاهما مُرّ , إما الموت جوعا , أو المقامرة بالحياة , حيث لا نسبة مئوية للنجاة , قد تنجو , أو قد يُقطّعها التمساح إلى نصفين قبل أن تتأوه.

أوليس هذا حالنا ونحن نُصارع اسماك القرش في البحر المتوسط , الذي أخذ من اسمه نصيبا , فليس كل الأمور في أوسطها خير.
ولمّا كان الكاتب يعمل في لفّ المحركات , وخرّيج كلية الحقوق يعمل في (الباطون) , وخرّيج كلية التربية يعمل في تربية الدواجن , وخرّيج الصحافة يعمل في بيع حمالات الصدر , والفلاح يعمل كرسونا , والعامل يبيع الكازوز بعد الدوام الرسمي , والطالب (المكتوم القيد) الذي حاز علامات تُخوّله لدخول كلية الطب , يبيع الشاي بالقرب من المدينة الجامعية , والمهرّب يعمل في التجارة والمقاولات والعقارات , فكان من الصعوبة تباين الخطوط الخضر من الحمر , فمن الخطوط الحمراء , التي حفظناها في مادة الإخراج الصحفي, أن لا تُناقض الصورة الخبر , بل عليها أن تدعمه , وأن تُحدث تأثيراً بذات الحجم و العمق للخبر , فلا يجوز إطلاقا تصوير مراسم الدفن بالألوان , خاصة في فصل الربيع , حيث العشب مخضوضر والسماء صافية زرقاء والزهور يانعة , كما لا يجوز أبدا إظهار الموجودين وأيديهم مشبوكة على خلفياتهم كما شخصية حنظلة في الرسوم الكاريكاتورية ل(ناجي العلي) , ولكن , ولأننا في بلد العجائب , فكل شيء جائز , بل , يمكن قراءة الصور المرفقة لمراسم دفن العائلة المنكوبة , بمأساوية عظيمة , بل , نكاد نجزم بالحرفية الفائقة للمصور , أوليس العشب المخضوضر في الحقيقة حقول القمح في منطقة تُعتبر من أخصب مناطق العالم , ومع ذلك الناس يهربون من غائلة الجوع , أوليس تشبيكنا لأيدينا يُفصح عن عدم مبالاتنا بهذه الحياة , التي أصبحت عبئا نتمنى الخلاص منه , إن بالوصول إلى البلاد البعيدة التي أصبحت مأوى للهموم , أو بالغرق دونها.
نكاد ان نهزأ بالأموات ووصاياهم بالدفن في الوطن الذي لفظهم لآلاف الأميال , غير أن ما يلجمنا عن السخرية , حبنا أيضا للوطن , أولسنا كنا ننمو أكثر فأكثر كلما أكثرنا من تناول ترابه , حينما كنا نحبو على ذلك التراب , وأُمهاتنا لاهيات في جمع الحشائش إن للبقرة , أو لبطوننا الخاوية , ونفهم الوطن و نتفهمه , ليس كأولاد حديثي النعمة الذين ولدوا وفي أفواههم معالق من النفاق والتملق , الذين يسعون لتعليب و بيع كل ما يمكن بيعه , ابتداء بالماء وليس انتهاء بالهواء الذي يصلح لتغليف رسائل مدفوعة الثمن لقراءة حظنا , الذي لم نعرفه إلا ساخطا و مُتعثراً بنا.  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

أحمد جويل

طفل تاه في قلبي
يبحث عن أرجوحة
صنعت له أمه
هزازة من أكياس الخيش القديمة……
ومصاصة حليب فارغة
مدهونة بالأبيض
لتسكت جوعه بكذبة بيضاء
……………
شبل بعمر الورد
يخرج كل يوم …..
حاملا كتبه المدرسية
في كيس من النايلون
كان يجمع فيه سكاكرالعيد
ويحمل بيده الأخرى
علب الكبريت…..
يبيعها في الطريق
ليشتري قلم الرصاص
وربطة خبز لأمه الأرملة
………
شاب في مقتبل العمر
بدر جميل….
يترك المدارس ..
بحثا…

مكرمة العيسى

أنا من تلك القرية الصغيرة التي بالكاد تُرى كنقطة على خريطة. تلك النقطة، أحملها معي أينما ذهبت، أطويها في قلبي، وأتأمل تفاصيلها بحب عميق.

أومريك، النقطة في الخريطة، والكبيرة بأهلها وأصلها وعشيرتها. بناها الحاجي سليماني حسن العيسى، أحد أبرز وجهاء العشيرة، ويسكنها اليوم أحفاده وأبناء عمومته من آل أحمد العيسى.

ومن الشخصيات البارزة في مملكة أومريك،…

عبد الستار نورعلي

في دُجى الليلِ العميقْ:

“سألني الليلْ:

بتسهرْ لِيهْ؟”

قلْتُ:

أنتَ نديمي الَّذي يُوفِّى ويُكفِّى،

ويصفِّي..

منَ الشَّوائبِ العالقة..

بقفصِ صدري المليءِ بالذِّكرياتِ الَّتي

تعبرُ أفْقَ خيالي..

بارقاتٍ

لامعاتٍ

تَخرجُ مِنْ قُمْقُمِها،

ففيكَ، أيُّها الليلُ الَّذي لا تنجلي،

أُلقي صَخرةَ النَّهارِ عنْ كاهلي،

وأرفعُ صخرةَ الأيامِ والكتبِ والأقلامِ

والأحلامِ،

والكلامِ غيرِ المُباح،

وفي الحالتين أشهقُ..

وأتحسرُ

وأزفرُ..

زفراتٍ حرَّى،

تسمعُها أنتَ، وتعي،

فما فاتَ لمْ يفُتْ،

وما هو آتٍ آتٍ لا ريبَ فيهِ!

وأشتكي لكَ ولصمتِكَ المهيبِ؛

فأنتَ الشِّفاءُ،

وأنتَ…

عِصْمَتْ شَاهِين الدُّوسَكِي

بَدٍلْ لَا تَتَبَدَّلْ

بَدٍلْ اسْتَقِرْ لَا تَنْفَعِلْ

فَالْأَدَبُ أَنْ تَتَحَكَّمَ

فِي الْمَوَاقِفِ لَا تَتَعَجَّلْ

***

الْحَيَاةُ لَيْسَتْ مَنَاصِبْ

وَلَا كُرْسِيٌّ لَكَ مُنَاسِبْ

<p dir="RTL"...