صلاح برواري طيف في فضاء الكلمات (الحلقة الثانية)

عبدالباقي حسيني

البدايات..
في الثمانينيات من القرن الماضي كنت طالبأ جامعيأ في جامعة دمشق، وقتها كانت الأفكار الثورية والحركة القومية الكردية على أشدها، ومن خلال عملي السياسي في أحدالأحزاب الكردية السورية التقيت شخصيات سياسية كثيرة، وكان أحدهم الراحل الأستاذ سامي عبدالرحمن – رئيس حزب الشعب الكردستاني – والذي كان ينتمي إليه الراحل الأديب صلاح برواري ويترأس جريدته الشعب (كه ل).

من خلال الأستاذ سامي عبدالرحمن، وصديق آخر يدعى دلبرين شنكالي (خطاط وفنان جريدة كه ل) تعرفت على المرحوم صلاح فتاح الملقب ب صلاح برواري.
اللقاء الأول كان حميمياً جداً،  تم وكأننا نعرف بعضنا البعض منذ سنوات. كان المرحوم شاباً أنيقاً، واثقاً من نفسه، متكلماً، مثقفاً، يتحدث في كافة المجالات ويعطيها حقها. وقتها أبديت إعجابي بمقالاته في جريدة الشعب (كه ل)، وقلت له: إان هناك أقلاماً قوية ورائعة في الجريدة.
 بعد فترة وجيزة من صداقتنا، صرح لي برواري قائلاً: ” إنني أكتب في الجريدة بأكثر من اسم”. أتذكر أنه قال كل مقالات صلاح فتاح و آلان هي له، وهناك أسماء أخرى لم تسعفني الذاكرة على استحضارها هنا، علماً ً أنني أحتفظ بجميع أعداد الجريدة في مكتبتي،  وهي في مكان ما في القامشلي، وها أنا هنا بعيد عنها، وكان بودي أن أستعرض أهم المواد التي كتبت بيد الأديب الراحل صلاح برواري، لكن….
تطورت صداقتنا يوما ًبعد يوم، وفي كل مرة كنت أكتشف في صلاح شيئاً جديداً. حقاً كان مصدراً هاما في الوسط الثقافي. تعلمت منه الكثير في مجال الصحافة، ومن خلاله تعرفت على أغلب العاملين في الحيز الثقافي والأدبي، كرديا وعربيا. وعرفني الراحل الكبير على هيئة تحرير مجلة ” الثقافة الجديدة” للحزب الشيوعي العراقي، وعلى أعضاء هيئة مجلة ” ريكاي آزاي” ونشرت لي عدة مقالات في مجلاتهم.
في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، قررت أنا والأخ سلمان عبدو ( كوني رش) أن نصدر مجلة ثقافية فلكلورية باسم كورزك كول (باقة ورد) باللغة الكردية والأحرف اللاتينية، وقد صدرالعدد الأول منها في آذار 1989. بعد صدور عدة أعداد منها، طلب مني الراحل برواري ان يبدي آراءه حول المجلة، ويزودنا ببعض الملاحظات الثقافية والفنية. بعدها كانت المفاجأة الجميلة، بأنه نشر خبر اً في جريدته ( كه ل ) عن مجلة “كورزك كول” وعرفها بشكل جميل للقراء.
في أحد لقاءاتي معه، أهداني الراحل ديوان شعر للشاعر الكردي عبدالرحمن مزوري والمعنونة ب ” من عشق المصابيح القديمة” والمكتوب باللهجة الباهدينية والحروف العربية. وطلب مني أن أبدل حروفه إلى اللاتينية، وأنشر كل مرة قصيدة منه في كورزك كول. وبالفعل عملت برأيه، لأن قصائد المزوري كانت في غاية الشفافية، ومكتوبة بلغة جميلة ومفرادات ذات قيمة أدبية عالية.
في العدد العاشر من “كورزك كول ” والصادرة في أيلول 1990، عرضت كتاب صلاح برواري الأول، انتفاضة آكري (1926-1930)، مذكرات الجنرال إحسان نوري باشا. وقد ترجمها أديبنا الراحل من الكردية الى العربية.
في العدد المزدوج (11-12) والذي قمت بإصداره لوحدي دون (كوني رش)، لأسباب سآتي على ذكرها في مناسبة ثانية، ساهم أبو آلان (صلاح برواري) بمادتين في هذا العدد: الأولى كانت فلكلورية تتحدث عن قلعة دم دم ، والثانية أقوال كردية مأثورة، وكلتاهما موقع باسم (بافي آلان).  
في تلك الفترة كنت قد أنهيت دراستي في جامعة دمشق ،وانتقلت الى القامشلي مسقط رأسي، لأقيم فيها دائماً. كانت زياراتي إلى دمشق شهرية تقريباً بحكم العمل أولاً والاهتمام الكبير بالثقافة والكتب ثانياً. في كل زيارة لي إلى دمشق كنت ألتقي المرحوم برواري، وكنا سعيدين برؤية بعضنا بعضاً، و كنا نقضي ساعات وليالي طويلة معا، ونحن مشغولوين بهموم الثقافة والأدب.
هنا وللتاريخ أسجل ان الراحل صلاح برواري كان له الفضل الأول والكبير في طبع مجموعة كبيرة من الكتب الكردية باللغتين الكردية والعربية في سوريا، كأول كردي اعتنى بهذا المجال ،ومن بعد ذلك فتح لجميع المهتمين بالشآن الثقافي والأدبي، المجال لكي يطبعوا مجلاتهم وكتبهم بشكل أنيق في مطابع دمشق، وكان يتحمل كل المسؤولية في إنجازها. ومطبعة الجاحظ خير شاهد على ما أقول” والتي لم تعد تطبع الكتب الآن”  لذلك فأنا أصرح باسمها هنا..
بعد مجلة (كورزك كول) والتي كنت أنظمها وأطبعها في القامشلي، عرض علي برواري ان أستفيد من وجوده في دمشق ومعرفته بالمطابع الدمشقية، لكي أحصل على مجلة أكثر أناقة ومحتوى واضح ومفهوم للقراء. ( للتذكير فقط، كانت معظم الجرائد والمجلات الصادرة عن الأحزاب الكردية في سوريا ذات طباعة رديئة).
في عام 1991 قررت أنا والمرحوم الشاعر فرهاد محمد ( فرهاد جلبي) أن نعمل على إصدار مجلة أدبية – ثقافية باسم زانين ( المعرفة) ونستفيد من عرض صلاح برواري في الطباعة.
وقتذاك كان دعم المرحوم أبي آلان (صلاح برواري) لمجلة زانين غير محدود، كان يساعدنا في عملية اختيار المواد وترتيبها، وكذلك عملية إخراج المجلة، بالإضافة الى مساهمته فيها كتابياً.

في الحلقة القادمة سأتناول جميع مساهمات أديبنا الراحل برواري في مجلة زانين.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبدالعزيز قاسم

(كان من المقرر ان اقدم هذه المداخلة عن “اللغة الشعرية في القصيدة الكردية المعاصرة ـ ڕۆژاڤا” في مهرجان فولفسبورغ للشعر الكردي اليوم السبت ٢٥ اكتوبر، ولكن بسبب انشغالي بواجب اجتماعي قدمت بطاقة اعتذار إلى لجنة إعداد المهرجان).

وهذه هي نص المداخلة:

من خلال قراءتي لنتاجات العديد من الشعراء الكرد (الكرمانجية) المعاصرين من مناطق مختلفة “بادينان،…

إبراهيم محمود

 

تلويح خطي

كيف لرجل عاش بين عامي” 1916-2006 ” وفي مجتمع مضطرب في أوضاعه السياسية والاجتماعية، أن يكون شاهداً، أو في موقع الشاهد على أحداثه، ولو في حقبة منه، إنما بعد مضي عقود زمنية ثلاثة عليه، دون تجاهل المخاطر التي تتهدده وتتوعده؟ وتحديداً إذا كان في موقع اجتماعي مرصود بأكثر من معنى طبعً، كونه سياسياً…

د. محمود عباس

حين يمرض الضوء، تبقى الذاكرة سنده.

قبل فترةٍ ليست بعيدة، استوقفني غياب الأخت الكاتبة نسرين تيلو عن المشهد الثقافي، وانقطاع حضورها عن صفحات التواصل الاجتماعي، تلك التي كانت تملؤها بنصوصها القصصية المشرقة، وبأسلوبها المرهف الذي حمل إلينا عبر العقود نبض المجتمع الكوردي بخصوصيته، والمجتمع السوري بعموميته. كانت قصصها مرآةً للناس العاديين، تنبض بالصدق والعاطفة،…

خالد حسو

 

ثمة روايات تُكتب لتُروى.

وثمة روايات تُكتب لتُفجّر العالم من الداخل.

ورواية «الأوسلاندر» لخالد إبراهيم ليست رواية، بل صرخة وجودٍ في منفى يتنكّر لسكّانه، وثيقة ألمٍ لجيلٍ طُرد من المعنى، وتشريحٌ لجسد الغربة حين يتحول إلى قَدَرٍ لا شفاء منه.

كلّ جملةٍ في هذا العمل تخرج من لحمٍ يحترق، ومن وعيٍ لم يعد يحتمل الصمت.

فهو لا…