مسعود عكو
الثالثة والربع صباحاً، أقلعت طائرتي من مطار بيروت الدولي باتجاه فرانكفورت في ألمانيا، لتتوقف لأربع ساعات ونصف، ومن ثم طرت من هناك إلى مطار أوسلو في مملكة النرويج، البلد الذي بدأت حياتي فيه بعدما هجرت موطني. مائة يوم تماماً مرت وأنا في بيروت، دخلتها الثالثة صباحاً وخرجت منها في نفس التوقيت، ولكن شتان ما بين الدخول والخروج، أما دخولي فكان خلسة عبرت فيها الحدود اللبنانية الشمالية مع سورية، في حين خروجي كان من مطار الرئيس الشهيد رفيق الحريري وعلى متن طائرة اللوفتهانزا الألمانية.
الثالثة والربع صباحاً، أقلعت طائرتي من مطار بيروت الدولي باتجاه فرانكفورت في ألمانيا، لتتوقف لأربع ساعات ونصف، ومن ثم طرت من هناك إلى مطار أوسلو في مملكة النرويج، البلد الذي بدأت حياتي فيه بعدما هجرت موطني. مائة يوم تماماً مرت وأنا في بيروت، دخلتها الثالثة صباحاً وخرجت منها في نفس التوقيت، ولكن شتان ما بين الدخول والخروج، أما دخولي فكان خلسة عبرت فيها الحدود اللبنانية الشمالية مع سورية، في حين خروجي كان من مطار الرئيس الشهيد رفيق الحريري وعلى متن طائرة اللوفتهانزا الألمانية.
فجر بيروتي هادئ استقبلي “أبو دلو” الرجل الكردي الشهم، والذي لن أنسى قط كرمه ومحبته هو وأسرته الرائعة، استقبلني من تحت جسر الكولا، وأقلني إلى منزل صديق لأنام ليلتي الأولى في لبنان، بعد رحلة متعبة من القامشلي في أقصى شمال شرق سورية، إلى بيروت قبلة الثقافة والحضارة العربية. لأول مرة أدخل لبنان، مشاعر سعيدة ممزوجة بحزن ثقيل يحمل بين طياته دموعاً كثيرة أبت الخروج. كم تمنيت أن أزور بيروت كسائح، كصحفي، كسوري، ككردي، كإنسان ولكن ليس كمهاجر هارب، يخشى كل شيء.
تمنيت لو أسير على الكورنيش البحري وأرنو إلى صخرة “الروشة” و السير في شارع “رملة البيضا” ولا أخشى الدرك السائر أو دوريات الأمن العام التي كانت تجوب كل مناطق بيروت. كمن يقتفي أثر عشيقته كان سيري في شوارع بيروت، هذه المدينة التي أسرت قلبي وعشقتها، بكل ما فيها، بناسها ومحلاتها وشوارعها وبحرها، بنسائها اللذيذات الجميلات، بباراتها، ومقاهيها، عشقت الحمرا والجميزة والأشرفية والبلد.
مائة يوم قضيتها في بيروت حتى أنجزت كافة أوراق اللجوء الذي تقدمت به، وحصلت عليه بعد موافقة مملكة النرويج على استقبالي، شاهدت في هذه المائة يوم، الكثير من الأشياء الجميلة والتي نحتت في مخيلتي تماثيل بديعة ورسمت لوحات جميلة ما أظنني قادراً على نسيانها أبداً، إنها بيروت الجميلة المليئة بالحب والأمل.
مائة يوم في بيروت، حضرت فيها مهرجان ربيع بيروت السنوي تكريماً للصحفي والمؤرخ الشهيد سمير قصير، وتابعت بعض نشاطاته في مبنى “لا بول” وفي حديقته أمام مبنى جريدة “النهار” في بداية منطقة البلد أو “السوليدير” لأعيش في لحظات قصة هذه الصحفي الجريء والذي دفع حياته ثمناً لكلماته القوية.
مائة يوم في بيروت، زرت فيها الشاعر الشهير “عباس بيضون” في مشفى الجامعة الأمريكية بعدما صدمته سيارة مسرعة على أوتوستراد “فؤاد شهاب” ذلك الشاعر الذي كنت أحلم اللقاء به، وأتعرف إليه، لكني تعرفت به في ظروف كانت أكثر من السيئة، وزرته لكن وهو فاقد لوعيه وغائب عن الشعر وروضة العشق والغرام.
مائة يوم في بيروت، حضرت فيها وفاة المرجع الشيعي اللبناني الكبير آية الله “محمد حسين فضل الله” رحمة الله عليه، هذا الشيخ الجليل ورجل الدين الشيعي الذي سارت خلفه جموع لبنانية كبيرة، كقائد لهم، ورجل عرف عنه الخير وحبه للفقراء واليتامى، حيث كان أباً كبيراً لهم، ولكنه رحل مودعاً بمئات الآلاف من مريديه.
مائة يوم في بيروت، التقيت فيها بأشخاص كنت اسمع بهم دائماً وأقرأ لهم ولكن ما كانت هناك فرصة لمقابلتهم، فالتقيت في بيروت وفي مبنى جريدة “المستقبل” بالشاعر يوسف بزي، كما التقيت بالصحفي عمر حرقوص وبالشاعر فيديل سبيتي، وبأناس أخرين كثر، كانوا أكبر جداً من أسمائهم التي سمعت عنها، إنهم لطفاء جداً وأصدقاء طيبين.
في بيروت حضرت حفلة الفنان الكردي الكبير شفان برور، المغني الثوري بزيه البيشمركة التقليدي، شفان برور يغني في المدينة الرياضية في بيروت، ويرسل إهداءاته إلى كل كردي في كل مكان، رقصت على أغانيه، كانت حنية صوته وعذوبته تجعلني اشتاق إلى أمي وأبي، وإلى كل عائلتي في سورية.
في بيروت التقيت بجميلات كثر، ومازال يرقد في قلبي جمالهن، وطيبتهن، ورقتهن، نساء فينيقيات حسناوات، وما جمالهن إلا خلق الشعر والشعراء في بيروت، إنهن يمنحن الحب للحياة، ويقدمن العشق للعشاق، كورود في روضة من رياض الغرام، عبيرهن يصرع ذوات اللب، حتى ولو كانوا أساطير الرجال، إنهن نساء بيروت، لا تملك الحروف القدرة على الوصف ولا الكلمات على التعبير عنهن، بهن عشت مائة يوم في بيروت.