يرفرفُ فوق سريرها حنينه ُ

أحمد حيدر

ألفَ سنة يتلوى في ردُهات ِالحيرةِ
دحرجتهُ الغواية إلى ترفٍ أغبر
كرحالة ٍلم يبلغ أطرافَ ممالكها
الشاسعة الشائعة الشائكة الشامخة
ألف سنة وهويلهوبالأشكال كحداد ٍأعمى
جفلت المعادن من رجفة ِيديه ِ
 وطرقاته ِالطائشة  
الرجلُُ الوحيدُ
الغريبُ في المدينة ِ
الذي لا ينتظر

أحداً
عَبرتْ زفراته ُعصورٌوشجرُيابس ٌ
ومساءات مُعفرة بالطين ِوالدم ِ  
عَبرتْ أرتال الصبايا محملات ٍبجرار ِالماء ِوالحنين
ولم يتزحزح قيد َهفوة من ظلالها الباذخة
التي خيمتْ على روحهِ
يجترُّ علقم الغربةِ كيتيم ٍلم يكفله ُغير العراء
ويزجُ أوقاتها في جهاته ِكأملاك الآخرين
يتقرى تضاريسَ الجسد الطازج   
ورفرفة الحمام ِتحت َابطيها
يَضمُها ويَغط ُ في حلمهِ
كمحروم أزلي
 
كانَ متردداً
وخائفاً أكثر مما ينبغي
حينما َأومأت إليهِ الوردة السمراء
بموجزٍمن الكستناء والشهوات النافرة  
على مسمع ٍمن الطيور ِوالمعلمات
بردت القهوة قرب سريرها الحار
تاهت عقارب ساعة الحائط  
اهترأت ستارة الشباك المطل على همساته :
” انتظرتُك مدينة منكوبة
انتظرتُك عمراً مقطوعاً من وحشتك  
انهمر ياروحي على صحراء جسدي    
انهمر ياحبيبي
انهمر بغزارة كنهار ٍممطر ٍ ”

لبى الغريب نداء الحقل العطشان
لبى هديل َالروب السماوي الشفاف
والرعشة التي عصفتْ في داخلهِ  
كان مرتبكاُ في حرم ِالجسد المتهالك  
والنهدين المتهدلين ِمن عطش ِشفتيهِ
وهو يتأملُ الجرح القديم بينهما
ومشدوهاُ كطفل ٍجاء َمن قرى الشمال إلى المدينة  
يطاردُ أوهامهُ السارحةعلى رصيف الشهوة ِ
كقطيع ٍمتخم ٍوبطران ْ

بهدوء ٍفتحتْ له ُالباب
لتطمئن على البنايات المجاورة للدوي المرتقب
وتطمئن الفراشات الهائمة ِحول سريرها
وهي تتنسم رائحة ملابسها الداخلية
وأنفاسهُ المبعثرة قرب الدرج المفضي
إلى غرفة العناية المشددة فوق سطح بيتها
اقتربَ منها بهدوء فاقتربت منهُ الملائكة
مدّ لها يدهُ فمدت لهُ الثمر
سحبتهُ إلى مسقط قبلاتهما
سريرها الخارق
كأنه نذير المرح المنتظر
كأنها أصدائه ُ
 
ألقى نظرة ًطويلة على صورته ِالمنحوتة
على جدران ِغرفتها وفي المرآة
ألقتْ نظرة ًطويلة على جثة الغريب  
ضمتْ الحقل إلى صدرها بقوة
وضم الحقل ُإلى صدره ِبقوة كأم
وتدحرجا في الفجيعة
كطريدة مفجوعة 

كانت الحلبة صغيرة على عراكهما والبيت ضيقاً على صراخها
التي أستنفرت عصافير الحارات المجاورة وحراس السجن القريب
حتى سالَ الكرز في الصالون
فوق السريرالبارد وقرب السرير  
في المطبخ والحمام
وفي الشارع
وفي ….

تجيدهُ تماماً
الوردة السمراء
دون أن تستعين بمعجم ٍأو ترجمان   
تجيد ُغصاته ُنزواتهُ نزقه ُ حماقاتهُ
يحدث أن يقتبس كفنه من الفراعنة   
وهي تجدل شعرها تحت الدوش    
وهو يفرك ظهرها
وهي …….
وهو……..

قبل أن يشرف النشيج على بدايات النشيد   
كانت تلقي نظرة ًمن العين السحرية على الشارع
حينما تتأكد من خلوه ِتعود متوثبة تعانقه ُوتتوحد
زفراتهما مرة أخرى فوق سجادة قرب السرير
تختلط أرواحهما في غيمة خضراء
ربما تمطرفوق سماء غريبة
ربما تنجب طفلا ً
لا يشبهُ نرجس الخطيئة
ولا يشبههُ أبداً  

هكذا اختصرت الملائكة
لقاء الماء بالترابِ  
عطش الفصول في غمرةِ اشتهاءاتها
حينما تبوحُ يباسَ الحقل وتيه الفراشات   
الهائمة حول خزانة ثيابها وتكشف بألم ٍ
عن أثرالجرح القديم بين النهدين المذعورين  
أوخدوش في عنقها وفي فخذها الأيمن  
هكذا اختصرت الوردة السمراء
عناق الروح بالروح
فوق سرير ٍعنيف
في ترف ٍ أغبر

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

حيدر عمر

تمهيد.

الأدب المقارن منهج يعنى بدراسة الآداب بغية اكتشاف أوجه التشابه والتأثيرات المتبادلة بينها، ويكون ذلك بدراسة نصوص أدبية، كالقصة أو الرواية أو المقالة أو الشعر، تنتمي إلى شعبين ولغتين أو أكثر، و تخضع لمقتضيات اللغة التي كُتبت بها. ترى سوزان باسنيت أن أبسط تعريف لمصطلح الأدب المقارن هو أنه “يعنى بدراسة نصوص عبر ثقافات…

نابلس، فلسطين: 2/7/2025

في إصدار ثقافي لافت يثري المكتبة العربية، يطل كتاب:

“Translations About Firas Haj Muhammad (English, Kurdî, Español)”

للكاتب والناقد الفلسطيني فراس حج محمد، ليقدم رؤية عميقة تتجاوز العمل الأدبي إلى التأمل في فعل الترجمة ذاته ودوره الحيوي في بناء الجسور الثقافية والفكرية. يجمع هذا الكتاب بين النصوص الإبداعية المترجمة ومقاربات نقدية حول فعل الترجمة في…

سربند حبيب

صدرت مؤخراً مجموعة شعرية بعنوان «ظلال الحروف المتعبة»، للشاعر الكوردي روني صوفي، ضمن إصدارات دار آفا للنشر، وهي باكورة أعماله الأدبية. تقع المجموعة الشعرية في (108) صفحة من القطع الوسط، و تتوزّع قصائدها ما بين الطول والقِصَر. تعكس صوتاً شعرياً، يسعى للبوح والانعتاق من قيد اللغة المألوفة، عبر توظيف صور شفّافة وأخرى صعبة، تقف…

عبد الجابر حبيب

 

أمّا أنا،

فأنتظرُكِ عندَ مُنحنى الرغبةِ،

حيثُ يتباطأُ الوقتُ

حتّى تكتملَ خطوتُكِ.

 

أفرشُ خُطايَ

في ممرّاتِ عشقِكِ،

أُرتّبُ أنفاسي على إيقاعِ أنفاسِكِ،

وأنتظرُ حقائبَ العودةِ،

لأُمسكَ بقبضتي

بقايا ضوءٍ

انعكسَ على مرآةِ وجهِكِ،

فأحرقَ المسافةَ بيني، وبينَكِ.

 

كلّما تغيبين،

في فراغاتِ العُمرِ،

تتساقطُ المدنُ من خرائطِها،

ويتخبّطُ النهارُ في آخرِ أُمنياتي،

ويرحلُ حُلمي باحثاً عن ظلِّكِ.

 

أُدرِكُ أنّكِ لا تُشبهينَ إلّا نفسَكِ،

وأُدرِكُ أنَّ شَعرَكِ لا يُشبِهُ الليلَ،

وأُدرِكُ أنَّ لكلِّ بدايةٍ…