قصص قصيرة جدا

  جمال الدين الخضيري

الحسناء والحصان

بملابس البيكيني تجري على شاطئ البحر. يلوح من بعيد حصان يلاحقها. يدركها، ويحاذيها. يعدوان بشكل متوازن ورزين. متدثرة به ودون أن تتوقف عن جريها أزاحت ما تلبسه وطوّحت به، فقط تبرز منها ساقان بلوريتان تتشابكان مع القوائم الأربع.
– آه.. ثمة احتمال أن تنجلي إذا زاد الحصان من سرعته، أو تقهقرت هي عنه.
ثارت ثورة المخرج وهو يدمدم ويحتدم في وجه المصور:

– من زاوية أخرى، ركّزْ على الفتاة وليس على الحصان يا حصان.
ساحة الحمام

منذ مدة والساحة خالية من الحمام.
انقطع عنها مرتادوها، لم يعد الأطفال ينطّون وراء الحمام، هاجرها المصور، وبائع الحلوى، وماسح الأحذية،…
– لا قوت في الساحة، قال الذين انقطعت أرزاقهم، ولعنوا الحمام الذي قاد لواء الهجرة.
جاء صوت الزبّال مبتلا بنحيب مكنسته مشيرا إلى طيف هناك عند الطوار كأنه الغمام:
– أُغتيل الحمام، غبّ كل إطلالة شمس،عند عتبة المطعم ذاك أجمعُ أكوام ريش وبقايا حمام.

سحر أسود

– رجل أسود أدرد يشرب قهوة سوداء في ليلة حالكة.
هذا ما قاله لي وأنا أسأله عن لوحة تشكيلية لا أرى فيها إلا السواد. ولا أخفيكم أني لم أر سحرا أسود مثل هذا الذي يشع من اللوحة السوداء.

بُعاد

رأيتهم تتقلص أجسادهم وتقصر كلما نأوا عن أنظاري وذابوا  في البعاد والمحاق، ولا يعودون إلى أحجامهم الطبيعية إلا بالرجوع إلى نقطة انطلاقهم. أقول لهم مرارا:
– تذكرتكم وأنتم صغار.
يقولون لي كلاما مشابها:
– كم كنت صغيرا وأنت بعيد عنا!
فلست أدري إن كانت العلة في أجسادنا أو أنظارنا.

خلوة

حمل إلي الهمس أنها تختلي به في مكتبها عند الانتهاء من العمل.
لما تحرّيتُ الأمر انشرح صدري للحقيقة الساطعة التي توصلت إليها فانبريتُ أواجههم:
– أملياء بالخرافة أنتم، وأفّاكون، لم تختل به قط، بل هو الذي يختلي بها، فشتان ما بين الفاعل والمفعول به.

هاتف

ثار ملعلعا. تخلص من عقال سروال الجينز الآثم، ومن القميص اللاصق الكاشف، ومن كل الأثاث، ومن الأسلاك المنغمسة في الحيطان. تفضفض، تمضمض،…
ولما طال به المطال واشتاق إلى لجلجة العباد، تبدى له الهدهد بقنزعته يطل من ثنايا الإطمار. صاح جذلا:
– يا له من هاتف نقال بالمجان!

توارد خواطر

زجاجة فارغة إلا ثلثها، سرير أشعث، أثاث مبعثر متآمر مع خطيئة ما.
خمّن وهو يتأمل اللوحة:
تحتاج إلى لمسة متممة:
أ‌-       كارعان للزجاجة، متسببان في الشّعث.
ب- عاصفة ثلجية ما.
ج-  …
طفق يرسم بعينيه ما فاض به خياله. أحس بالرسّامة جانبه تتأمل ريشته اللامرأية، قالت مبتسمة وهي ترمق لوحتها:
– دعها هكذا ففيها متسع للجميع.
صاح غير مصدق:

– يا لها من توارد خواطر!

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبدالرزاق محمود عبدالرحمن

كان في صدري شرفة تطل على سماوات بعيدة،
أعلق عليها أمنياتي كفوانيس صغيرة،
حتى وإن كانت الحياة ضيقة، كنت أزيّنها بخيوط من الأمل،
أجمع فتات الفرح، وأصنع منه أحلامًا تكفيني لأبتسم.
كنت أعيش على فكرة التغيير، أتنفسها كل صباح،
وأخطط، وأتخيل، وأصدق أن الغد قد يجيء أجمل.

أما الآن…
فالنوافذ مغلقة، والستائر مثقلة بغبار الخيبات،
وألواني باهتة، وفرشاتي صارت ثقيلة بين…

عِصْمَتْ شَاهِينْ اَلدُّوسَكِي

وَدَعَتُ فِي نَفْسِي ضِيقَ الْحَيَاة

وَأَلَمَّ الْأحْزْانِ والْجِرَاحَات

أَذْرُفُ الدُّمُوعَ بِصَمْتٍ

كَأَنِّي أَعْرِفُ وَجَعَ الْعَبَرَات

أُصِيغُ مِنْ الْغُرْبَةِ وَحْدَتِي

بَيْنَ الْجُدْرَانِ أَرْسُمُ الْغُرْبَات

 

**********

يَا حِرمَاني الْمُكَوَّرِ فِي ظَلَامي

يَا حُلُمي التَّائِهِ فِي الْحَيَاة

كَمْ أشْتَاقُ إلَيْكَ وَالشَّوْقُ يُعَذِّبُنِي

آَهٍ مِنْ شَوْقٍ فِيه عَذَابَات

لَا تَلَّومْ عَاشِقَاً أَمْضَى بَيْن سَرَابٍ

وَتَرَكَ وَرَاءَهُ أَجْمَلَ الذِّكْرَيَات

**********

أَنَا الْمَلِكُ بِلَا تَاجٍ

أَنَا الرَّاهِبُ بِلَا بَلَاطٍ

أَنَا الْأَرْضُ بِلَا سَمَوَات

وَجَعِي مَدُّ الْبَحْرِ…

ميران أحمد

أصدرت دار ماشكي للطباعة والنشر والتوزيع مؤخراً المجموعة الشعرية الأولى، للشاعر الإيزيدي سرمد سليم، التي حملت عنوان: «ملاحظات من الصفحة 28»، وجاءت في 88 صفحة من القطع المتوسط.

تأتي هذه المجموعة بوصفها التجربة الأولى للشاعر، لتفتح باباً على صوت جديد من شنكال، يكتب من هوامش الألم والذاكرة الممزقة، بلغة جريئة تشبه اعترافاً مفتوحاً على الحياة…

حاوره: إدريس سالم

تنهض جميع نصوصي الروائية دون استثناء على أرضية واقعية، أعيشها حقيقة كسيرة حياة، إلا إن أسلوب الواقعية السحرية والكوابيس والهلوسات وأحلام اليقظة، هو ما ينقلها من واقعيتها ووثائقيتها المباشرة، إلى نصوص عبثية هلامية، تبدو كأنها منفصلة عن أصولها. لم أكتب في أيّ مرّة أبداً نصّاً متخيّلاً؛ فما يمدّني به الواقع هو أكبر من…