القسم الأول
هيثم حسين
بين تصويب المُدى وتوسيع المَدى:
والكتابة، أو إن شئت، ممارسة الكتابة ليست بالعمل الهيّن أبداً أبداً، بل يستوجب توافر مجموعة من الأمور التي بدونها لا تكون الكتابة كتابة.. قد تكون تلك الكتابة أحرفاً مصفوفة، لكنّها لن تكون الكتابة المطلوبة، ولا أقول بهذه المقاييس مجرّداً الآخرين ممّا يتمتّعون به، ولا فرضاً منّي لمجموعة يَجبيّاتٍ أتبرّأ منها، ولا أدّعي أهليّة فرضها، ولا لتفضيل نفسي في مفاضلة أنا بغنى عنها، وكذلك نحن بغنىً عنها.. لأنّ التفضيل والمفاضلة لا تحقّ إلاّ لمن يجب أن يفضّل ويفاضل، ويحكم، ألا وهو المتوجَّه إليه هذا المؤلَّف أو ذاك، ولا يجوز استغباء القارئِ الحكمِ أو تجهيله، لإظهار خطأ مفاضلته وبطلان حكمه..
وكذلك لا يعني أن يُصدَر الحكم باسم الشعبِ المغلوبِ على أمره، المتاجَرِ باسمِهِ المستَغلِّ استغلالاً مفضوحاً، الممهور باسم من يدّعي تمثيله غيابيّاً، وهم ليسوا إلاّ ممثّلين في تمثيلهم ذاك.. ولن يَرقوا قطّ إلى السويّة التي يتمتّع بها الشعب الذي يُتَّهم بما ليس فيه، وذلك لإبقائه دون سنّ الرشد، وبالتالي تنصيب أوصياء عليه، ووكلاء له.. ثمّ يصادَق على هذا الحكم شفاهيّاً، ويوصَّى بتنفيذه فوريّاً على الصعيد الاجتماعيّ الذي هو أهمّ ما يهمّ أيّ كاتبٍ، ولا يقبَل فيه أيّ نقضٍ، ويردّ كذلك كلّ نقد قد يوجَّه، لأنّه صادر من جهة تصادر باسم الشعب إرادة من تُسرق منهم أسماؤهم، ليترقّموا وفق مشيئة المصادرين وحسب عدّادهم الذي لا ينتهي عند رقم معيّن، ويبقى يدور في دوّامة، ويرقّم إلى اللانهاية دون أيّ اعتراض.. وفي حالاتٍ كثيرة لا يقبل أيّ سند كفالة إلاّ دمك، ويكون تحريرك حينذاك بالتأسّف عليك، والثورة المكتومة على القوانين الخارجة على نصوصها وموادها وجذورها وشارعيها، لأنّ الطوارئ الكتابيّة والأحكام العرفيّة الرقابيّة، المسبَقة منها، والمؤبَّدة، وتلك التي تبحث لنفسها عن إعرافٍ وتأبّدٍ بصيغة ما من صيغ الإقناع غير المقنعة، ترسم رغباتها وتقوننها دون التفاتٍ لأحد.
أن تسعى لتكون كاتباً روائيّاً، هذا يعني أنّك تدخل جحر الأفعى النائمة، لتوقظها، ولتحرجها مضيّقاً عليها، حارماً عليها سباتها المنتعمَة به، هذا السبات الذي تريح به وترتاح، تجمّع سمّها لتهديه إلى أحدهم في وقتٍ محدّدٍ معلوم.. وليست تلك الأفعى السامّة المستخدرة إلاّ الكثير الكثير من ركامٍ من المهروب من فعله بالابتعاد عن ذكره، من سيّئ العادات، وجرم الأحكام المتسلّطة القاتلة.. أو حين ذكر ذلك الركام الأفعوانيّ الأنقاضيّ يكون بتسبيقه بكلمات استغفاريّة وتعاويذ اتّقائيّة.. ومن هنا تمارس الكتابة دور المفرّغ للأفعى من سمّها دون أن تسمّم غيرها، لدغاً، لسعاً، أو خنقاً بالالتفاف على رقاب مستأمنيها المخدوعين بالأمن المخادع والأمان الموهوم..
وفي هذا الصدد يقول الروائيّ عبد الرحمن منيف:
“من جملة مزايا الفنّ، بما في ذلك الرواية أن تجعل الإنسان أكثر وعياً، وأكثر شجاعة، وأن تجعله أكثر إحساساً، وبالتالي حساسيّة بالظلم والغبن والقهر، وأن تدفعه لعمل شيء لكي يكون هذا العالم مكاناً يليق بالإنسان”.
أن تسعى لتكون كاتباً روائيّاً، هذا يعني أن تظلّ طول مدّة كتابتك روايتَك التي تشتغل عليها، محروماً من النوم العميق المُرضي، وحرمانك لا يكون لعلّة جسديّة، ولا لاضطراب نفسيّ، بل ينجم عن تتبّعك لشخصيّاتك، ومعايشة تلكم الشخصيّات لك في حياتك، تنام معك، تسهر معك، تقلقك وتقلقها، تزعجك وتزعجها، تعاركها فكراً فتعاركك حقّاً، وقد تتخلّى عنها متناسياً دورها الذي كنت قد اخترتها لتأديته، أو تقحمها في دور لا تصلح له، فتنتقم منك بعدم الإتقان للدور الموكل إليها، وتتركك نهباً للانتقادات التي تطالبك بحقّها الذي أجحفته، وذلك برسم سبيلها الذي كان يفترَض أن تسلكه، بعيداً عن إتاهاتك لها، وتقزيمها، وإخراجها من قالبها، وصلبها تشفّياً.. أمّا إن أفلحت وتآلفت مع شخصيّاتك، ستفلح بدورها أن تنقل شراكتكما إقلاقاً إلى القارئ الحكم تمهيداً للتآلف معه، ومصادقته، وإشراكه على قدر حاجتكما إليه في عالم الرواية الموقْعَن على يديه، على لسانه…
يقول الناقد الفرنسيّ “موريس بلانشو”: “من الضروريّ دائما ًتذكير الروائيّ أنّه ليس هو الذي يكتب عمله الأدبيّ، لكنّ هذا العمل هو الذي يشدّ ذاته من خلاله، وأنّه مهما شاء الروائيّ أن يكون نيّر البصيرة، فهو موكل بتجربة تتجاوزه، إن لم تهده”.
أن تسعى لتكون كاتباً روائيّاً، هذا يعني إنارة البقعة التي يعتَّم عليها، لا لتلطيفها أو تقديمها بغير حلّتها وواقعها، وهو يفرض بدوره بحثاً جدّيّاً عن الحقيقة، دون أن تخدَع بالزيف الذي يغلّفها، وذلك لتستطيع الإقامة في عمق مجتمعك، الذي تدّعي لسانيّة حاله، المجتمع الذي من أوجاعه تكون الكتابة الحقّ الصادقة، ومن أساه يعظم أساك، ولابدّ من السعي – في مثل هذه الحالات – أن ترفع من مستوى كتابتك كيلا تستظلّ بالظلم المتعاظم المركَّب المداوَم على ممارسته، لتكون الكتابة الجبهة الوحيدة العزلاء المقدور على التحدّي بها الجبهات التي تكيد وتخترع الكيديّات اختراعاً..
أن تسعى لتكون كاتباً روائيّاً، هذا يحتّم عليك ترك الـ ( pif و biv)، أي هجر كلمتي العبث والخطر، وما في العبث من الخطر، حين تعبث بالخطر المحيط والمحدق بالعابث، وتالياً حين تخاطر عابثاً، وما يشكّله العبث بدوره من خطر على من يعابث دون أن يكتوي بنيران الخطر التي لا تهادن..
هنا الـ ( pif و biv)، العبث والخطر ليسا عبثاً، كلاهما يشكّلان على المستغشم، أو الغشيم، عبئاً يسهل التهرّب منهما بعبث ودون مخاطرة تذكر.. أمّا المخاطرة بتعرية العبث بجدٍّ ودون مبالاة بالخطر، فأنت عابث خطِرٌ، محارَب، غير مرغوب بك.. والعبث هنا ليس عبثاً فلسفيّاً على طريقة ألبير كامى، لأنّ العبث في الحالة هذه يخلو من كلّ معنىً قد يلبّسه أو تمرّد لا يمتّ إليه.. وليس متوجّهاً توجّهاً رئيساً للقول بأنّ الحياة وكلّ الأنشطة والفكر الإنسانيّ أمور عبثيّة، لا معنى لها على الإطلاق، كما أنّه ليس ثمّة معنى منطقيّ لأيّ شيء، بل القول بأنّها كلّها أمور خطيرة يمنع الاقتراب منها وتصويرها تصويراً أدبيّاً..
أسرد ما أسرده لأصل إلى بداية البداية بالنسبة لي، وخصوصاً حين قرّرت قراراً حاسماً – بالنسبة لي- وهو أن أكتب الرواية، رواية أردتها تعبيراً عن واقعي، من وجهة نظري، لم ألتفت إلى الجانب التسجيليّ الجامد، بل حاولت إحياء بعض المخاف منه بغية القضاء على الخوف بالحديث عنه، وإدراجه ضمن خانة المباح، وكذلك فضح المسكوت عنه من تراضيات وتهاديات، وتعويمه لإغراقه في تخفّيه، لأسباب شتّى، طبعاً الترضية لم تكن واردة في حساباتي حين اتّخذت قراري، وكذلك لم يكن الانتقام من أحد محفّزاتي، قرّرت حين المباشرة بالكتابة الصدق مع نفسي، وكتابة ما يريحني، وإن كان هذا الذي يريحني سيزعج آخرين وسينزع عليهم بعض راحتهم التي ملّوها وملّتهم..
لابدّ من السير على المُدَى لمن يريد أن يوسّع مَداه، ليس من باب جلد الذات، ولكن من باب شقّ الطريق تمهيداً لتعبيده وتسويته وتسليكه.. وإن كان السبيل المنتَقى إلى توسيع المدَى المأمول هدفاً لمُدىً لن ترحم، ولن ترضى بالوصول إلاّ على مستنقع من الحِراب..
في الطريق إلى آرام، وصولاً إليه/ إليها:
بعيداً عن آرام، قريباً منه كشخصيّة روائيّة، أو منه كراوية، وقريباً منها كرواية، فلن أبتعد عن أيّهم، لا عن الرواية، ولا عن الراوية، ولا عن الشخصيّات الروائيّة، إلاّ لأقترب منهم عائداً إليهم.. ليتعرّف المتابع إليهم في متابعته لي وأنا أتحدّث عن بداياتهم، هذه البدايات التي ليست إلاّ فترة مقتطعة همّتني من عمر مديد لم أهتمّ له.. وكذلك التعرّف إلى تلك الشخصيّات في فترة الاختمار و(التعتّق) تمهيداً لانعتاقها من قالبها المفروض عليها لتفرض كلّ واحدة منها بدورها بعض خصوصيّاتها..
يحسم الأمر، يختار الطريق، ليكبر الصراع، ولأحاول التوفيق بينها دون أن أودي بها أو تودي بي أو ببعضها.. ودون أن أجرّدها من براءتها، وهي دون أن تجرّدني من كلّ مسٍّ كتابيّ مُسست به منذ العمل معاً..
لم ألجأ إلى الكتابة الروائيّة هروباً من فشلٍ سابق، أو تهرّباً من فشلٍ متربّص شعريّاً.. نعم لقد تورّطت فعلاً في كتابة الشعر، وحقيقة لم أندم على تورّطي ذلك، ولو أنّ كلمة التورّط كمفردة بحدّ ذاتها قد تحيل إلى المشكل المربك بالنسبة للبعض الذي قد يصعب عليه الإفلات من صداها العامِي.. ولكن أفلتُّ من كتابة الشعر لأورط نفسي في الكتابة الروائيّة، ليكون الإيراط الذاتيّ لذيذاً ممتعاً بقدر لغميّته وشائكيّته وتفرّعه في مدىً مفتوح مطلّ على الأمداء كلّها.. لا سيّما أنّ الرواية تشكّل عالماً رحباً مكسورة فيه القيود (دون إغفال القيود المعرفة نقديّاً والمتعارف عليها إبداعيّاً). قد يعبَّر عن الحالة الشعريّة بقصيدة شعريّة، ولكنّ الرواية لا تقبل التعبير عنها تعبير الحالة، لأنّها ليست حالة متحوّلة أو طقس مزاجيّ، إنّها تحتاج عملاً دؤوباً، وصبراً عليه، كما تفرض معها قلقاً إيجابيّاً خلاّقاً موجباً لما سيلي من تأليفٍ، ومحرّضاً له وعليه..
إنّ الرواية مخلوق أدبيّ برّيّ لا يروَّض في عالم أدبيّ يقدّر له عدم تروّضه، لتكون نقطة ضعفه المظنونة نقطة قوّته الحقيقيّة، لتبقى مستلذّة بعالمها، مع تلظّيها بأسهم ناريّة سامّة مصوّبة من هنا وهناك..
الرواية، هذا العالم المُبْدَع على أساس عالمٍ آخر، غير مرادٍ لذاته، أو لربّما مرادٍ به وحده، بالهرب من المعاش إلى المُتمنَّى، واللوذ بالنموذج المحلوم به..
وأستعير جملاً لإبراهيم الكيلاني في كتابه “الأوراق” وهو يعرّف الرواية: “هي سرد إنشائيّ قوامه الخيال المبدع والملاحظة والتحليل، تخالطهما عناصر منتزعة من الواقع، ومن أهداف الرواية تصوي الوقائع الإنسانيّة بأسلوب يثير فضول القارئ واهتمامه محدثاً عنده صدىً وتعلّقاً وقبولاً، أو صدوفاً أو استهجاناً لما يقرأ، فهي وثيقة إنسانيّة عمادها الحقيقة أو المصعدة”.
لم أوقف الزمن لحظة التقاطي صورة للعالم الذي أعيش فيه وأعايش فيه غيري، سعيت بأناة أن أنقل ما أحسست بأنّه لابدّ له أن ينقل في سلّم الأولويّات، وتسبيقي لها على غيرها من المواقف الأخرى لا يسلب الأخريات أهمّيّتها.. ولا أريد أن يلبَّس الأمر لبوساً لا يمتّ إليه بصلة..
لم أغتل فيّ الإنسان المعاني حين بدأت كتابة آرام، كوجعٍ مكابرٍ، كأوجاع مكابرة، تجبر على نفسها أحياناً مكابرة، وأخرى ثورة وبوحاً، وأحياناً يتمادى البوح إلى حالات مناجاة قد تظنّها حقداً، ولكنّها ليست إلاّ إغراقاً في الحبّ وغرقاً فيه..
حاولت المساهمة يداً بيدٍ، مع شخصيّاتي (أبطالي) على بناء سفن أمتن وأصلب، لنبحر بحّارة مغامرين، ملقين بكلّ وسائل الحيطة والحذر، ومستلزمات النجاة في إبحارنا هذا، لأنّ الإبحار في هذه الظروف القاهرة هو المغامرة التي تغري بالخوض فيها، والمغامرة هي التي تشكّل الغاية والوسيلة، وهي التي ستضاين في إتاهات مسترصدة..
لم أسحق آرام الشخصيّة المختلَقة المركّبة تشفّياً، ولم أنسحق معه انطلاقاً من مازوشيّة أرفضها، لم أؤلّهه حانّاً لأصنام غير معبودة تدين نفسها بنفسها، أو بحثاً عن وسائل تصنيم جديدة، لم أعظّمه سدّاً منّي لما قد يُظَنُّ بأنّي إنّما أعظِّم، بتعظيم شخصيّة مخلوقة من قبلي، تقزّماً مهروباً منه يلازمني..
إنّ الشخصيّات الروائيّة بتناقضاتها، وعظمتها، وقداستها، وضِعتها، وإغرائها، وإغوائها، تحرّض بالبحث عن متشابهات لها..
ومن يستطيع أن ينكر الحالات التي تمرّ عليه، والتي يمرّ بها، من تيهٍ وجنونٍ، من إلحادٍ، من توحيد، من وجدٍ، من مجدٍ، من تألّه، ومن تقزّم..؟!!!
قد يرضى البعض، وقد لا يرضى، وقد يثور البعض كذلك، عند تشبيهه بإحدى الشخصيّات الروائيّة، أو التطابق مع حالة من حالاتها، لكن هذا هو جزء من الواقع، جزء من واقعنا مكتوباً، من وجهة نظري الشخصيّة..
إنّها عاموداي.. إنّه آرامنا.. فإن أفلحت فيما قمت به، فالبطولة والفَلاح للمكان كبطلٍ وللشخصيّات كأبطال، وإن فشلت فعليّ وحدي تقع المسؤوليّة، لأنّي سأكون حينذاك غير قادر على إيصال ما أردت إيصاله إلى القارئ المنصف، وقادرٍ على إيصال ما يريده القارئ المجحف المبتغي في قراءته البحث عمّا يدين..
أقول بأنّ كرهي للمدح المجّاني يفوق ضيقي بالقدح المغرض الموجّه، لأنّ كليهما يعمي، وهما لا يختلفان في القتل والانتحار بالإعماء والتعمية.. الأوّل عن المساوئ، وضدّه عن المحاسن..
والقارئ العاموديّ، (وأقول العاموديّ وأخصّه، لأنّه المعنيّ مكانيّاً بما كتب، وإن لم يكن مختصّاً إنسانيّاً بالرواية)، لا يريد أن يتوصّل إلى قناعة أو حتّى شبه اقتناعٍ بأنّ الشخصيّة الروائيّة هي روائيّة وليست غير ذلك.. قد تتماسّ مع الواقعيّة، قد تتناصّ معها في بعض المواقف الحياتيّة، قد تتّكئ عليها في بعض أفكارها ورؤاها، وقد تبتعد عنها كذلك، فتعاديها وتناقضها، وقد تلغيها لاغية كلّ ما يقترب منها.. وهي رغم كلّ شيء تبقى روائيّة، تبقى مزيجاً من الواقع والخيال، تبقى مركّبة من مجموعة من الشخصيّات، أي تكون حاصل جمع وتركيب بضع أشخاص متقاربين..
وأيّ محاولة لإخراج الشخصيّة الروائيّة من إطارها الروائيّ تعدٍّ عليها وظلم لها، صحيح إنّ المنطلق من الواقع، ولكن صحيح أيضاً، أن ليس إليه المآل، وتحميلها أوزار وقبائح ما لم تدرِ عنه هو تجنٍّ سافرٌ عليها، أو من جهة أخرى تقديسها، هو أيضاً أكثر تجنّياً من سابقه..
كما أنّ إقحام البعض أنفسهم في قلب الرواية، أو تماهيهم مع شخصيّاتها، أو الالتصاق خارج السياق المورود بحدث روائيّ وارد في سياقه، قد يكون مبعث فرح أو كآبة للمقحم نفسه المتماهي مع المكتوب..
يكون مفرحاً إذا وجد أحدهم بأنّ الموقف المتماهَى فيه معه يعظّمه ويروي فيه جوانب لن تروَى واقعيّاً..
يكون منفّراً ومُكْئِباً عندما يصطدم المقحم المقتحم عالم الرواية الآمن المثوِّر بأن يكتشف بأنّ الشخصيّة هذه أو تلك قد تفضحه أو تعرّي في موقفٍ ما، ما كان يظنّه متكتَّماً عليه، غير معلومٍ به، أو حين يستشعر خطراً ما قادماً بأنّ ما قيل يسيء إليه بشكلٍ مباشر أو غير مباشر.. تلميح يوضح أكثر من تصريح يخصّص..
بشكلٍ مباشرٍ بأن يفضح بعض المدارَى المسكوت عنه..
بشكلٍ غير مباشرٍ عندما تشخَّص الحالة الوبائيّة وتوصَّف لتوصَف لها الأدوية.. تسمَّى الحالة ولا تسمَّى.. لتكون الشخصيّة الروائيّة حينذاك، ذاك المتحسّس في نفسه ما يُروَى، ولا تكونه في الوقت نفسه..
أعني عندما يعرف ويكتشف بأنّه المقصود المعنيّ ويكتم معرفته واكتشافه، أو يعمّمه على الآخرين مدخلاً إيّاهم في اللعبة لتوسيع الجبهة، يكون حقيقة وواقعاً ومراداً ومقصوداً ومعنىً هو المقصود بذاته، وكذلك أشباهه الموسّعون لصالحه الجبهة معه، ولا أحد غيره/ غيرهم..
فتراهم يحاولون إخراجها من الرواية، يحاسبونها، لأنّها حاكت زاوية من الواقع، حاكت بعض الموجود فيه، وبالتأكيد أنّ كلّ من قد وجد في جانب منها نفسه، فيقيناً أنّي قصدته، وكلّ امرئ يعرف نفسه، ويدرك حقيقة حقيقته في مدينة كعامودا وفي أيّ مدينة أخرى..
لم ألبّس شخصيّاتي الروائيّة تلابيس إبليسيّة، لم أقوّلها أو أفعّلها، أقوال أو أفعال خبيثة، لم أسرِّب تحت عباءتها التي زركشتها سمّاً في الدسم..
لم أهتمّ بالانطلاقات، لا لعدم أهمّيّتها، أو ببدايات التمهيد لظهور الشخصيّات، كما لم أمهّد لها حين انتهى دورها.. البدايات لم تشكّل عقبة لي أو إشكالاً، والنهايات جاءت عفويّة، لم أكلّفها أيّ عبء أو خاتمة بعيدة عنها، جاءت كما تطلّب أن تكون، حيث أردت لها ذلك..
تركت لها فسحة من اختيارٍ، تركت للقارئ مجالاً للتدخّل في صياغة أو وضع خطّة عمل لهذه الشخصيّة أو تلك، أخذت مقطعاً معيّناً من حياتها، اقتطعته دون أن أسيء لها، أبقيت لها حياتها، ولم أتجسّس عليها بعد أن أدّت دورها المرسوم.. قالت جملها، انتهى دورها في التصوير.. قبضت أجرها المتّفق عليه، ألا وهو تركها على هواها لتكمل مسيرتها مختارة طريقها راضية به.. وقد يكون ذلك لأسر القارئ بها ومعها راسماً لها الخطوط التي توافق بنيتها..
تحرّرت من رواية آرام كعملٍ وقيّدت بها غيري ، لا رغبة بالتسلّط أو السيادة أو التقييد، وغيري هنا حرٌّ في الإبقاء على التقيّد أو التحرّر رغبة في متابعة الدورة الطبيعيّة دون الدخول في جدالٍ مع الشخصيّة الروائيّة التي لن تتنازل عن موقعها، وعن دورها، وعن محتلّها في قلوب القرّاء، أو خارج قلوبهم، وذلك بحسب قراءة كلّ واحدٍ لها من منطلقه..
كما وكأنّ الاتّفاق غير المعلَن مع هذه الشخصيّات، تركها على راحتها، على سجيّتها، وذلك بعد أن تفرغ من أداء مهمّتها، وإيصال المجموعة إلى مستقرّها، إلى القارئ..
لم أحمّلها ما لا طاقة لها به، لم أتجبّر تجبُّر خالقٍ يرغم مخلوقاته على النهايات التي وضعها لها، ولم أحمّلها عبء تحمّل الخاتمة غير المستحبّة لها، ولم أتحايل عليها كما تَحُوْيلَ على آدم وبنيه من بعده، لم أقبرها في كتاب بوضع نهاية لها، تركت لها بوارق أمل في روايات أخرى، لأنّه – بلا شكّ- سيكون لكلٍّ منها فيما سيأتي مكان مخصَّص محجوز لها، لا يصلح غيرها له، ولا يصلح لغيرها، قد تختلف الأسماء لكنّ المبتغى موحّد.. صحيح أنّي أجبرتها على تأدية دورها، ولكنّني خيّرتها بين الهجرة وبين البقاء، حيّرتها بتخييرها، احتارت، ولم تقرّر بعد، وبين أن تقرّر، وبين التفكير باتّخاذ القرار، يكون قد فاتها موعد السفر، لتستجدي مكاناً لها في رواية قادمة، تكون كلّ الاحتمالات قائمة، والبدايات والنهايات مفتوحة على كلّ الجهات، ويكون في القادم متّسع لكلّ الشخصيّات التي ستقرأ نفسها، وذلك باعتبارها متغيّرة مع الزمن وبفعله، مواكبة ومعاصرة، مخضرمة، تاريخيّة، واقعيّة، وتبقى أوّلاً وآخراً روائيّة.. فلا شيء إطلاقاً عصيّ على الكتابة، لا شخص محصَّن ضدّ الكتابة، ليس هناك في الكتابة ما قد يسمَّى (anti writ) ضدّ الكتابة، لأنّه ليست هناك في الكتابة أسفار مقدَّسة، فَيْروس الكتابة الشافي المنقّي، غير المنتقم طبعاً، وغير الحاقد المتشفّي، يخترق بشفافيّته كلّ ما هو كائن، ليروّضه تحليلاً وقراءة، ومن ثمّ لينقله إلى القرّاء كتابةً..
لا أحد، كائناً من كان، أكبر وأعظم من أن يكتَب عنه أو عليه، قد يكون للكتابة طعم ما كطعم الهوى الذي قيل فيه بأنّه “سكّر مرّ”، ولكنّها الشفاء من السموم، دون نثرٍ لها..
حقيقةً إنّ كلّ شخص واقعيّ مشروع شخصيّة روائيّة، سيّداً كان أم مسوداً، عبداً، كاتباً، موسيقيّاً، رسّاماً، لغويّاً، سائقاً، عتّالاً، حدّاداً، نجّاراً، شحّاداً، رئيساً، وزيراً، عميلاً، قاتلاً، لئيماً، شاعراً، متشاعراً،… إلخ. وكلّ واحدٍ قابل، روائيّاً، لأن يُزاد عليه، أو أن ينقص منه، حسب حاجة الفكرة المطروحة لذلك، أو حسب حاجة الشخصيّة الروائيّة إلى هذا التلاعب الأدبيّ بها، لتصبح ملائمة لدورها ومتحضَّرة له، لتكون تلك الشخصيّة الروائيّة ذلك الشخص الواقعيّ، مزاداً عليه، أو منقصاً منه، لتكون هو ولا تكون هو في الوقت نفسه..
ومن هنا فهذا الواقع، هو الرواية الجاري كتابتها يوماً بيومٍ، وأحداثها تصنع يوماً بيومٍ، وكلّ من نلقاهم هم مؤدّو أداورهم فيها، ثانوية كانت تلك الأدوار أم رئيسة، والمخرج في النهاية هو الواقع المنتج لها، أمّا المؤلّف الروائيّ لم ينته بعد من غربلتها وتحبيكها وانتقاء المطلوب..
كشكوليّات عاموديّة:
أتمنّى قبل كلّ شيء أن يقرأ الكلام في سياقه، وألاّ يقرأ قراءة: “لا تقربوا الصلاة “. بالتغافل عن إكمال تتمّة الجملة.
قد يستنَكر عليّ أن أكشكل (إن جاز التعبير) بعضاً ممّا يحدث معي، من حوار، ومناقشة، وجدال، ومساءلة، واستجوابٍِ، وذلك عملاً بقول بعضهم، هذا ليس للكتابة، أو قول آخر: سأقول ما سأقوله ولكن لا تأخذ به أو تعتمده للكتابة، وكأنّي بعد أن كتبت ما كتبت أصبحت خطراً على الأمن النفسيّ للبعض، وعلى الأمن العامِّ لهذا أو ذاك، أو لهذه الجهة أو تلك.. البعض ممّن يحبّونك قد يبتعدون عنك، لا لشيء، إنّما لأنّك قد تجلب لهم وجع الرأس الذي خلق ليرتاح في هيكله المجوَّف، والبعض يستعذرك لأنّه لا يريد إغضاب آخرين بمصادقتك، وبعض وبعض، ولكلٍّ منهم أعذاره، ولكلّ منهم قناعاته..
أبقي على التعميم فيما أكتبه هنا لا تهرّباً من مساءلات التخصيص، ولكن ليتخصّص هذا التعميم أكثر في حالاته المعروفة لكلّ متساهٍ عنها.
ومن باب الطرافة، أن أُسأل، أحياناً على استحياء، وأحياناً جهاراً وبصوتٍ مرتفع وبتحدٍّ مدبّر مقصود:
لماذا لم أتطرّق إلى كثيرٍ من الجوانب التي تعاني منها عامودا..؟!!
لماذا لم أصوّر عميلاً أو مخبراً..؟!!
لماذا لم أتحدّث عن الحقد المتبادَل بين بعض العشائر، وبين بعض التيّارات..؟!!
لماذا تجاهلت الصراع الدائر على الساحة بين الإلغاء والإقصاء وبين التحدّي والثبات..؟!!
لماذا لم أكتب عن تاريخ عامودا الذهبيّ..؟!!
لماذا لم أكتب عن الكوارث التي حلّت بعامودا..؟!!
لماذا حززت عامودا واخترت الحزّ الباهت من بينها..؟!!
لماذا لم أتطرّق إلى حياة وواقع الغمر وتعاملهم مع الأهالي وتعامل الأهالي معهم؟!!
لماذا ألمحت في الكثير من كتابتك ولم تصرّح..؟!!
لماذا، ولماذا، ولماذا، وهنا لا أقول بقصيدة مشهورة تبدأ “بلماذا، ولماذا لماذا، ولماذا لماذا لماذا..”
وهنا كلّ لماذا تبحث عن أختٍ لها وتستولدها، في سلسلة تساؤلات مشكِلة مضيِّقة، أكثر ممّا هي مستفسرة تبتغي إجابة تريحها.. وكأنّ مهمّة الروائيّ أن ينوب عن الله، وعن كلّ السلطات، ليقول للحلول كن فتكون، أو يراد من الرواية أن تحلّ كلّ الركام الهائل من المشاكل بجرّة قلم.. أو كأنّ الحلول السحريّة المغيّبة كانت تختبئ خلف حجب صفحات رواية لم ترَ النور..أو كأنّه يراد منها ولها أن تكون الفتنة المتنقّلة بين القرّاء، أن تَفتِن بروحها قارئها، محضّرة إيّاه لتُفتن بينه وبين العدوُّ المتربّص في الدواخل، وعلى المداخل.. ولتصبح الرواية الفتنة التي تخلق أرضيّة للإبادة والإبادة المضادة.
ولكلِّ قارئ عدوّ يريد أن يفنيه، وبعضهم قد ينزعج لماذا لم تلبِّ الرواية رغبة الانتقام من الآخر، ولكلِّ طرف آخرٌ من جنسه، وآخرٌ من ضدّه.. فتعالي أيّتها الرواية المغلوبة بين الأحقاد لتوفّقي بين المتحاقدين، أو تعالي لتنتقمي للبعض، وتجيّشي له كلّ الكلام، ولتسكبي على الآخر الحمم..
لم أكتب فتنة متدحرجة متعاظمة، وليست هذه مهمّة الرواية، كفاني إن أنا استطعت نقل جانب من معاناة معاشة، ومن وجهة نظري، تقديماً للأهمّ على المهمّ، وليست محاسبة الجميع من اختصاصي، كما أنّ محاسبتي ليست من اختصاص كلّ من هبّ مستنفراً للمحسوب عليه، أو دبّ دبيباً في الشوارع ومنتقلاً من مجلس لآخر للإيشاء بك لدى أكبر عدد ممكن من غير القرّاء..
وأرى من باب الطرافة كذلك، قائلاً أو مقوّلاً يتباهى بالقول بأنّ ما كتبته ليس رواية، وكأنّ النوبليّين كلّهم قد تنوبلوا على أيديهم، ليمارسوا التجريد بحقّ الرواية من صفتها، وليُنعموا بعظيم القول وطريفه على القرّاء نصحاً وإرشاداً بأنّ الـ: ليست رواية لا تصلح للقراءة، وأنّها ليست إلاّ هذراً في هذرٍ، أو ليست إلاّ ثرثرة نسوان على التنّور..
أتساءل، كما يحقّ لمن يودّ التساؤل أن يتساءل، كيف بالبعض الذي قد انتهى من وضع تعريفات للرواية، وتعميمها عالميّاً، وإطلاق صفة الرواية على هذا المؤلَّف أو ذاك، أو إسقاطها عنه، التنطّع خدمة للبلد ولولد الولد بعدم الاقتراب من شمس المعارف الموجّهة من سلطات توجّه بغية التسميم والتلغيم والتفجير..
أقول، لا سلطة على الإبداع إلاّ سلطة المبدع نفسه كمبدعٍ، وكلّ ( pif و biv) غير مزالة كتابيّاً هي وباء يكمل نخره في الأنفس العابثة بالكتابة والمتاجرة بالكلمة..
بالطبع، لم أحط بالمكان كلّه، ولم أمارس التفافاً عليه، ولم أفكّر قطّ تفكيراً حربيّاً، بأنّي إن لم أقتل سأُقتَل.. حاولت أن أتسامى إلى فكر إنسانيٍّ، حاولت التعبير عن الوجع الكرديّ المعاش، من قبلي كفردٍ من هنا، دون أن أجرّد أحداً من إنسانيّته، دون أن أكون حمّال فتنةٍ غير مشكورة، أو نقّال جثمان البعض المموَّت لصالح الآخر، لم أجرّم أحداً، ولم أحمّل أحداً أوزار غيره.. وطرحت تساؤلاً يَبين ويخفى بين السطور، كم من القوّة والصمود والمعاندة نحتاج لنستحقّ الحياة هنا، أو الجدارة بهذه الحياة، لأنّنا هنا يبكي على كلّنا بعضُنا، وهناك يبكي على بعضنا بعضُنا.. وبين هنا وهنا..ك، وبين الـ قبل والـ بعد، جاءت الرواية لتمسح الجغرافيّة وتثبّت نقاط العلاّم التي رأت أن يُرتَكز عليها فيما سيلي..
وأذكر هنا، وتحت هذا العنوان، أنّني قبل الندوة الروائيّة بيومين، التقيت، وكان برفقتي الأستاذ فيصل القادري، بالشاعر صباح قاسم، إذ كنّا قد دعوناه لحضور الندوة، لنعلمه بتأجيلها، لأسباب متقاطعة، حيث أبدى سروره بذلك، وذكر لنا عَ الماشي بضع ملاحظات، وآراء له، باعتباره كان قد قرأ قرابة مِئة صفحة، وتصفّح متفرّقات أخرى، كما صرّح بذلك هو نفسه..
أذكر بأنّه قال: إنّك كتبت بلغة فلسفيّة و”جبروت” أدبيّ (أنا أضع كلمة جبروت بين مزدوجين وأتحفّظ عليها) وقوّة إبداعيّة، ولكنّه لا يتّفق معي من ناحية انتقاد بعض المظاهر (التي قلت عنها سلبيّة في الرواية)، كما قال حرفيّاً: إنّك قد وضعت نظّارة سوداء ونظرت إلى عامودا، وذكر بعض الشواهد على ذلك، وبخاصّة النفق الذي لا يراه هو كما رأيته أنا.. كما قال بأنّ هناك نقاطاً مضيئة في عامودا تجاهلتها في كتابتي..
قلت له: أرحّب بكلّ آرائك وملاحظاتك، ولكنّني لن أقول شيئاً بصددها الآن لأنّنا هنا (في الطريق)، وعندي آرائي وقناعاتي التي سأردّ بها حين تطرح ملاحظاتك في الندوة..
وللأمانة، لم ينسَ أن يشكرني على عملي رغم ما فيه، وبأنّه يثني على أيّ عمل يكتب عن عامودا ومنها، ويتحدّث عنها، وبأنّه رغم ما فيه، خطوة جيّدة.. – انتهى كلام الشاعر صباح قاسم – .
وقد عاتبني آخر، واستنكف عن مجالستي، واتّخذ موقفاً منّي، وذلك لأنّي لم أهدِه الرواية، باعتباره كاتباً، والكتّاب كما هو متعارَف عليه، تهدَى إليهم الكتب ولا تباع لهم.. آسف على ذلك لأنّي لم أقرأ لهذا أو ذاك أيّ كتابة، ولو مقالاً إنترنيتيّاً صغيراً بالاسم الصريح، ومن يتخفّى خلف أسماء مستعارة سيبقى مستعيراً لكلّ شيء، بما فيها الكتب.. هذا يحدث وهذا التفكير يفكَّر، وهذا ليس تجنّياً، وليس تفرعناً، بل ما حدث معي حقيقة، وعوتبت من أحدهم عتاباً حادّاً أثناء لقاء مصادفة لأنّي لم أهده الرواية..
وقسم نشط لنشر شائعة تفيد بأنّ فلاناً أو أقرباء فلانٍ سيرفعون دعوى ضدّي، وآخرون زادوا بأنّ أقرباء علان قد كمنوا لي كميناً، أو سيكمنونه، لينتقموا منّي لأنّي أشهرت بأحدهم روائيّاً.. وهذا عارٍ عن الصحّة يظهر عري ناشريه ومروّجيه..
وباعتبار عامودا مدينة صغيرة، يصدف أن تلتقي بأحدهم في اليوم الواحد، أو في المشوار الواحد أكثر من بضع مرّات، فأجد أو ألتقي بآخرين يبتسمون معي قبل أن يسلّموا عليّ أو أثناء السلام، وهذه الابتسامة تشي بالكثير، منها، ما هو غير المصرَّح به، من أنّه يتذكّر كثيراً ممّا ورد في الرواية ويستحضرها، عندما يراني، أو كأنّي به يقول بأنّه ما كان يظنّني أفكّر مثلما فكّرت وأفكرت شخصيّاتي في روايتي، أولعلّها ابتسامة رضىً، أو لربّما ابتسامة هزءٍ تعيّرك بأنّك لم تأتِ بجديدٍ، وبأنّ كلّ ما قيل أو كُتب، هو معروف للجميع..
إنّ الأفكار على قارعة الطريق بانتظار من يلتقطها، كما يقول الجاحظ، وفي الرواية الوضع مختلف عن التوثيق والتسجيل، فهنا لدى الروائيّ فسحة من خلقٍ وإبداعٍ، وهناك لا مجال لأيّ إبداعٍ لأنّ الكاتب محكوم بما هو كائن، لأنّه مقيّد بالمشاهَد.
يجوز أن تتخاطر الأفكار وتتقاطع، حيث المكان يفرض طقوسه، وقد تتشابه وجهات النظر حول الرواية، وقد تختلف، لطالما أصبح العمل عامّاً، فهو مرشّح ومطروح للتداول والتناول..
وقد تُنعت بأنّك طيّب القلب نقيّ السريرة، مانح الثقة لمن ليس أهلاً لها، بناءً على حسنِ ظنّ مستكره.. ليكون الالتقاء والتماسّ، ولتكون الإشارة مؤلمة، قولاً من هذا أو ذاك بالتلقين، أو التلقُّن، أو الترويج للإساءات بذكاءٍ، لتكون الصفة قادحة أكثر بكثير ممّا قد يخيَّل بأنّها مادحة، أو قولاً بأنّك لست إلاّ مدفوشاً لتسويد البياض الذي يغرق المدينة بنقائه وطهارته.. أو أنّك لم تكن عند ظنّ من استوثقك.. ليكون الإعماء والتعصيب معمياً متعصّباً.
ولتكون الشعارات التي تجلد قائلها قبل أن تؤذي الموضوع هدفاً لمُدىً سباقيّة، هي جمل سأكتبها بالكرديّة، ولن أترجمها، لأنّي موقن بأنّ الكرديّ معنيٌّ بها أكثر بكثير من غيره، وهي تدلّ بمجموعها على إقعاد الهدف، وتعرية المهدوف، منها ما وصلني عن طريق العنعنة، ومنها ما قيل لي على سبيل الفكاهة والمزح، وكما يقال بأنّ نصف المزح جدٌّ، وهاكم بعضها الذي يظهر مَدى التصويب ومحاولات الدقّة والتدقيق فيه:
(( wî berbatî hev bik – wî bid ber hev – wî ji hev bix – bihna wî biçikîn – rihê wî bistîn – wî dax erda rast – dînê wî bileqîn – tişkî wî di hev de nehêl – bera nasbike dew birê maste – wî qulopazî hev bik – bihêl xwe bibîne – şeşê wî li heftê wîx – wî biperpitîne ….)).
وهنا أشكر كلّ من حضر، وأشكر من كان ينوي أن يحضر ولم يحضر، وأشكر من أراد أن يحضر ولم يتمكّن من الحضور، وأشكر من حضر ولم يحضر، ففي اعتباري، الكلّ متعاون معي سواء بالحضور أو بعدمه، وكلّ من موقعه..
الهويّات القتيلة:
أقتبس في بداية الفقرة مقاطع من كتاب أثير لديّ، وهو كتاب “الهويّات القاتلة” للروائيّ أمين معلوف:
” هويّتي هي ما يجعلني غير متماثل مع أيّ شخصٍ آخر”. ص14.
” فالإنسانيّة كلّها تتشكّل من حالات خاصّة، والحياة تخلق الاختلافات، وأمّا التكاثر فهو ليس للتماثل أبداً. كلُّ شخصٍ، دون أيّ استثناء، يتمتّع بهويّة مركّبة ويكفيه أن يطرح بضعة أسئلة ليستخرج كسوراً منسيّة وتشعّباتٍ لا شكّ فيها، وليكتشف أنّه مركّب فريد ولا يُستبدل”. ص22
” أعلم أنّ من غير المنطقيّ أن نتوقّع من كلّ معاصرينا أن يغيّروا بين ليلة وضحاها عاداتهم في التعبير. ولكن يبدو لي مهمّاًَ أنّ يعي كلّ منّا واقع أنّ طروحاته ليست بريئة وتساهم في أحكام مسبَقة اتّضح على مرّ التاريخ أنّها منحرفة وقاتلة.
إنّ نظرتنا هي التي تحتجز الآخرين في انتماءاتهم الأضيق في أغلب الأحيان، ونظرتنا هي القادرة على تحريرهم أيضاً.” 24.
” لا تُعطَى الهويّة مرّة واحدة وإلى الأبد فهي تتشكّل وتتحوّل على طول الوجود”.ص25.
لم أسق الأمثلة السابقة تمهيداً لغرس فكرة في أرض غير أرضها، معتمداً بذلك وله أغطية لا تكفي، إنّما أردت بذلك الإشارة إلى واقع أكثر تعقيداً من واقعنا، وبالتالي التمعّن في نظرة مثقّف مهمّ في المرحلة إلى واقعه من خلال قراءات له في الانتماء والعولمة في كتابه المذكور.
مَنْ يا ترى يقطع اليد التي تُمَدُّ للمدافَعة عنه وعن قضيّته.. ؟!!!
مَنْ يا ترى يسعى لإفناءِ أخٍ حاليٍّ وصديق حاليٍّ ومستقبليٍّ يمضي معك ساعياً لكسر قيوده وقيودك، ولا يريد منك أيّ امتيازٍ، ولا يفرض عليك أيّ إتاوة، ولا ينتظر لقاء مدافعته أيّ شكر.. بل تجازيه بالتكوُّر حول نفسك متقوقعاً رافضاً أيّ يدٍ تُمدُّ إليك، تحت بند (بلا منّيّته)، لتخوّنه وتحفر له قبره اجتماعيّاً قبل تشكّله كتابيّاً، وجريمته أنّه يسعى لمساعدتك وإحيائك، ويمدّ إليك يده ليحرّرك، وتتّهمه بأنّه سيسرق منك قيدك وأساك، وبأنّه يبيّت شرّاً إذ يمثّل المساندة والمصافحة والمدافعة، لتثور نظرية المؤامرة المعشعشة في العقول والقلوب لتحرقكم معاً، أن تضع رأسه على المقصلة التفافاً عليه، حين يحاول تخليص رأسك من المقصلة.. وأن ترسل (كيده) كيداً في نحره، وهو براء من أيّ مكيدة توسوس بها نفسك الظنون الممسوسة بالمؤامرة إليك، ووهمك الذي يسوقه شكّك الممرض إلى أناك المتعصّبة العاصبة العين والقلب.. وهنا يصدق كلام الأستاذ حكم البابا في مقال منشور له بتاريخ 02 / 10 / 2006م حين كتب: “ففي بلد مثل سورية تعتبر فيه الرقابة المهنة الثانية لأغلب سكّانه، ويشكّ فيه الرجل بزوجته، والزوجة بجارتها، والجارة بابنها، والابن بأستاذه، والأستاذ بمديره، والمدير بسائقه، والسائق بمكنسيانه، والمكنسيان بصانعه، ويعتبر كلّ هؤلاء الموبايل الذي يحملونه جهازاً للتنصّت عليهم أكثر ممّا هو وسيلة من وسائل الاتّصال، ويخطر لهم التفكير -على الأقلّ بينهم وبين أنفسهم- بأنّ التصوير الشعاعيّ والايكو والطبقيّ المحوريّ ينتمون إلى الفعل الرقابيّ أكثر من كونهم وسائل طبّيّة لكشف الأمراض”..
عجباً.. تجرّد مسانِدك من أيّ مصداقيّة يتمتّع بها، أو سيتمتّع بها، وإن كان يرخص في سبيل قضيّتكم دمه، كيلا يظهر عريُك فضّاحاً لمن تدّعي لهم بأنّك نبيّهم الموعود وبأنّك مهديّهم المنتظر..
ولكن.. أيّ نبيّ موعود أو مهديّ منتظرٍ هذا الذي يُكمّه عن الظهور الجبن أو الخوف.. ؟!!!
أو كيف يكون نبيٌّ دون رسالة.. ؟! وهل النبوّة غير الثورة على البالي المنتهي المفعول والصلاحيّة..
وبالتأكيد هنا لا أدّعي النبوّة أو امتلاك الرسالة، لأنّ هذا ليس من مهمّاتي.. وأستغرب كيف يجازف قلّة قليلة بقطع رأس مَن لا يطمع في أيّ امتياز أو منصب، إلاّ أن أصبح الاكتواء مع المكتوين امتيازاً، إن كان كذلك، فأنا أطمع فيه كلّ الطمع، وأعمل لذلك بالطرق الشرعيّة، وسأحاول تجاوز الصراط للوصول إلى الأمان بعيداً عن الأمن المرابض في المحارس.
يؤسفني أن أقول، ويؤلمني أكثر ممّا يؤسفني، أن تكون الإشارة إلى الأصول (العربيّة) اتّهاماً لي أُقعَد معه، أو جرماً لا أستحقّ أو أستأهل معه أيّ دفاعٍ قدر استطاعتي عن حقّ الكرد المباح على أرضه المستباحة..
رغم أنّ هذه النظرة العرقيّة مدانة بشكل عامٍّ، ومن قبلي أشدّ الإدانة، ومن قبل كلّ من يميّز الأمور عن بعضها دون أن يفكّر بطريقة قاتلة له قبل غيره، ورغم أنّ هذا التلميح لا يرمي غير الانتقاص من قدر كتابتي وتجريدها حقّها غير المستجدَى ممّن لم يتعرّف بعدُ على القضيّة وما تحتاجها، ولا يبتغي غير تجريد ما أكتب من مراميها وإظهار مغزاها الوحيد بأنّه تآمر، تعامُل، إجرام، إلحاد، اندساس، تشويه، تخريب للعقول، تعطيل للطاقات.. ومن ثمّ التمهيد لإلصاق كلّ المآسي التي حلّت بالشعب الكرديّ بي وتحميلي وزر دولة تُوْءَد كلّ قرنٍ أكثر من مرّة، وذلك بوصمي ببعض الذكاء بين مزدوجين، طبعاً الذكاء المجيَّر لخدمة سادتي.. ولأكون الوباء المستشري في الجسد الكرديّ المنخور ببعض من مدّعي بنوّته دون أن يلتزموا تجاهه بأيّ واجب تستوجبه الأبوّة والأمومة، يبدو بأنّ الواجب فقط، هو ادّعاء الحماية، والوقوف في وجه كلّ من يقترب مدافعاً عن هذا الشعب العظيم الذي لا يستحقّ أن تسدّ كلّ فسح الأمل في وجهه.. وإن كان التلميح المتذاكَى يسعى على لسان العاملين به إلى تحريم المدافعة عن الاستلاب الجاري على قوم أنا منهم وهم منّي..
أريح الغُمَزيّين اللُمَزيّين: أنا ابن أبٍ مستكردٍ لأبٍ مستكردٍ لجدّ عربيّ، ومن جهة أخرى أنا ابن أمٍّ كرديّة، وأنا حفيد جدّة أرمنيّة كانت من مدينة “أدا بازار” التركيّة، ولكنّ الاستبداد التركيّ المتستّر بالدين والمغابي به فَرْمَنَ باسم الدين عليهم دنياهم، ليلقي بها بقايا فتاة إلى ماردين مع أخٍ آخر لها، ولتلتحق بقيّة أسرتها باليونان، وليتشتّت شملهم إلى يوم لن يجيء..
فقط مضى على وجودنا في كردستان قرنان، وليرتاح هؤلاء أكثر أقول بأنّي:
أنا من وجهة نظري، وبفهمي للهويّة، قبل كلّ شيء وبعد كلّ شيء إنسان.. ومن بعدها:
أنا كرديّ، أنا عربيّ، (ليس من مفهوم الحاج علي عندما قال الأكراد العرب)، أنا مستكرد روحاً ولسانَ محادثةٍ، أنا مستعرب لسانَ كتابة وتواصل مع القائم، أنا سوريّ وبذلك أفتخر، ولا أستطيع إلاّ أن أتشرّف بصفة الكردستانيّة ولا أحد بقادرٍ نفيها عنّي، ولا أحد بإمكانه أن يفعل، أقول إنّي هؤلاء دون أن أبرأ من الوجع الأرمنيّ النازف.. أنا لست الجلاّد قطّ، لن تصبح الضحيّة في التاريخ جلاّداً، ولا يوافق روحها أن تصبح ذلك، لا تماهياً مع المتسلّط ولا تحدّياً له..
أنا لا ألعب على الحبال، ولا أعزف على أكثر من وتر، ولا أعاني أو أعيش أزمة هويّة أو تأزّمها، أنا أغنّي ثراء الهويّة وغناها وأجسّد ذلك، أنا أؤالف بين الهويّات القتيلة هنا، ولا أريد لها أن تتقاتل لتكون القاتلة.. كيف يغدو القتيل قاتلاً.. ؟!!!
إنّ هذه معادلة شبه مستحيلة، ولكن ليس مستحيلاً المؤالفة بينها.. أفتخر بكلّ انتماءاتي المكانيّة الأوجاعيّة من قَصْرِى ومروراً بعامودا، وبسوريا، وبالمدن التي سأقيم فيها مستقبلاً.. “وغير جائز ممارسة العدميّة الجغرافيّة أو المبالغة فيها”، كما يقول مؤّلفا كتاب “الأثنوس والتاريخ” برومليه، بودولني..
اعتبرني همزة وصل، أو نقطة التقاء بين الهويّات التي تدفَع إلى التفاني والانتحار، إرواءً لشبقٍ نيرونيٍّ لا يهمّه غير المال والسطوة.. لست مريض هويّة، والتعريفات التي تعرَّف بها قد تبعد أو تقرب من قناعاتنا، ولكنّ الهويّة الحقيقية لابدّ أن تنطلق من المحسوس والعائش في الدواخل، وفي القلوب..
هويّتي اجتماعُ وتآلفُ الهويّات، لا تناحرها وتلاغيها.. هويّتي هي نتاج إِلاف الهويّات، لا منتوج صراعها.. أو اعتبرني خلاسيّاً يعشق كلّ مكوّناته، ويدافع عن المسحوقة منها، وهي هنا الكرديّة، لتبلغ مستوى الأخريات، ولكن إذا غدت تلك المسحوقة ساحقة، وتبادلت الأدوار مع الساحقين، سأنقلب عليها دون أدنى شكٍّ، وسيكون الانقلاب مؤذياً ومضرّاً لكلينا، ولن أرضى أن أمثّل أيّ تعصُّب أثور عليه، وأوقن في نفسي بأنّي قد تجاوزته منذ زمن، وسألعن عصبيّة الأقلّيّة أو التعصُّب لها، لأنّ التعصُّب أو العصبيّة مهما تجمَّل فإنّها لن تنفي نفسها أو تقلب معانيها.. وهنا سيكون مفيداً لو يُقرأ كتاب “العِرق والتاريخ” لليفي شتراوس، وكذلك كتاب “سيكولوجيّة العلاقات بين الجماعات: قضايا في الهوية الاجتماعيّة وتصنيف الذات” لمؤلّفه: د. أحمد زايد.. وكتاب “الهويّات القاتلة” لمؤلّفه: للروائيّ أمين معلوف.. وفصل دقيق معبّر بعنوان “الهوية: تلك الوردة الفاتنة” في كتاب “الباحثون عن ظلالهم” لمؤلّفه: الباحث إبراهيم محمود.. وكتاب “الأثنوس والتاريخ” برومليه، بودولني.. وكتب أخرى كثيرة تهتمّ بالهويّة..
وهذا جانب مهمّ من اهتمامي الذي سأشتغل عليه مستقبلاً فيما أنوي كتابته لما أرى له من ضرورة في حياتنا ومن خطورة اللَبْس فيه في الوقت نفسه..
ومن غريب الفعل والقول، ولا شكّ من ذميمهما، أن يستلبك المستَلَب أساساً ما أنت بصدد الإقدام عليه من تحريرٍ لما تستطيعه، وفكّ للعقد التي تقدر عليها.. وأنّ تتَّهم لأنّك تحاول مساعدته بأنّك مختَرَق وبأنّك دلاّل عيوب نثّارها..
ولن تصدَّق حتّى تُرى جثّتك ملقاة أمام الأعين، ليقال حينذاك – إذا أجيز القول – إنّ هذا ليس إلاّ تمثيلاً على طريقة الرومان، أو بأنّه استجداء عطف وتصديقٍ للأقوال والأفعال..
إنّ انتمائي الإنسانيّ قبل أيّ انتماء آخر يفرض عليّ فرضاً موجباً أن أكتب ما يجب أن أكتبه من المفروض تلقاءً، وعن طيب خاطرٍ منّي، والمرفوض كذلك على هذا الأساس.
وإن كان المثل يقول: مَن عاشر قوماً أربعين يوماً صار منهم.. فهل تكفي أربعون سنة..؟ وإن لم تكفِ، فهل تكفي أربعون أخرى مضافة إليها..؟ وإن لم تكفِ، فهل تكفي “أربعونتان” أخريان..؟!!! هذا ما لا أدريه.. وأعتقد أنّ الجواب لن يغيّر فيّ شيئاً..
وفي هذا المنحى، لا أستطيع أن أنفي، دور بضع مثقّفين حقيقيّين في عملية التأثير والتأثّر والتواصل، ولن أعتمد مقولة تمجيد المتأثّر لقابليّته للتطوّر كي لا أتَّهم بما أرفضه، وكذلك ساهمت القراءات التي أنارت بصري وبصيرتي بدورٍ فعّال، ومن ثمّ لأرى الكثير ممّا كان يجري، ممّا لم أكن أظنّه مهمّاً، حيث كانت عيوني مغلقة، إذ كان يخيَّل أنّها مفتوحة على اتّساعها.. لأكون أنا: الما قبلُ والما بعدُ..
من أطرف الطُرف وأوجعها في آنٍ، أن يتلاقى ويتّفق المختلفون المتخالفون المتخاونون المتعادون، وهم المعروفون بالاتّفاق اليتيم على عدم الاتّفاق، على تخوينك وإدانتك وتشويهك، كلّ طرف دفاعاً عن جناياته، وجناباته، لتبدأ غريباً وترسم لك السبل وتحدَّد بأن تقضي عليك وتفنيك غريباً مغرّباً.. لتعيش منفيّاً في ذاتك، كما يقول نزار قبّاني، أو غريباً بين أهلك، فتكون أغرب الغرباء، كما يقول ابن المقفّع.. لتكون الصفة القادمة المداومة لي والملصقة بي حياتيّاً:
“الغريب”.. “الغريب”.. “الغريب”..
ولأعرف بأنّي: مندسّ هنا، ومرتدّ هناك.. مدفوش مأجور هنا، غشيم مغرَّر به هناك..
وليطبَّق عليّ المثل القائل:
“معيّد القريتين لا هين ولا هين”. أو ما يقابله في الكرديّة: “Se,îdê Se,îda mehrûm bû ji herdû eyda ”
ولأنّي أدفَع لأكون كذلك، لا عكس ذلك، أتساءل مستنكراً متعجّباً:
هل أنا:
المتحاملُ، حامل الحقد، المتاجر بالعته، النهّاب إنسانيّة مغدورة بي، جالب الفزع إلى الديار، الآمر بالمنكر، الناهي عن المعروف..؟!!!
الذي أسهمت إسهاماً فعّالاً في التآمر على الإمبراطوريّات الكرديّة بحضاراتها التي سادت وقادت بغية إبادتها وترميدها..؟!!!
ذروةُ عصور الانحطاط بعد سني السعادة والرفاهيّة والأريحيّة..؟!!!
مَنْ اقتفى للعداة الطغاة آثار أقدام الثوّار..؟!!!
مَنْ دسست إلى جمهورية مهاباد مؤلّباً محرقاً معدماً.. ؟!!!
قاتلُ العشّاق ومفني أحلامهم بالوصل.. ؟!!!
مَنْ أهدر دم الثوّار في جبالهم الشمّ.. ؟!!!
العثرةُ أمام لمّ الشمل، وتوحيد الصفوف.. ؟!!!
المروِّجُ للفتنة المستيقظة على يدي لتنقيلها بين الإخوة لاستعدائهم، لاستقتالهم.. ؟!!!
طالبُ الفتك الأخويّ.. ؟!!!
المفجِّر كلّ الآثار، المغيّر الجغرافيّة لصالح التاريخ الذي سيغيَّر إثر التخريب..؟!!!
المطالبُ بالاستسلام والمقرُّ بالهزيمة.. ؟!!!
الذئب المتنكّر بثياب الحمل متخفّياً بين الحملان..؟!!!
جهنّمُ في هذه الأرض، أحرق زهّادها، متصوّفيها، حماتها، مؤمنيها، أتقياءها، كَهنة عظمتها، سَدنة مقدّسها.. ؟!!!
الذي كلّما ازددت من المآسي أستزيد.. ؟!!!
مَنْ تفرحني انكسارات قومي الذين معهم أنكسر.. ؟!!!
مَنْ تقوى شوكتي بكسر شوكة إخوتي..؟؟!!!
ومن جهة التعصّب المقابل، هذا الذي ينظر إليّ من خلال منظارٍ يعدم الرؤية، على أنّني مرتدّ عن الدين التعصُّبِ، ويطبَّق عليّ حكم المرتدّ، وأمهَل أيّاماً ثلاثة، ليصبح الحكم في طور التطبيق، وليهدَر دمي على الملأ..
وهنا أيضاً أتساءل مستنكراً متعجّباً:
هل أنا:
مَن سلّم مفاتيح القدس إلى اللقطاء ..؟!!!
مَن باع المدن العربيّة التي يُغضَّ عن ذكرها الطرف لأنّ مصلحة سياسيّة مؤقّتة احتاجت ذلك..؟!!!
مَن ينشر دعاوى الفجور والانحلال بين الشعوب المراد لها ألاّ تصحو من غفلتها في غفلة من التاريخ المحروس جيّداً من واضعيه..؟!!!
فلماذا أكون الممهور بالجرم، المجرَّم الغارق في الإثم، عاصي العصاة، المدان سلفاً، ولن تثبت البراءة أبداً، ومحاولات التبرئة محبطة، فلا داعي إليها إذن.. ولا داعي كذلك للاستشفاع فلن تقبل أيّ شفاعة أو توصية..
إن كنت كلّ أولئك، فأنا متكفّلٌ بالاعتراف بكلّ الجرائم التي كانت، والتي ستكون، ما تمّ منها وما سيتمّ، ليكون عند من يسقط كلّ هزائمه وخيباته على غيره، شمّاعة جاهزة، لتعلَّق عليها الانكسارات المستقبليّة.. (بالتأكيد هذا ليس تنبّؤاً بالكوارث أو استجلاباً لها، أو نذير شؤم يتحضّر لينعب على أطلالها).. ولكنّه تطمين لمن يبحث عن حجج تقنع… ولن تقنع..
ولا أستطيع أن أتخيّل نفسي وقد انتُزعت عامودا من داخلي، قد أبتعد عنها، لكنّها بالتأكيد لن تفارقني، وأجد بأنّه ينطبق عليّ ما يقوله منيف أثناء الحديث عن مدينته على لسان بطله: “إنّ حيرة من نوع جارفٍ تملؤني لكنّي سأتجاوزها، لا يمكنني أن أتخلّى عن مدينتي، لا أتصوّر للحظة أن تحارب عمورية وحدها بدوني، أن أبقى بعيداً ومتفرّجاً وفي وريدي دم ينبض، وأنا بقدر ما أكرهها أعشقها.. لكن لا أستطيع أيضاً أن أكون جزءاً من الجوقة، أو مخدّراً يتخدّر به الآخرون، يجب أن أتروّى قليلاً لكي أعيد النظر في كلّ شيء”.
هذا بعض الحديث عنّي ككاتب لرواية “آرام.. سليل الأوجاع المكابرة”، لأنّ في مدينة كعامودا، يبدو بأنّ آخر ما يهمّ بالنسبة للرواية، هو الرواية نفسها.. وهذا رأي حقٌّ أعتبره في محلّه، لأنّ فاقد الشيء لن يعطيه..
أعد بأنّي سأكتب آرام، وسأكتب الآرام، وسأكتب آراماً، وسيكون لكلٍّ آرامٍ زمانه ومكانه المناسبان، وأنا مقتنع أعظم القناعة بقول السيّد المسيح:
“ماذا يفيد الإنسان لو ربح العالم كلّه وخسر نفسه”.. فالربح الأعظم والغنى الكبير يكون، كما يقول الشافعيّ، عن الشيء لا به.. ويصدق باسكال عندما يقول: إنّ كرامة الإنسان تكمن في الفكر.
أعلم بأنّ مَنْ يحاول إرضاء الجميع لن يرضي أحداً، لذلك فأنا أرضي ضميري أوّلاً وآخراً.. وأنا بالكتابة والفكر قد أخسر عالماً من وهمٍ، لكنّني موقن بأنّني أربح نفسي، وأربح معها عالمي الذي هو أرحب العوالم على الإطلاق، إنّ جنّتي كتابتي، وجهنّمي كلّ ما عداها، ومَن يبدّل بالجنّة ما عداها..؟!!!
المداخلات التي قُدّمت في الندوة:
تحدّث الحاج عبد الفتاح عوجي، مجيباً عن بضعة الأسئلة المطروحة عليه من قبل الأستاذ علي دريعي، عن تاريخ عامودا، فيما يتعلّق بهجرة ساكنيها إليها، وركّز على هجرة الأهالي إليها في فترة ما قبل طوش عامودا. وتحدّث عن بعض العشائر في عامودا، المؤيّدة منها والرافضة للاستعمار الفرنسيّ، أيام الطوش 1937م، وعن كيفيّة بدء الفرنسيّين بالقصف للقرى المجاورة لعامودا ثمّ الانتقال إلى المركز عامودا. وكما تحدّث عن الخليط الدينيّ في عامودا آنذاك، وأشار إلى دور عامودا الثقافيّ تاريخيّاً، وتميّزها عن المدن المجاورة. وفي ختام كلمته شكر الجميع وأعطى المجال لمقدّم الأمسية الأستاذ علي دريعي.
تقديم الأستاذ علي دريعي:
في كلّ عصرٍ يبرز جنس أدبيّ يحدّد علاقة الانتماء بين العصر والجنس، فإن كان الجنس الأدبيّ شامخاً في إبداعه، جعل العصر منتمياً إليه، ليقال: عصر الملحمة، عصر الحكاية، عصر الشعر.. إلخ، وعصرنا الحاليّ ينسبه الكثيرون من الكتّاب والنقّاد إلى الرواية، لأنّ الرواية حقّقت قفزات نوعية متميّزة شكلاً ومضموناً في موازاة المدينة، ليقال عنها، بأنّها فنّ المدينة، وغدت الرواية أكثر التصاقاً بالحياة اليوميّة وبالقضايا المصيريّة التي تخصّ الإنسان، وأكثر احتواءً لتلك القضايا، وأعمق تعبيراً عنها من ناحية استيعابها لكلّ ما يتّصل بحياة الإنسان وبفكره من تاريخ ودينٍ وفلسفة وأسطورة وسياسة واقتصاد وعلم النفس، وهذا ما يجعلها مزيجاً من تلك الحقول المتحاورة والمتداخلة والمنسجمة، رغم تعارضها أحياناً..
إذا كانت هذه الأهمّيّة قد جعلت الكتّاب يتوجّهون إلى الرواية ويتبارون في حقل الإبداع منوّعين في أساليبهم سعياً لتحقيق مستوى من الكتابة يتناسب مع قيمة الفنّ الروائيّ.. فإنّ ذلك يتطلّب من القارئ أن يولي هذه الكتابات الأهمّيّة ذاتها حتّى يتساوى طرفا المعادلة ويتحقّق الحلّ..
لكن ما يُلاحَظ ازدياد الفجوة بين الكتابات والتآليف وبين القرّاء، حيث حالة التخلّف والتجهيل تجعل من الثقافة نوعاً من المعلّبات المختومة في المكتبات، بالإضافة إلى الأوضاع المعيشيّة الصعبة التي تسحق الإنسان بطواحينها اليوميّة، كما أنّ الواقع السياسيّ المفكّك بتصدّعاته، وتفشّي الثقافة الاستهلاكيّة من مختلف النواحي في المجتمع، تساهم في جعل القارئ يعمّم شكوكه واتّهامه للواقع السياسيّ على الثقافيّ، لأنّ الثقافة والسياسة لا تنفصلان..
ويبقى السؤال التحدّي: هل الكتابات الجادّة بقادرة على مواجهة التحوّلات على مختلف الصعد: السياسيّة – الاقتصاديّة – الاجتماعيّة..؟!!!
ليبدأ البحث الدائم من أجل إيجاد أشكال جديدة قادرة على تجسيد الطموح، وعلى الأقلّ تغيير الأداة التي يمكن من خلالها مواجهة العالم ومحاولة تشكيل أرضية ثقافيّة لتغييره.. ومن هنا كان الاقتراب من أداة أخرى من أدوات التعبير والتغيير هي الرواية، بمعنى ما، إنّ التعبير عن الأفكار والطموح يمكن أن يكون فنّيّاً أيضاً..
ونحن اليوم أمام رواية: آرام.. سليل الأوجاع المكابرة . للكاتب هيثم حسين.الصادرة حديثاً عن دار الينابيع 2006م . هذه الرواية التي هي ذاكرة المكان العاموديّ الذي هو بدوره ذاكرة أهله، حاول فيها الكاتب أن يصوّر مدينته تصويراً أراده ثلاثيّ الأبعاد، لواقعه الذي هو مسرح الرواية، حيث تجري أحداث الرواية في زمان ومكان معلومين.. شخصيّاته عيّنات ونماذج واقعيّة.. يحاول الكاتب أن يضع يده على مفاضل ومواضيع حياتيّة معاشة، يحرّض قارئه على تتبّع بعض شخصيّاته الروائيّة حياتيّاً..
لوحة الغلاف للفنّان خضر عبد الكريم..
تصميم الغلاف للفنّان لقمان أحمد .
الكاتب في سطور: هيثم حسين، مواليد عامودا 1978م، تخرّج في معهد اللغة العربيّة بالحسكة عام 1998م . له أكثر من ديوان شعريّ غير مطبوع، ديوانٌ منها غير موافَق عليه.. كما أنّه قدّم لكتاب “عامودا تحترق” للمحامي حسن دريعي ودقّقه لغويّاً، يكتب في الصحافة الإلكترونيّة في المجالات الأدبيّة والنقديّة، ومن بعض مقالاته: قريةُ داري رهينُ الظلمين- لعنة الجغرافيا وخيانتها روائيّاً- الحدائيّات العربانيّة- حرائقنا نيرٌ ناريّ- المنبر الإعلاميّ، موقعه وموقفه- ألفة الأمكنة، أمكنة الأُلاّف- مات الوطن .. عاش الوطن.. وغيرها من المقالات الأخرى ..
كلمة البداية لهيثم حسين:
في البداية، سأبدأ من المكان لأنّي منه ابتدأت، وفي فلكه أدور، ولن أعمل بالمثل العربيّ القائل بأنّه لا يُكرم المرء في داره، بل أشكر الحاج عبد الفتاح الذي استضافنا في بيته، وأشكر جميع الحضور، على مشاركتهم في إغناء هذه الندوة أوّلاً بحضورهم، ومن ثمّ بملاحظاتهم وآرائهم.
سأبدأ بالذاكرة العاموديّة، من حرائقنا، حيث بعد كلّ حريق تبقى عامودا نفسها، تتغيّر، لكنّها تبقى عامودا، تحترق، وتعود لتقف على قدميها، تعود أقوى ممّا كانت عليه.. عامودا كوّنت لديّ ذاكرة عاموديّة من الحرائق، الكلمات اليوميّة التي لطالما سمعناها من أمّهاتنا وجدّاتنا وآبائنا، و لا زلنا نسمعها عن الحرائق، دفعت بي للتحدّث عن الحرائق، والتنقيب عنها، أي فعّلت في داخلي ذاكرة حرائقيّة مرتكزة على تاريخ من الحرائق..
في المجال الأدبيّ، جاء انتقالي من الشعر إلى الرواية، بعد تعرّفي إلى الأستاذ حسن دريعي، ومشاركتي له في عمله، في كتاب “عامودا تحترق” الذي يوثّق لكارثة حريق سينما عامودا سيّريّاً..
وطبعاً كنت كأيّ شخص في عامودا يعرف قصصاً متعدّدة عن احتراق السينما واحتراق الأطفال فيها، منها ما هو مختلف عن الأخريات، منها ما يقوّي نظريّة المؤامرة والتدبير والتخطيط، و منها ما يواكب المفهوم الدينيّ: القضائيّ القدريّ.
كنت قد كتبت قصيدة عن عامودا، وعن حريق عامودا، وعن حريقي المعنويّ، وما قمت به مع الأستاذ حسن من مقابلات وحوارات، و بحثٍ في كتاب “عامودا تحترق”، جعلني أراجع كلّ حساباتي، وبخاصّة بعد كلّ مجالسة لي مع أحد الأبطال الذين نجوا بأعجوبة من الجحيم، أو مع أحدٍ من ذويهم، وبشكلٍ خاصٍّ أمّهاتهم اللواتي لم يزلن يتحسّرن عليهم وسيبقين في تحسّرهنّ ما شاء لهنّ الله أن يبقين..
وكذلك مع المنقذين والناجين، المشوّهين نفسيّاً أو جسديّاً، تعرّفت إلى أوجاع هذا العدد من الناس، ورأيت عدداً لا يزال يعاني من حكّة الاحتراق منذ احتراقه في السينما، وقد أدركت كنه شعورهم أكثر من غيري، فقد عانيت من الحكّة كثيراً، بعدما تعرّضت للحرق في أثناء الخدمة العسكريّة، وجرّبت قَعْدة المشافي مرغماً، إذ بقيت لأكثر من بضعة أشهر في المشافي، وبعدها بقيت بضع سنين أعاني من آثار الحرق، وما كنت لأتخيّل يوماً من الأيّام – هذا قبل الحادث – أن تصبح الحكّة إحدى أعظم العقد بالنسبة لي، أو بالنسبة لأيّ إنسانٍ آخر، فكنت أشعر بكلّ كلمة كان يتفوّه بها أيّ معانٍ من نيران السينما، وكنت أشاركهم خوفهم من النار، وحتّى من عود الكبريت، حتّى تاريخه، ولا أزال، وكنت أشعر أنّي مثلهم أدفع ضريبتي الناريّة المفروضة..
بعد حريقي الخاصّ، حاولت أن أعود كما كنت، أيّ حاولت العودة إلى كتابة الشعر، ولكن هيهات، لا لأنّي لم أعد قادراً على النظم أو الاستشعار أو الدخول في الحالة، بل كانت الحالة المأساويّة ملازمة لروحي طويلاً، وإن أنت ربطت الإبداع بالمأساة، لكنتُ وقتها مشروعاً عظيماً لشاعر عظيم، يستمدّ عظمته من كبر مأساته، لا من عظمته الشعريّة الشاعريّة..
لاحظت بأنّ القصيدة تعبّر عن بعضٍ من بعضٍ ممّا أعانيه، كما لاحظت بأنّ هذه القصيدة إن كانت عن مأساة مدينتي أو عن مأساتي فإنّها لا تبلغ مستوى الوجع المعانَى منه وبسببه. وأعجبني قول للروائية الجزائريّة أحلام مستغانمي وهي تقول: من يفقد حبيباً يكتب قصيدة، ومن يفقد وطناً يكتب رواية.. وأنا بدوري أقول: أمّا من يفقد وطناً بأحبّائه، فلابدّ له أن يكتب رواية شاعريّة، لا أدّعي بأنّي حقّقت ذلك في كتابتي الروائيّة، ولكن أقول بأنّي حاولت تحقيق ذلك.. ولا أعرف إلى أيّ حدّ نجحت..
في روايتي “آرام.. سليل الأوجاع المكابرة”.. المكان الروائيّ المعلَن والمصرَّح به هو عامودا..
والإحاطة بالمكان كلّه مهمّة مستحيلة، ولكن ليس مستحيلاً نقل لقطة صغيرة من الصورة الكبيرة..
في مجمل الرواية، ذكرت بعض القصص من الذاكرة العاموديّة، والشخصيّات هي من مزج وتركيب عاموديّ..
مثلاً تحدّثت عن شخصيّة هجار الروائيّة المسحوقة، هذا المكتوم القيد، وهو حالة واحدة من بين نصف مليون حالة، كما ذكرت حالة آلمتني في الصميم وتؤلمني أكثر كلّما أذكرها أو أتحدّت عنها، وهي وضع صديقٍ، ذاك الطالب المكتوم القيد الذي جمّع في البكالوريا علامات الطبّ، ولكنه لم يستطع الالتحاق بالكلّيّة ودخولها، والتسجيل فيها، وبعدها صار يبيع الشاي أمام أبوابها، وبجانب أسوارها، وحالته من بين مجموعة حالات في واقعنا..
أردت أن أتوقّف عند مجموعة حالات من واقعنا الاجتماعيّ، وقد عرضت الرواية بعد الانتهاء من كتابتها وقبل نشرها على مجموعة من الأصدقاء من عامودا، وبعدهم الأستاذ فرهاد دريعي، وأخيراً الأستاذ إبراهيم محمود، الذي كتب عنها بعد نشرها دراسة قيّمة غنيّة، وكذلك مقالة الأستاذ (بافي توسِن). أشكرهم، وأشكركم.
والآن سأتوقّف، لأفسح لكم المجال لتتفضّلوا بالدخول إلى عالم الرواية.. والاستفادة من مشاركاتكم.