صدى الكلمة

إبراهيم اليوسف

لا يزال بعضهم، يتوهم، أن الكلمة، لا شأن لها البتّة، في التأثير في ما يدور في العالم، من أحداث، وإنما هي مهمّشة، لا رصيد لها، ولاسيما أننا لسنا أمام مجرد كلمة واحدة، يتفوّه بها العالم، أجمع، بل نحن في الواقع، أمام كلمات، يساوي عددها عدد من يعيش على ظهر البسيطة من بشر.

والكلمة، في حقيقتها، وإن كانت مكوّنة من مجموعة أصوات، وجدت طريقها إلى عالم الكتابة، عبر أبجدية تناسب نبض كل شعب من شعوب المعمورة، كنتاج لرؤية المتكلم، وثقافته، وتجربته، حيث لها مستوياتها الهائلة التي لا تعدّ ولا تحصى، فقد تكون هناك كلمة عادية، ضمن نطاق مستوى التواصل اليومي، سواء أكان ذلك في المنزل، أو الشارع، لتصبح لها في المقابل دلالاتها المميزة في الصحافة والإعلام، وهي تنقل نبض الخبر اليومي، بأمان، كما أنها قد ترتقي إلى مستواها الرمزي في الأدب والفن .
وإذا كانت الكلمة تتميز بأنها في  كل هذا  عبارة عن أداة، فحسب، أو لبنة في عمارة الجملة، أو النص، إلا أن لقائلها دوره الكبير في إضفاء خصوصيته عليها، ولاسيما حين لا يتناولها ببغاوياً، أو أوتوماتيكياً، فيترك عليها شحنة انفعالاته الشخصية، وهي خصلة قد لا تتوافر إلا عند من يتمتع بفراسة التعبير عن الموقف، بالكلمة، وفق هندسة مناسبة، وهو ما ينتمي إلى “فن الحديث” الذي له أصوله، ومدرسته، وفضاؤه، وقد عرف التاريخ مبدعين في هذا المجال، كانت لكلمتهم كاريزما وسحراً خاصين، ولطالما استطاع بعض مبدعي هذا الفن، أن يؤثروا في من حولهم، تاركين بصماتهم على صفحة التاريخ، لتكون كلماتهم أدوات يمكن تسخيرها، بأقصى أمدائها، وهنا قد نتذكر بعض المفوّهين، والخطباء الأكثر سطوة وتأثيراً في مجتمعاتهم، إذ ترتقي الكلمة على أيدي هذا الأنموذج إلى أعلى مستوياتها .

ويمكن التحدّث عن وجه آخر للكلمة، وهي الكلمة المكتوبة، الشكل الأرقى، في مسيرة الكلمة، حيث تحافظ على جوهر المنطوق، وتنطوي في الوقت نفسه، على عمق، تكتسبه عبر ما تفترضه عملية الكتابة، من أدوات خاصة، تخلصها مما يعلق بها من شوائب الانفعال، لتغدو أكثر عقلنة، واتزاناً، في حمل الرسالة والموقف، وهي نفسها الوسيلة التي خلد بها الإبداع الأدبي، منذ أول قصيدة قالها الشاعر الأول، وحتى آخر ما يكتبه المبدعون، الآن، على اختلاف الأجناس الأدبية الإبداعية، ذات الحضور الفاعل .

أجل، لقد تمكنت الكلمة الصادقة التي تشبه أعماق صاحبها أن تترك تأثيرها في نفس متلقيها، ليتفاعل معها، وتسهم في توجيهه، وهو أكبر انتصار لها، ما دامت أنها تجاوزت أن تكون مجرد ذبذبات تطلق في الأثير، أو مجرد حبر كيميائي أو إلكتروني، يدون على الورق، أو في العالم الافتراضي، قادرة أن تتصادى في النفوس، وتسهم في ترجمة الواقع إلى مجرد إشارات، ورموز تصل، كي تبين الخيط الأبيض من الأسود، حتى وإن تمكن هذا الأخير من “تبييض” نفسه، و”تسويد” خصمه، لأن الكلمة الأصيلة تمتلك أدواتها التي تتوغل إلى جواهر الأشياء فتقدمها كما تريد، لتظل هي الأبقى .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

سمكو عمر لعلي

مقدمة

لم يكن الحاج أحمد ملا إبراهيم مجرد اسم عابر في تاريخ الحركة الكردية، بل كان رمزًا للنضال والمثابرة من أجل قضية شعبه. وُلد عام 1923 في بلدة عين ديوار، التي تقع اليوم ضمن الحدود السورية، لعائلة مناضلة تمتد جذورها إلى شرق كردستان من اقرباء سمكو اغا الشكاك ، حيث كان والده الملا إبراهيم…

تقرير صحفي: شهدت جامعة النجاح الوطنية يوم الخميس الموافق 20/11/2025 إنجازاً أكاديمياً لافتاً، تمثل في مناقشة رسالة الماجستير المقدمة من الطالبة رجاء رشيد محمود الحلبي في برنامج اللغة العربية وآدابها، جاءت الرسالة تحت عنوان: “روايتا “الحاجز” و”حب في منطقة الظل” للكاتب عزمي بشارة دراسة تحليلية في المضمون والفن”، وقد أعلنت اللجنة نجاح الطالبة وحصولها على…

عِصْمَتْ شَاهِين الدُّوسَكِي

 

يَا لَيْلُ

أنَاجِي الرُّوحَ وَهِيَ بَعِيدَةٌ

تَلْهُو فِي صَمْتِي الْمَجْرُوحِ

آهٍ يَا لَيْلُ

صَمْتِي كَحَرِيقٍ فِي صَدْرِي

وَجُدْرَانُهُ تَكْتُمُ قَدَرِي

آهٍ يَا لَيْلُ نَوَافِذُ مُغْلَقَةٌ

وَأَبْوَابٌ صَامِتَةٌ

كَتِمْثَالٍ جَمِيلٍ

أُنَادِي وَكَأَنَّ السَّمَاءَ تَسْمَعُ صَوْتِي

وَلَا أَهْجُو أَحَدًا

بَلْ أَهْجُو كُلَّ النِّدَاءَاتِ

يَا لَيْلُ كَمْ طَوِيلٌ هَذَا الظَّلَامُ

كَمْ طَوِيلٌ هَذَا الْخِصَامُ

كَمْ طَوِيلٌ هَذَا الْحُسَامُ

الَّذِي يَقْطَعُ شَرَايِينِي

يَا لَيْلُ لَا أُعَزِّيكَ

وَلَا أَثْرِي بِكَ

وَلَا أُعَزِّي إِلَّا نَفْسِي

مُرَادُكَ…

عبدالجابر حبيب

 

خارطة

جلبوا الأطلس؛ دليل إثبات وجودهم على أرضهم، بحثوا عن دولتهم التائهة في عمق الجغرافيا، احتد النقاش بينهم، اختلفوا حول التفاصيل الدقيقة، اشتد الصراع بينهم حول الكرسي،

 

حسرة

بعدما عثروا على جذورهم الراسخة في دهاليز التاريخ،

أخبروهم أن الشرق الأوسط الجديد لا يضم سوى الأسماء الموجودة سابقاً على خريطة العالم

 

إنسانية

كتب المؤرخ: الحفاظ على الكائنات المهددة بالزوال….