القارىء ناقداً

إبراهيم اليوسف
 
 صحيح أن هناك “بعض” الكتاب الذين لا يتوانون عن القول بأنهم يكتبون من أجل ذواتهم، فحسب،  معبرين عن  مثل هذا الرأي، بطرق شتى، إلا أن هؤلاء الكتاب أنفسهم، طالما يعنون بإنتاجهم، ويسعون من أجل طباعة أكبر عدد ممكن من  نسخ كتبهم، وليس مجرد نسخة واحدة لكل منهم، بل ولا أحد من بينهم إلا ويغبط  في قرارته،عندما يجد أن ما كتبه لاقى استحساناً كبيراً بين قرائه.

إن أي مبدع يهمه أن يستحوذ نتاجه المطبوع اهتمام متلقيه، من خلال الإقبال عليه، وقراءته، وحتى ممارسة النقد بحقه، شريطة أن يكون هذا النقد منصفاً، يظهرما في هذا الأثرالأدبي، من نقاط مضيئة إلى جانب أية مآخذ حقيقية تسجل عليه، وإن كان أي مبدع أميل في داخله إلى أن يكون إنتاجه  مكتملاً من الناحية الإبداعية، في أكمل صورة، وأن يقلص أو يعدم أية هنة تتعرض له، حتى ولو كانت مجرد خطأ طباعي،  خارج عن يديه، ولا علاقة له به.
وفي الحقيقة ثمة انقطاع من نوع  آخر، بين الكاتب ومؤلفه-بفتح اللام- إنه انقطاع سلطته على الكتاب، لأن الإنتاج الذي يصبح بين يدي قارئه، يقطع” حبل سرته” مع روح مبدعه- أياً كان- ولهذا فإن المبدع الأصيل هو الذي يسعى لأن  يقدم مادة إبداعية مائزة إلى متلقيه،  يخلصها مما قد تتعرض له من عيوب، وهو قادر على مثل هذا أو ذاك، مادام هذا العمل  تحت هيمنته، قابلاً للإضافة والحذف والتعديل، والظهور بأحسن ما يمكن، شكلاً ومضموناً، ولم يصبح بين يدي قارئه، العنوان الأخير الذي يذهب إليه أي  كتاب مطبوع.
و القارىء- وإن كنا هنا أمام أعداد لا حصر لها من الأذواق- هو الناقد الأول لأي نص إبداعي، وإن سلطته جد كبيرة، فهو أول من يتطلع المبدع إليه، ويروم نيل رضاه،  ومد الجسور إليه، أينما كان.  أجل، نكاد لا نجد كاتباً البتة، إلا وهو يغبط في داخله أمام إطراء قارئه على مؤلفه، بل وما أكثر هؤلاء الكتاب الذين يستشهدون بآراء ومواقف قرائهم من إبداعاتهم، وهناك من يحتكم إليها، ويدونها، معتداً بها، على إنها شهادة كبيرة تفوق شهادة الناقد نفسه بحق إبداعه، ولكم من مبدع يؤكد علناً أن رأي قارئه لأ هم لديه من رأي أي ناقد أدبي.
وإذا كان مهماً بالنسبة لأي إبداع أن يحقق استحسان القارىء والناقد في آن واحد، وإن لا يزال رأي القارىء غير معلن، إذا ما قيس برأي-الناقد- الذي تتوافر له سبل الإعلان عن رأيه، إلا أنه يبقى صاحب القول الفصل في أهمية أي كتاب، لأنه لا يمكن لكل كتب النقد في العالم أن تجعل أي عمل إبداعي ضمن دائرة الضوء والاهتمام، مادام أنه من دون قارىء.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

 

نارين عمر

 

” التّاريخ يعيد نفسه” مقولة لم تُطلق من عبث أو من فراغ، إنّما هي ملخّص ما يحمله البشر من مفاهيم وأفكار عبر الأزمان والعهود، ويطبّقونها بأساليب وطرق متباينة وإن كانت كلّها تلتقي في نقطة ارتكاز واحدة، فها نحن نعيش القرن الحالي الذي يفتخر البشر فيه بوصولهم إلى القمر ومحاولة معانقة نجوم وكواكب أخرى…

محمد إدريس*

 

في زمنٍ كانت فيه البنادق نادرة، والحناجر مشروخة بالغربة، وُلد غسان كنفاني ليمنح القضية الفلسطينية صوتًا لا يخبو، وقلمًا لا يُكسر. لم يكن مجرد كاتبٍ بارع، بل كان حاملَ راية، ومهندسَ وعي، ومفجّر أسئلةٍ ما زالت تتردد حتى اليوم:

“لماذا لم يدقّوا جدران الخزان؟”

المنفى الأول: من عكا إلى بيروت

وُلد غسان كنفاني في مدينة عكا عام…

د. سرمد فوزي التايه

 

عندما تُبصر عنوان “فقراء الحُبّ” للكاتبة المقدسية رائدة سرندح، والصادرة عن دار فهرنهايت للنشر والتوزيع عام 2023، تُدرك أنَّ هناك أُناساً فقراء يفتقرون إلى الحد الأدنى من مُتطلبات الحُبّ كوسيلة من وسائل العيش الرغيد على وجه البسيطة، فتراهم يقتاتون ذلك الفتات على أملٍ منشود بأن يغنوا يوماً ما من ذلك المعين حتى…

نجاح هيفو

 

عندما نتحدث عن الذكورية، فإن أول ما يتبادر إلى الأذهان هو السلوكيات الفردية التي يمارسها بعض الرجال تجاه النساء: تحكم، تمييز، عنف، وتهميش. لكن الأخطر من كل ذلك هو ما يسمى بـ ذكورية المؤسسات، وهي الذكورية المتجذرة في أنظمة وهيكليات المجتمع، بدءًا من القانون والتعليم وصولاً إلى الأحزاب السياسية والسلطات الحاكمة.

ذكورية الرجال قد تتغير…