البلاغة في ضلالها

إبراهيم حسو

البلاغة اللفظية هي ضلالة نص ( ضلالات إلى سليم بركات ) للشاعر السوري حسين حبش هذه النصوص التي اتجهت نحو القصيدة الذهنية أو ما تسمى القصيدة المفتوحة على جبهات شتى من التنوع التعبيري الكتابي , ركز فيها الشاعر على المخيلة المسترسلة التي تتطلب نفساً طويلة و فسحات لغوية مكثفة و مشبعة بالدلالات و المشتقات اللفظية و التشكيل الصوري الذي يبنى عادة على هيكل الإيقاعات المتواترة والمتناسقة سواء في نهاية الجملة ( تطابق المفردات موسيقياً ) أو في بداية و مستهل الكلمة الافتتاحية, صور بالجملة تبحث عن مولد أو محرك كي تبعث حية مليئة بالحياة و الإثارة والفتنة
و لكنها غالباً ما تبقى حبيسة بلاغتها و رهينة انفعالاتها التي لا تهدأ من طرح إرباكات خطيرة ضمن اللغة من جهة و ضمن الإيقاعات الصوتية من جهة أخرى , حيث يبقى الإيقاع هنا طاقة سلبية عدائية لا تكشف سوى صداها المكرر و الصاعق , و قد تأتي البلاغة من أطراف أخرى لم يحسب لها الشاعر أو لم ينتبه إلى فرادتها و خصوصيتها محاولا استغفالها و إطفاءها كونها لا ترضي مزاجيته الشعرية و هوسه الغريب في طرق ما هو مطروق و ما هو متداول, و هكذا أصيب ذلك الإهمال النص بتهلهل آثم في المقدمة الطويلة التي اقتربت من 22 صفحة دون أن يفصح أو يكشف عن ندائه الشعري إلى سليم بركات أو أي شاعر أخر ليتغلغل النخر و التكلس جسد النص في محاولة الشاعر اجتياز عتبات لغة سليم بركات ( السيمائية ) ناسفاً بذلك تلك الصلة الروحية التي كان النص محتفظاً بها كجواز عبور إلى محبي و قراء بركات, و ليترك النص يرتعش بألفاظ و استعمالات المفردة الواحدة الخارجة عن القاموس المعجمي و الحياتي بديكتاتورية أكثر صلابة و إجحافاً عن ما هي في بلاغة اللغة و معجميتها ( ثمَّة تواريخ مفقودة في الأمر المحتوم لأمم تتململ في جوار النعاس والزمن المتراخي الوجنات.حكاية ترتِّب سور الألم على مغاليق الشموس وتعصف بالتراب ومعاقل الاطمئنان عبثها عمران جريح، وعدمها مستوحى من مقادير الهباء. ) إن قراءة نص ( ضلالات إلى سليم بركات ) فسحة عامرة تجعلك من خلالها أن تكتشف بؤر الشعر الغنية في العديد من المقاطع المتناثرة ذات الرئة الواحدة الذي يتنفس منها النص, و في الوقت نفسه يتوّه القارئ بغفلة من سطوة الخيال السديمي في برارٍ وحشية من صور تتسارع و موسيقا تتلاطم و دلالات تأخذك إلى فضاءات أخرى تخالها جزءاً من تكوينك و تشعر أحياناً انك في ذلك الفضاء بعينه .‏ نصوص ( ضلالات إلى سليم بركات ) هي نداءات شعرية صاخبة تدعو العودة إلى الهذيان اللغوي إلى فورة المخيلة و إيقاظ الذاكرة من تصحرها, عودة إلى تزيين اللفظة و إطلاق العنان لها , لينعم القارئ بفرصة أخرى لاكتشاف الجمال و البهرجة و يقدم ذلك حججاً جديدة على جماليات قصيدة الرؤية و يفضح بطلان النسقية في الحساسية الشعرية لقصيدة النثر بتشكيلاتها المتنوعة و تداخل السرد فيها , إن ما يدعو إليه نص ( ضلالات ..) هو إمكانية تجاوز الذائقة القرائية لقارئ تعود على مشاهدة( شكل ) الكلمة وليس صورتها ( مرآتها ) و هذا ما جعل أعداء ( ادونيس ) يشنون عليه حربهم و أقصد هنا كتّاب قصيدة النثر ( ويلوِّح للهذيان وحضوره المتَّسعة للبهتان والنصاعة مباغتاً الخفَّة ينبوعاً من الهدهدات الثمينة والعصارات المترنحة.يعبق بالنبيذ طوال الألم ويسبر كيان الليل… حيَّاً دائماً عاشقاً دائماً واهباً ذاته القلقة للعدم دائماً…دائما مبدداً صرير القهر على حجر الذات.)‏

يبقى صوت حسين حبش أكثر رقة و أكثر شساعة في قديمه ( ـ غرقٌ في الورد، دار أزمنة، عمان 2002) و كذلك في ( ـ هاربون عبر نهر إڤروس، دار سنابل، القاهرة 2004) و أيضاً في رائعته ( أعلى من الشهوة وألذ من خاصرة غزال، دار ألواح،مدريد 2007)‏

حسين حبش ( ضلالات إلى سليم بركات ) – نصوص شعرية , دمشق دار الزمان‏

كتب – جريدة الثورة – الأربعاء 9-6-2010م

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…

ابراهيم البليهي

لأهمية الحس الفكاهي فإنه لم يكن غريبا أن يشترك ثلاثة من أشهر العقول في أمريكا في دراسته. أما الثلاثة فهم الفيلسوف الشهير دانيال دينيت وماثيو هيرلي ورينالد آدمز وقد صدر العمل في كتاب يحمل عنوان (في جوف النكتة) وبعنوان فرعي يقول(الفكاهة تعكس هندسة العقل) وقد صدر الكتاب عن أشهر مؤسسة علمية في أمريكا والكتاب…

عبدالرزاق عبدالرحمن

مسنة نال منها الكبر…مسكينة علمتها الزمان العبر..

بشوق وألم حملت سماعة الهاتف ترد:بني أأنت بخير؟ فداك روحي ياعمري

-أمي …اشتقت إليك…اشتقت لبيتنا وبلدي …لخبز التنور والزيتون…

ألو أمي …أمي …

لم تستطع الرد….أحست بحرارة في عينيها…رفعت رأسها حتى لا ينزل دمعها،فقد وعدت ابنها في عيد ميلاده الأخير أن لا تبكي ،وتراءى أمام عينيها سحابة بيضاء أعادتها ست سنوات…