إلى روح صديقي صلاح برواري من أجل صداقة غير قابلة للنسيان (الحلقة الأولى)

  عبدالباقي حسيني

في البداية أستميح روح صلاح برواري (أبو آلان) الزكية عذراً، عن تأخيري في الكتابة عن رحيل أعز صديق وأخ فقدته في حياتي، الحقيقة كان هول الصدمة قوياً علي منذ اللحظات الأولى من سماعي خبر رحيله، ومن ثم رؤية صورته مع خبر نعيه على المواقع الكردية، حيث انتابني  شعور غريب من اليأس والاحباط والحزن، هل الذي سمعته وقرأته عن صديقي صلاح صحيح؟ . منذ يومين وأنا أشعر بقشعريرة في جسدي، من هذا الخبر المشؤوم. خابرت صديقي وأخي الشاعر إبراهيم اليوسف، مستفسراً عما حدث، فرد صديقنا المشترك إبراهيم علي وهو في مقر عمله في جريدة الخليج الإماراتية حيث يقيم هناك: لم أعرف صوتك ياأبا ماني، أقدر حجم المصيبة التي انتابتك، لأنك كنت أقربنا إلى أبي آلان. بعدها أكد لي إبراهيم الخبر، وكانت كلماته أيضاً مليئة بالحزن، فكانت مؤثرة ومؤلمة، كلانا كان مصدوماً من رحيل أبي آلان. 
الكتابة عن شخص من وزن الكاتب والصحفي صلاح برواري، تحتاج الى مجلدات، هذه هي الحقيقة، وليست مجاملة صديق بحق صديق راحل. صلاح برواري اسم على علم، رجل مثقف بكل معنى الكلمة، فهو الضليع في اللغة الأم (الكردية) وبكافة لهجاتها، كما أن معرفته للغة العربية من قبله لا تقل عن معرفته للغته الأم، لا بل أبدع فيها ومن خلالها أيضاً، وكان مجتهداً الى درجة عالية في التدقيق والتمحيص في مفردات هذه اللغة. أتذكر أن العديد من الكتاب والشعراء العرب كانوا يستعينون به في تصحيح وتدقيق كتبهم قبل طباعتها. والدليل على ذلك، الكم الهائل من القواميس العربية التي كان يملكها. بالإضافة الى أنه كان سياسياً ودبلوماسياً محنكاً، لا تقل حنكته عن حنكة معلمه الرئيس مام جلال طالباني. أما عن الصحافة فحدث ولا حرج،  فقدكان ملماً بكل تفصيلات الصحافة من ألفها الى يائها.
ترأس صلاح فتاح (الملقب ب صلاح برواري) تحرير جريدة الشعب (كه ل) في أوائل الثمانينات من القرن الماضي (1984-1991)، وكانت الجريدة خير مصدر لنا نحن كرد سوريا في التعرف على هموم وشجون اللغة الكردية، ومتابعة التاريخ والسياسة الكرديين بوساطتها، وذلك من خلال المقالات التي كان يكتبها باللغة العربية.
صلاح برواري، خلق ومات من أجل الصحافة، بشقيها الكردي والعربي. فهو لم يترك مجلة أو جريدة، إلا وساهم فيها بإبداعاته. فهو كان خير ناقد ومعلق على الأخطاء الفكرية واللغوية في عالم الصحافة الكردية في سوريا.
في عالم الترجمة ، أختار أجمل ماكتب باللغة الكردية وترجمها الى لغة الضاد، العربية. هناك شهادة كبيرة بحق الراحل في هذا المجال والذي صرح بها الشاعر الكبير شيركوه بيكس، عندما قال: صلاح برواري أفضل من ترجم أشعاري الى اللغة العربية.
ابا آلان كان عنده حب الاطلاع اللامتناهي في جميع المجالات الثقافية، وكذلك جمع المعلومات بشكل لايتصوره المرء، فكانت قصاصاته الورقية والتي تحتوي على معلومات قيمة في كل مكان من بيته، في مكتبته، في حقيبته. وكانت لديه أفكار جميلة ومفيدة للكرد. كان يفكر ولوحده ان يعمل على ترتيب اللبنات الأولى من صنع ” دائرة المعارف الكردية” الإنسكلوبيديا. فأرشيفه كنز حقيقي من الثقافة والعلم والمعلومات النادرة عن الكرد وتاريخ كردستان. في مكالمتي الأخيرة لابنه آلان، قلت له وبكل حرقة ” حافظ على أرشيف والدك يا آلان”.
الرجل الموسوعة رحل عنا، تاركا وراءه كماً هائلاً من المعرفة والثقافة التي لم ترالنور بعد،  في مكالمة بيني وبينه، منذ شهرين، حدثني بأنه يعمل كثيراً من أجل ان يطبع بعض نتاجاته المتراكمة منذ سنوات. لكن يد القدر كانت سريعة في اختطاف هذا المبدع من بيننا، وهو يستعد في نشر زبدة أفكاره وعلمه التي جمعها في السنوات الخمسين من عمره.

سأكتفي بهذا القدر من التعريف بالراحل برواري، صاحب القامة الشامخة التي لا يمكن ان تعوض ببديل  بين الكرد في المستقبل، وأوعد القراء الكرام أن أكتب كل ما أعرفه عن صديقي وأخي المبدع أبي آلان، لعلي أفي بجزء من حقه مقابل خدماته الجمة في مجال الأدب والثقافة الكرديين.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

هيفي الملا

 

تكون الحياة أجمل عندما لاننتظر ولانتوقع شيء من أحد، لأننا باختصار نتوق لمواقف وردود أفعال تتوافق وتصوراتنا الذهنية وتنسجم مع حالتنا الشعورية واللاشعورية، وفي هذا المسار يتم تناسي المنطق وتنويم العقل والتركيز على العاطفة التي تنساق لما تريد تلقيه ، راسمة سيناريوهات ذهنية ساذجة لا تتلاءم ربما مع مشاعر ومنطق الطرف الآخر وتوقعاته بل…

آناهيتا م شيخاني

 

أنظر حولي بتمعن…. أرى كل شيء بوضوح ، لقد زالت الغشاوة من عيناي ، أسمع صوت والدي ينادي الجميع أسماً تلو الآخر باستثناء أسمي ، نعم لا يذكر أسمي الذي اعتدت أن أسمع منه كل لحظة…؟. لماذا..؟.

أدنو منه وأربت على كتفه : أبي…أبي.. ما خطبك..؟.

– لا يبالي ، لا يرد وكأنه لا يشعر…

الدكتور كايد الركيبات

حين آخر المدن ملامح من السيرة، عنوان يذهب بالقارئ بعيداً في التأمل لمكنون المؤلفة، فهل قدمت رواية مطعمة بأحداث من السيرة الذاتية؟ أم أنها قدمت سيرة ذاتية بقالب روائي؟ ليجد أن الكاتبة ماهرة في اختطاف القارئ من زمانه ومكانه ومشاعره، والقذف به في مواجهة عوالم إنسانية قاسية مصورة بلغة أدبية سلسة، ضربت بإيقاع…

إبراهيم محمود

 

 

لا شيء يمنعني يا آذار

أن أعضك عضة الذئب النافذة في حنجرتك

وأشدك بكل وجعي الكردي العتيد

في مساحات واسعة من العمر المصدوم بك

أن أركلك بكامل يأسي من رصيد أيامك السافرة

وأدفع بك مرايا تردد نزيف تاريخي المستدام

أن أجرك من شعري على خلفية صريحة من صفاقة المحيط بك

أن أصرخ في وجهك المعرّى من كل عشي مأمول:

ماالذي استهواك في…