القامشلي أو مدينة الحب كما سماها و تغنى بها الفنان الراحل محمد شيخو ، هذه المدينة الجميلة التي بنيت في عام 1926 مع بناء الثكنة الفرنسية و التي تقع على الربوة الواقعة جنوب مدينة نصيبين التركية بحوالي 2 كيلو متر ، حيث كان موقعها في السابق مقبرة لنبلاء اليونان والرومان .
هذا الكتاب يحتوي على ثلاثة فصول ، يتناول فيه الكاتب كوني ره ش مدينة القامشلي من عدة جوانب ، ففي الفصل الأول يبين لنا الكاتب أهمية جغرافية الجزيرة و يقسمها إلى ثلاثة أقسام ، (الجزيرة العليا ، الجزيرة الوسطى ، الجزيرة السفلى) ، قائلاً : الجزيرة الوسطى التي هي موضوع بحثي أي الجزيرة السورية حيث تقع فيها مدينة القامشلي ، فهي على خلاف البادية ، ذات سهول مترامية الأطراف ومستوية ، ذات تربة صالحة و أعشاب و مراع نامية مع امطار غزيرة ، وهي تقع في أقصى الشمال الشرقي من سوريا .
و يتابع في الفصل الأول من الكتاب تسليط الضوء على الأهمية التاريخية لمنطقة الجزيرة ومدينة القامشلي منذ الفتح الإسلامي “ كما يبدو أن أول اتصال للشعب الكردي في الجزيرة و نصيبين بالجيوش الإسلامية كان في عام 637 -639 م أي بعد فتح حلوات و تكريت “ ، و يبحث الكاتب عن أهمية الجزيرة في كتب البلدانيين و الرحالة المسلمين في العصور الوسطى “ تؤكد المصادر التاريخية أن أول استقرار بشري في الجزيرة يعود إلى الألف الثامن قبل الميلاد ، وأول حضارة ظهرت فيها ، تعود إلى الألفية قبل الميلاد ، وهي حضارة ( تل حلف : واشوكاني ) في رأس العين و أصبحت هذه الحضارة مصطلحاً علمياً يستعمل في عمليات التدوين لدى الأركولوجيين ، أي علماء التاريخ و الآثار “و فيما بعد يبين لنا الكاتب عن أهم العشائر في مدينة القامشلي و الجزيرة تحت عنوان “ نبذة تاريخية عن عشائر الجزيرة أوائل القرن الماضي “ و من العشائر الكردية التي كانت تقطن الجزيرة أنذاك و مازالت “ هي عشيرة الكوجر أو كوجري ميران ، هسنان ، أليان ، أباسان ، شيتية ، هفيركان ، الميرسينان ، بوبلانان ، ملان خضران ، دقوريان ، ملان “ ،و في نهاية الفصل الأول عند موضوع الإستقرار في الجزيرة بعد الحرب العالمية الأولى و نشوء مدنها “ مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ، بدأ العمران يزدهر في الجزيرة مرة أخرى ، و بشكل خاص بعد الحرب العالمية الأولى (1914- 1918) وبعد أن تم ترسيم الحدود السورية – التركية و إستتباب الأمن و الإستقرار ، حيث انشئ في الجزيرة السورية داخل الحدود الشامية جنوب سكة حديد حلب – نصيبين القديمة ، عدة مدن منها : قامشلي ، عامودا ، الدرباسية ، ديريك ، سري كانييه، تل تمر ، تل براك ، تل كوجر ، تربة سبيه ، جل أغا ، مركدة ، الحسكة .
و في الفصل الثاني من الكتاب يتطرق الكاتب إلى أهمية الجزيرة من وجهة نظر تاريخية ، و ذلك عند إحتلال الجزيرة و معركة بياندور ، ومن ثم التطورات الإدارية الأولى في الجزيرة ، و يركز في هذا الفصل على موقع مدينة القامشلي و القرى المحيطة بها من شهادات المعمرين و بناء قامشلي الأولي و الإستيطان السكاني ، وبالتالي تخطيط المدينة و توسعها قائلا: إلى الجنوب من مدينة نصيبين القديمة ، وعلى ضفاف نهر جقجق بروافده الكثيرة ، القادم من الشمال عبر نصيبين نحو البرية الجنوبية ، والمتدة إلى ما بين جبل عبد العزيز من الغرب و جبل سنجار (شنكال) من الشرق ، قامت حضارات موغلة في القدم و التي تبدو لنا اليوم على شكل تلول أثرية ،و كانت مدينة قامشلي المحدثة قد أصبحت وارثة لتلك الحضارات .
و حينما نتقلب صفحات الفصل الثالث من كتاب القامشلي للكاتب كوني ره ش ، نجد فيه أن الكاتب قدم لنا مدينة القامشلي بصورة رائعة جداً ، و ذلك من الناحية الإجتماعية و كيفية بناء البيوت فيها مؤكداً على دور هذه المدينة في كيفية إدراة أمورها الذاتية عبر طرق إبداعية جميلة ، تحت عناوين “ البيوت القامشلية و تطورها ، الآبار المنزلية ، الخبز البيتي و التنور ، المطاحن المائية في قامشلي ، الإنارة المنزلية ، الخانات والفنادق ، التعليم في القامشلي ، المطابع و الصحافة ، المساجد والكنائس ، القيصريات و الأسواق ، المنتزهات و المقاهي ، النواعير و المباني القديمة ، القامشلي في زيارات رؤساء الجمهورية “ .
و يطلعنا الكاتب كوني ره ش في الصفحات الأخيرة من كتابه القامشلي ، على مناظر رائعة الجمال من خلال ألبوم صور يحتوي على صور لمخطط المدينة منذ القدم و على العديد من الوثائق التي تتعلق بهذه المدينة الرائعة ، ومن أهم هذه الصور “ مئذنة الجامع الكبير ، جرسية كنيسة مار يعقوب النصيبيني ، دير راهبات الأرمن الكاثوليك “ ، بالإضافة إلى صور عن إحداث “ أول مركزللبريد و الهاتف و البرق في قامشلي ، و نهر جقجق ، والأسواق التجارية في المدينة .
هذا الكتاب القامشلي .. دراسة في جغرافية المدن قدم فيه الكاتب كوني ره ش دراسة كاملة و وافية عن منطقة الجزيرة عامة و مدينة القامشلي خاصة ، ومن خلال قراءتي لهذا الكتاب إلتمست فيه مدى الجهد و التعب الذي بذله الكاتب ليقدم للقراء صورة جميلة عن مدينته الساحرة ، ومن خلال هذا الكتاب يتمكن المرء من معرفة أهمية هذه المدينة على الصعيد السياسي و الإقتصادي والإجتماعي ، مدينة أسسها الفقراء و الكادحين و من عدة مكونات و أطياف و أديان ، ليستقروا فيها و يعبروا للأنسانية جمعاء إنه يمكن العيش بسلام وإخاء بين الشعوب إذا أرادوا ذلك ، و مدينة القامشلي اليوم هي تعبير واضح على تأريخها القديم و الأصيل فهي موازييك حقيقي و جميل يعبر عن تطلعات كافة الأطياف و المكونات و الأديان التي تعيش فيها ، و كل ما نتمناه أن تصل سوريا اليوم إلى صورة حية و جميلة عن هذه المدينة المسالمة ، وفي الختام لا يسعني إلأ و أن أقول بأنه كتاب يستحق التوقف عنده و قراءته ، لأنه سوف يعلمنا نحن الأجيال الجديدة التلاحم والتواصل ليناء غد مشرق ، ونحث الكتاب و الأدباء و الشعراء أن يكتبوا عن مدنهم و يتغنوا بها لإن الماضي هو الحاضر و المستقبل .
اسم الكتاب : القامشلي دراسة في جغرافية المدن