آرام ديكران.. البلبل الذي غرًد للسلام في الشرق

صالح دمي جربيروت

 إستطاع الفنان الارمني آرام ديكران بأغانيه الهادئة الهادفة  أن يتخطى وهم الحواجز الطائفية بين الانسان واخيه الانسان  وان ينال اعجاب الملايين من متتبعي وعشاق الفنّ الكردي والأرمني على السواء، حيث  تركتْ ألحانه المشغولة بالفرح والحزن اثراً بالغاً في نفوس محبيه و معجبيه .

غنّى آرام لشعراء كثيرين من الكرد والأرمن، غنى لغربة أبعدت والده عن مسقط رأسه ، ولجبالٍ و حقٍ وحياةٍ وحبّ , إحتضنوه ليبقى اسمه الفارق الوحيد بين نسبه الأرمني والتزامه الكردي.
 كانت اغانيه تعبيراً صادقا عن معاناته مع الظلم و العذاب, مع الهجرة والاغتراب ، حيث تنقَّل هائما في بلاد الله الواسعة، ناشداً صفاء الحياة، هاربا من  ويلاتها ، لتجعل منه كتلة من الروح والموسيقى ووعاءاً لهموم ٍ واحلام ٍ  مشتركةٍ بين الكرد والأرمن ، حيث استطاع بتحلقه في فضاءات الموسيقى  أن يجعل منها جسر تواصلٍ بين الشعبين قبل الكلمة و الحوار.

حياته
  
ولد آرام مليكايان ديكران عام 1934 في مدينة القامشلي السورية
في التاسع عشر من عمره وبناء على طلب من والده تعلم العزف على آلة العود وبعد سنة ترك العود لكبر حجمه وتعلق بآلة الجمبش التي رافقته طيلة مشواره الفني الحافل .
نظراً لضيق احواله المادية وسوء ظروفه المعيشية حرم من الدراسة الاكاديمية ولم يستطع الإلتحاق بمدرسة موسيقية ولكنه استطاع التغلب على هذه الظروف بجهوده الخاصة وقدراته الإبداعية  وقام بإحياء العديد من الحفلات باللغة الكردية والعربية والارمنية
أسس في مدينة القامشلي أول فرقة موسيقية أرمنية كردية
 تزوج سنة 1957 من فتاة أرمنية ورزق منها بثلاثة اولاد
بناءاً على طلب من حكومة أرمينيا هاجر إليها سنة 1966 م  وعمل في راديو يريفان من سنة 1966 الى سنة 1985
هاجر في سنة 1990 كلاجئ الى اوروبا
 مساء يوم 6-8-2009 توقف قلب الفنان آرام ديكران عن الخفقان في احدى مشافي العاصمة اليونانية اثينا التي كان يقيم فيها،  وذلك إثر جلطة دماغية ، حيث أعلن عن موته سريرياً ليدفن في إحدى مقابرها .

عن علاقة الكرد بمذابح الأرمن
قامت السلطات العثمانية سنة 1915م بتنفيذ عمليات ابادة جماعية بحق الشعب الارمني متذرعين بان الارمن تحالفوا مع الروس لاقامة دولتهم المستقلة  وقد كانت  ضحية هذه الإبادة أعداد كبيرة من الأرمن و بعضاً من الطوائف المسيحية الأخرى  كالآشوريين و السريان و الكلدان و غيرهم
 وبهدف إضعاف نفوذ الاكراد والإستحواذ على مصيرهم وبلادهم  جندت السلطات بعض المقربين منها للمشاركة في تنفيذهذه المذابح ,مستغلين بذلك مشاعرهم الدينية المتطرفة وجهلهم ليحاولوا ضرب الإسلام بالمسيحية، وكذلك الكردي بالأرمني والاشوري.  
شملت عمليات الذبح والقتل تلك, العوائل الأرمنية في قرية بياندا التابعة لمنطقة ساسون في ولاية باتمان الكردستانية حيث قضى السكان نحبهم ولم ينج من هذه المجازر سوى بضعة اشخاص كان والد آرام ديكران من ضمنهم.
حول علاقة الكرد بهذه المذابح يقول ديكران:(*)
“لم يكن للكرد اي ذنب في عمليات الإبادة الجماعية و مجازر الأرمن, بل إنهم مثلما ذبحوا الأرمن, قد خدعوا الاكراد ايضاً “.
ويقول ايضا:(**)
” لقد نجا والدي من مذابح الأرمن سنة 1915 بفضل اقطاعي كردي, اخذه ورباه الى ان بلغ العشرين من العمر حيث ارسله الى سورية, وقد تعرض هذا الاقطاعي لمضايقات وتحقيقات كونه آوى طفلا ارمنيا في منزله و حماه و كان والدي يقول لي دائما: يابني أرجوا ان لا تنسى ابداً جميل الاكراد معنا فلولا حمايتهم لنا لما رأت عيونكم النور,نحن ندين لهم بحياتنا, لذا اتمنى ان تعبر بأغانيك وموسيقاك عن وفائك وإمتنانك لهذا الشعب الذي عانى الامرين كما عانينا   “.

 
فنه 
غنى آرام ديكران بالعديد من  اللغات واللهجات  مثل الكرمانجية ـ الأرمنية ـ العربية ـ اليونانية ـ الروسية ـ الأشورية ـ السريانية والزازاكية متخطياً الحدود السياسية والجغرافية والدينية بين هذه الامم ليصبح  بصوته وأدائه حمامة سلامٍ ٍ تغرد للتعايش السلمي بين أمم الشرق وتدعوا الى المحبّة و السّلام والتّآخي بين بني البشر .
(شف جوو) هي أول أغنية له ,وقد غناها سنة 1965 من اشعار الشاعر الكردي المعروف جكرخوين تبعتها العشرات من الاغاني مثل :آي دل آي دل دلولو – أي ولاتو ام حليان – برجم برجم د جوما – آي دلبري- زماني كردي و العديد من الاعمال الفنية الرائعة.
 عن الفن يقول ديكران: (***)

“عندما نتحدث عن الفن يتبادر الى ذهننا معنيين للفن. المعنى التربوي والمعنى الغنائي والطربي, الفن تجذر في داخلي بمعنييه  في هذه السنين الاخيرة, اعاد لي الروح وحال دون شيخوختي, لقد جعلني الفن  ارى نفسي دائما بين الشعب”.
بقي ارام ديكران مع بقية المبدعين الكرد من امثال  محمد عارف جزراوي , كرابيتي خاجو ,مريم خان , كاويس اغا والعديد من الفنانين الكرد الذين رحلوا بأجسادهم، خالدين في وجداننا بموسيقاهم وألحانهم الرقيقة  العذبة .

* موقع آفيستا الإلكتروني-08-آب-2009 .
** موسوعة الويكيبيديا.

*** نفس المصدر.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

شيرين خليل خطيب

في أيِّ مجال إبداعي، أو أي حرفة تعتمد على الحس والموهبة، يظهر أشخاص يظنون أن بإمكانهم اقتحام هذا العالم لمجرد أنه يعجبهم أو أنهم يحلمون بالانتماء إليه. لكن الحقيقة المُرَّة التي مهما حاولنا تجميلها، هي أن بعض الطرق لا تُفتح لكل عابر، وأن بعض الفنون تحتاج إلى موهبة أصلية أو حد…

خالد بهلوي

اختُتمت الدورة الإلكترونية لتعليم كتابة سيناريو السينما الكردية، التي أُنجِزت بإشراف الدكتور جاسمي وزير سَرهَدي، البروفيسور في المسرح والسيناريو (الدراما الهوليوودية)، والمدرّس السابق في جامعة صلاح الدين في هولير، والحاصل على عدة جوائز دولية في كتابة السيناريو السينمائي.

قدّم الدكتور الدورة على مدى عشرة أسابيع، تناول فيها موضوع الدراماتورج وبنية القصة الدرامية، إضافة إلى محاور…

ا. د. قاسم المندلاوي

في هذه الحلقة نقدم للقارئ الكريم نبذة مختصرة عن فنانين آخرين، احدهم من غرب كوردستان، الفنان الشهيد يوسف جلبي، الذي تعرض الى ابشع اساليب الاضطهاد والتعذيب من قبل السلطات السورية الظالمة، وخاصة بعد سيطرة نظام البعث سدة الحكم عام 1966. فقد تعرض الكثير من المطربين والملحنين والشعراء الكورد في سوريا…

يسر موقع ولاتى مه أن يقدم إلى قرائه الأعزاء هذا العمل التوثيقي القيم بعنوان (رجال لم ينصفهم التاريخ)، الذي ساهم الكاتب : إسماعيل عمر لعلي (سمكو) وكتاب آخرين في تأليفه.

وسيقوم موقع ولاتى مه بالتنسيق مع الكاتب إسماعيل عمر لعلي (سمكو). بنشر الحلقات التي ساهم الكاتب (سمكو) بكتابتها من هذا العمل، تقديرا لجهوده في توثيق مسيرة مناضلين كورد أفذاذ لم ينالوا ما يستحقونه من إنصاف وتقدير…