إبراهيم قاشوش متّحداً مع العاصي والنواعير تردد أغانيه

هوشنك أوسي

اختطفوه، وعذّبوه، فقتلوه، وجزّوا عنقه، وأخذوا حنجرته هديّةً للطاغية. ذلك أن تلك الحنجرة، دعت برحيله، وألّبت حناجر أخرى، وحرّضتها على ترديد هذه الدعوة!.
هذا المشهد، لم يكن من فيلم سينمائي مرعب، عن ظلم وجبروت نيرون أو الملوك الطغاة، في العصور الغابرة، وكيف كانوا يتفنّنون في الاقتصاص من مناوئيهم، ولا من حكايات ألف ليلة وليلة، حيث جموح الخيال، إلى ما بعد الخيال، بل حقيقة دامغة وأليمة، انتجتها انتفاضة الشعب السوري على أغلاله وخوفه وطغيان مستبدّيه وفسادهم.

حَدَثَ ذلك في مدينة حماة السوريّة، يوم الثلاثاء 5/7/2011، حين رأى الحمويون جثّة مغنّيهم، إبراهيم قاشوش، طافية على نهر العاصي، مذبوحاً من الوريد إلى الوريد، واستئصلت حنجرته، بسكّينٍ مديدةِ الأحقاد، لا يَطيقُ حملَها إلاّ يدُ وغدٍ خوّان.

****

النهرُ صهوتُكَ والجناح، فحلّقْ بالوطنِ صوبَ خيالك، واعبُرْ بالمدينةِ بين أعراسها والمجازر، فهمُ الآفلونَ وأنتَ البزوغُ.

ادرْ النواعيرَ، واسقِ «العاصي» الظامئ صوتَك المترع بالفجرِ، فهم الغاربون وأنتَ الشروقُ.

صوتُكَ يُنضّد ذاكرة المدينةِ الشهيدة، ويعرّي الأوغادَ من الأدغال والبراري.
صوتكَ هوسُ القتيل في معاودةِ النهوضِ من القبر، فاستفاق عليه القتلة.

حُنجرتُكَ النهرُ…
فهل لهم اقتلاعُ النهر من مكانه!؟.
حنجرتُكَ حنجرةُ الوطنِ المُبتهلِ للنشور.
مددتَ حنجرتكَ للشمس، فتلألأ الوطنُ في روحِكَ، واستعذبَ الجسدُ الموتَ قرباناً لغزالةِ الشفق.

ألاّ يا خليل الوطن…
مددتَ جسدك على صليب الحريّة، تالياً آية الكرسي.
فاغرورقت أجراس الكنائس بدمع الياسمين، وكللَّت المآذن، بروقٌ عينيّ المسيح.
ألا يا إبراهيم…
أنا الكرديُّ، من فرطِ أوجاعي وغربتي، متصدّعاً أمام جلالِ ظلّكَ المخيّم على جراحي، أنثرُ لكُ المَجازَ قلائد وسجاجيد.
أنا الكرديٌّ، أمرِّرُ لك مدني أكاليل وزغاريد… حين قرّبتَ إلينا الوطن بصوتك.
ألا يا إبراهيماً من وجع الأرض، غنّ، إنّ غناءكَ، «يخلّي» انتظارنا للحريّة أقصر.

عن المستقبل اللبنانيّة

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبدالعزيز قاسم

(كان من المقرر ان اقدم هذه المداخلة عن “اللغة الشعرية في القصيدة الكردية المعاصرة ـ ڕۆژاڤا” في مهرجان فولفسبورغ للشعر الكردي اليوم السبت ٢٥ اكتوبر، ولكن بسبب انشغالي بواجب اجتماعي قدمت بطاقة اعتذار إلى لجنة إعداد المهرجان).

وهذه هي نص المداخلة:

من خلال قراءتي لنتاجات العديد من الشعراء الكرد (الكرمانجية) المعاصرين من مناطق مختلفة “بادينان،…

إبراهيم محمود

 

تلويح خطي

كيف لرجل عاش بين عامي” 1916-2006 ” وفي مجتمع مضطرب في أوضاعه السياسية والاجتماعية، أن يكون شاهداً، أو في موقع الشاهد على أحداثه، ولو في حقبة منه، إنما بعد مضي عقود زمنية ثلاثة عليه، دون تجاهل المخاطر التي تتهدده وتتوعده؟ وتحديداً إذا كان في موقع اجتماعي مرصود بأكثر من معنى طبعً، كونه سياسياً…

د. محمود عباس

حين يمرض الضوء، تبقى الذاكرة سنده.

قبل فترةٍ ليست بعيدة، استوقفني غياب الأخت الكاتبة نسرين تيلو عن المشهد الثقافي، وانقطاع حضورها عن صفحات التواصل الاجتماعي، تلك التي كانت تملؤها بنصوصها القصصية المشرقة، وبأسلوبها المرهف الذي حمل إلينا عبر العقود نبض المجتمع الكوردي بخصوصيته، والمجتمع السوري بعموميته. كانت قصصها مرآةً للناس العاديين، تنبض بالصدق والعاطفة،…

خالد حسو

 

ثمة روايات تُكتب لتُروى.

وثمة روايات تُكتب لتُفجّر العالم من الداخل.

ورواية «الأوسلاندر» لخالد إبراهيم ليست رواية، بل صرخة وجودٍ في منفى يتنكّر لسكّانه، وثيقة ألمٍ لجيلٍ طُرد من المعنى، وتشريحٌ لجسد الغربة حين يتحول إلى قَدَرٍ لا شفاء منه.

كلّ جملةٍ في هذا العمل تخرج من لحمٍ يحترق، ومن وعيٍ لم يعد يحتمل الصمت.

فهو لا…