أدونيس … ومنطق البؤس

هيبت بافي حلبجة

لم أدرك في حياتي كلها حال إدقاع من البؤس ومن الإملاق مثلما هي حال الشاعر أدونيس . كما لم أدرك في حياتي كلها تهافتاُ جسيماُ مريراُ مثلما هو عليه حال الفداحة في التلعثم الفكري لدى هذا الشاعر . أيعقل ، بعد هذه التجربة المديدة التي تماهت من شتى ضروب وأصناف وتعددية المراحل ، في الوضع العربي ، على الساحة الفلسطينية ، في الفكر الأممي ، في المنظومة الأشتراكية ، في الإيديولوجات العالمية ، في الدراسات الدولية ، في الفقه الإسلامي الذي لن ينضب ، في العقيدة المحمدية (صلعم) التي فلسفت مبادىء الوجود وأختزلت حال الجزيرة العربية في مبدأ أنطولوجي لايضاهيه مبدؤ ( قل أشهد إن لا إله إلا الله وأشهد إن محمداُ رسول الله) ، أن يتفوه أدونيس بأفكار إنقرضت منذ هودج المآتم والجنائز ، ومتخلخلة هيكلياُ إلى درجة اللافكر ، إلى درجة اللارتق .
 أيعقل ، وبعد أن اختمرت ذهنية الوجد الفكري في بنيوية المعادلات الرياضية الفيزيائية ، ان ينطق هذا الشاعر ، كعاشق حائز على شقيقة معشوقته ، ب ( أميل إلى تسميتها – أي ما يحدث في المنطقة العربية الآن –  بحركة تمرد شبابية ) ، هذا ما جرى في برنامج تلفزيوني ( روافد ) من تقديم أحمد علي الزين على تلفزيون العربية . أيعقل أن يقول هذا الشاعر ، أدونيس ، ( هو تمرد بمعنى حركة تلقائية ليس لها إطار نظري مسبق ، لو سميتها ثورة فهي تستدعي نظرية مسبقة ، والتحولات تستدعي الظروف الموضوعية ، وأظن لانستطيع أن ندرج ماحدث لافي التحولات ولا في الثورات ، إذن هي حركة تلقائية مفاجئة وغير متوقعة وافضل أن أسميها حركة تمرد ) . أيعقل ، أن يؤكد هذا الشاعر على عنصر المفاجأة مجدداُ، ( أنا سعيد لأنني فوجئت فقد كنت في السابق أكثر ميلاُ إلى التشاؤم لأنني لم أكن أنتظر هذا إطلاقاُ ، وانا سعيد لإن التاريخ كذب هذا الموقف ) . وفي رده على سؤال فيما إذا يستطيع المؤدلج الديني أستثمار هذا الحراك ( إن هذا الخوف مبني على شيئين . الشيء الأول : هو أدخال العنف في مسألة المعارضة وأنا من القائلين حتى إذا كان النظام عنيفاُ لايجوز أن تكون المعارضة عنيفة ، لأنها في الأخير تتكلم لغته وتصبح جزءاُ منه . والثاني : خطاب المعارضة حتى الآن لايشير أبداُ إلى ما يعيق بناء المجتمع المدني ) . ويستطرد الشاعر أدونيس : ( لاأستطيع أن أقبل إطلاقاُ أن أنضم إلى تظاهرة سياسية تخرج من الجامع ، لكن لاأستطيع في المقابل أن أقبل أن تقابل هذه التظاهرة بالعنف والقتل ، هذا مأزق ) . ويردف الشاعر أدونيس : ( الخروج من الجامع لايمكن أن يفهم إلا بالمعنى السياسي ، وهذا المعنى السياسي لايمكن أن يفهم إلا بالمعنى الديني ) . في الحقيقة إن أدونيس يجسد حالة لامعرفية ، بل إنه يمارس حالة تسلط ضد المعرفي ، ويستبد بقواعد المنطق كما يستبد أسياده بالناس ، ويبطش هو بالمفاهيم كما يبطش هؤلاء السادة بالحرية ، وهو يراوغ حول محتوى ( الجامع ) كما يراوغ هؤلاء السادة حول محتوى ( الفتنة ، المؤامرة ، العصابات المندسة ، حبوب الهلوسة ) . لندقق في أهم معطيات حديثه : التهافت الأول : ماهو المأزق ؟ المأزق هنا يتضمن ( الخطأ والصواب ) معاُ ومن الطرفين ( المحتجون والسلطة ) ، إذ يحق للمحتجين أن يتظاهروا ، لكن ليس من الجامع ، ويحق للسلطة أن تكبح الأحتجاجات الصادرة من الجامع ، لكن لايحل لها القتل ، لذلك ثمت مأزق لدى أدونيس !! على هكذا نوعية عرجاء من المنطق يعتمد شاعرنا من زاوية إن للسلطة الجائرة الحق ، بل كل الحق ، أن تكبح الأحتجاجات المنبعثة من الجامع ، لإن ليس لها معنى آخر إلا ( الديني ) , وأدونيس لايطيق هذا – الديني – !! أنظروا إلى علمانيته !! ، لإنه علماني ويمقت الديني فيحق للنظام المستبد ما لايحق له في الحالات الأخرى . التهافت الثاني : يؤكد أدونيس إن – الجامع – هو المشكل الذهني والفعلي ، لكن الجامع بحد ذاته هو بناء مثل المدرسة  ، أو أي مؤسسة مدنية ، بل مثل أي ساحة ، لذلك بالتأكيد يقصد أصحاب ( الخلفية الفكرية ) للجامع . وهؤلاء السادة ليس لهم أي سلطان على الثورة السورية بأعتراف أدونيس نفسه ( أميل إلى تسميتها بحركة تمرد شبابية ) ، ويردف مؤكداُ ( إنه تمرد نظري وعملي في آن واحد وأهم شيء فيه كما يبدو لي – أي لأدونيس – إنه لا نموذج له لا في الشرق ولا في الغرب ) . ويردف الشاعر مؤكداُ ( هو تمرد بمعنى حركة تلقائية ليس لها إطار نظري مسبق ) . فكل هذه الفرضيات ( التمرد ، شبابية ، لانموذج له ، حركة تلقائية ، لا إطار نظري مسبق ) لاتتفق البتة مع معطيات أصحاب ( الخلفية الفكرية ) للجامع !! فممن يخشى إذن أدونيس !!. التهافت الثالث : ثم لو كان لدى الشاعر جامع فوبيا ( كما هي لدى أسياده ) ، فهل أحتجاجات بانياس ، اللاذقية ، دوما ، عامودا ، رأس العين ، تل الكلخ ، التل ، دير الزور ، ديريك ، الحسكة ، كليات الجامعة في حلب ودمشق ، خرجت من الجوامع !! ثم هل ياترى من يشيع قتلاه ينتمي إلى الجامع !! حتى يتلقى رصاصات القتل هو الاخر  !! . التهافت الرابع : إن أدونيس يوسم ما يجري في سوريا بالتمرد !! ماهو التمرد ؟ قد يتمرد الفرد على أسرته ، قد يتمرد الأنسان على العادات والتقاليد ، قد يتمرد مجموعة من الحزب أو من الجيش ، وثمة آلاف من هكذا حالات ، لكن أن ( يتمرد ) الشعب كله على النظام ، ويسبق المعارضة والأحزاب ، ويطالب بالتغيير الجذري للنظام والسلطة ، فهل هذا تمرد أم إنه أكثر من ذلك بكثير . ثم ، وهذه هي نقطة فيصل حادة ، هل مطالبة الشعب بالديمقراطية ومبادىء العدل والسلام والحرية ، لتحل محل البطش والظلم والأستبداد والقهر والقمع ، تعتبر نوعاُ من التمرد ( غايات جزئية ) ، أم إنها ثورة حقيقية ( غايات كلية ) . ثم ، بالمقياس المعرفي ، ألا يقال ، إن الميزة العامة للتمرد هي – الجزء ضد الجزء أو الكل – ، وإن الميزة العامة للثورة هي – الكل ضد الجزء – . التهافت الخامس : يؤكد أدونيس لإن لديه مشكلة أخلاقية ( وانا من القائلين حتى إذا كان النظام عنيفاُ لايجوز أن تكون المعارضة عنيفة لأنها في الأخير تتكلم بلغته وتصبح جزءاُ منه ) هذا المنطق من التحليل هو خليط من المفاهيم لتعمد اللبس والألتباس ، أولاُ : ليست المعارضة الحزبية التقليدية هي التي تقود الإحتجاجات ، وإذا كان القصد هو المعارضة الشعبية فينبغي ذكرها تحديداُ . ثانياُ : ثم أين هو العنف إذا كان المحتجون هم من المتمردين الشباب ، حسب كلامه هو بالذات !!. ثالثاُ : هو يود أظهار ما يستبطن ( لافرق ما بين السلطة والمعارضة طالما إن كلتيهما يستخدمان العنف ، فالأحتجاجات مرفوضة وغير مقبولة ) !!. التهافت السادس : يقول أدونيس ( الخروج من الجامع لايمكن أن يفهم إلا بالمعنى السياسي ، وهذا المعنى السياسي لايمكن أن يفهم إلا بالمعنى الديني ) ، هو في الحقيقة يتعدى على المفهوم ويستخدمه بصورة قسرية لإنه يقصد تماماُ ( مفهوم – الجامع – وليس الخروج منه ) ، كما إن الصيغة الحقيقية لتصوره هي معكوسة أي ( إن مفهوم الجامع مرتبط بالمؤدلج الديني ، وهذا المؤدلج الديني هنا ليس له إلا المعنى السياسي ) . التهافت السابع : وهذا هو أبشع ما يمكن أن يرتكبه المرء من مغالطات ، فهل توجد في تاريخ البشرية قاطبة ( حركة تلقائية مفاجئة ) !! وهل هنالك ( تمرد ) مفاجىء !! ثم لو كانت كذلك لماذا لاتذوي وتموت !! وهل يعقل أن تشمل الحركة التلقائية المفاجئة كل بلدة في سوريا !! ثم ألا ينادي المحتجون بإزالة تراكمات أربعة عقود من القمع والقهر والأستبداد !! . ثم أنظروا إلى هذا البؤس وكإن ما يسري في سوريا والمنطقة العربية هو خارج دلالات التاريخ (التحولات تستدعي الظروف الموضوعية ) !! هي فعلاُ كذلك من زاوية إن الثورة والتحولات الإجتماعية تقتضي محتويات التراكم والتخمر في ( الظروف الموضوعية ) ، وهل أدعى أحد عكس هذا !! لكن ألا يدل كل ما يجري في المنطقة العربية من إن ( الظروف الموضوعية ) قد نضجت !! وحان وقت التحولات !! سأقدم لكم دليلاُ من فم أدونيس نفسه ، ألم يقل ( أنا سعيد لأنني فوجئت فقد كنت في السابق أكثر ميلاُ إلى التشاؤم ) ، لماذا كان متشائماُ ياترى !! أليس لإنه كان ينتظر حدوث شيء من هذا القبيل !! أليس لإنه كان يتمنى ويتوقع حدوث ما يحدث !! وطالما ما كان يحدث ذلك ، كان أدونيس متشائماً !! .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم محمود

أول القول ومضة

بدءاً من هذا اليوم، من هذه اللحظة، بتاريخ ” 23 تشرين الثاني 2024 ” سيكون هناك تاريخ آخر بحدثه، والحدث هو ما يضفي على زمانه ومكانه طابعاً، اعتباراً، ولوناً من التحويل في المبنى والمعنى القيَميين والجماليين، العلميين والمعرفيين، حدث هو عبارة عن حركة تغيير في اتجاه التفكير، في رؤية المعيش اليوم والمنظور…

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…