alisalih93@yahoo.com
“الى روح شهداء الحي الابطال”
وبقي الحي موئلا للكورد ، ولم تمر حقبة تاريخية الا وكانت الافواج الكوردية تأتي الى الحي اما هربا من ظلم واقع، او طلبا للعلم، او رغبة في العيش الهانىء، لدرجة ان الحي اصبح صورة مصغرة من كوردستان، ففيها تجد الذي اصله من شمال او جنوب او شرق كوردستان على السواء، وبنظرة خاطفة الى اسماء العائلات المعروفة في الحي، يدرك المرء هذه الحقيقة.
ومن جهة اخرى، كان الحي وعلى الدوام مركزا مهما للوعي القومي الكوردي ومن ذلك ان احد سكانها ارسل سنة 1898 رسالة الى مدير تحرير جريدة كردستان نشرت في العدد الثالث، يصف له مدى فرحته بالجريدة وانه عندما قرأها لمجموعة من شباب الحي وعندما عرفوا ان اسمها كردستان لم تسع الدنيا فرحتهم واعتزازهم بها، كما ان الحي ضم طوال الوقت رفات مجموعة من العلماء والقواد الكورد المعروفين، ومنهم مولانا خالد النقشنبدي (1776-1827) ، والذي يعتبر اعظم صوفي كوردي ومؤسس الطريقة النقشبندية في كوردستان، فقد علم وارشد وتزوج وتوفي ودفن فيها، و كذلك الامير بدرخان بك امير امارة بوتان الكوردية بعد سقوط امارته سنة 1847 وغيرهما، علاوة على ان الحي اصبح بجهود بعض ابنائه، الملجأ الحامي للشخصيات الكوردية الهاربة من بطش الحكومة العثمانية والتركية لاحقا ابان القرن العشرين، وهنا يبرز اسم علي اغا زلفو اكثر من غيره، والذي تصفه معظم الشخصيات في مذكراتهم بانه كان اية في الانسانية والتعاطف والكرم والوطنية والتقدير لضيوفه من اجزاء كوردستان.
ولاعجب ان صار الحي بسبب كل ذلك، المكان الذي ترعرعت فيه مجموعة من النوادي الكوردي ذات الصبغة الاجتماعية والرياضية والسياسية بدرجة اقل، ومنها جمعيهة هيفي ويكيتيا خورتان ونادي كوردستان وصلاح الدين ونادي جمشيد وهنانو وغيرها في فترة نهاية الثلاثينيات والاربعينيات من القرن المنصرم، وكذلك مسكنا للعديد من الرواد الكورد القوميين والذين طبعوا ونشروا نتاجاتهم الفكرية والشعرية فيها، بل ان الحي بلغ من الشأن انه صار مركزا مهما لنشر الوعي القومي الكوردي في المنطقة ككل.
ولا نغالي اذا قلنا ان الحي عرف على الدوام بانه كان شوكة في اعين القوى الراغبة بالحاق الاذى بالشعب السوري وخصوصا العثمانيين والفرنسيين من بعدهم، وتكاد معظم المصادر المحايدة تذكر ذلك، وكيف ان الثوار الكورد كانوا يخرجون للنضال ضد قوات الانتداب ومساهمتهم الفعالة في استقلال البلاد، ومن ذلك تزعم علي اغا زلفو مجموعة من المتطوعين الكورد من ابناء الحي وتكبيد الفرنسيين خسائر فادحة ، ولاتزال ذاكرة ابناء الحي تحتفظ باسماء العديد من الشهداء الكورد الذين سقطوا على مذبحة الحرية.
ومؤخرا، اندفع شباب الحي الى نصرة اخوانهم المنكوبين منذ اليوم الاول لاندلاع الثورة السورية ولم تحل جمعة الا وكان شبابه يخرجون ويهتفون للحرية والديمقراطية واسقاط النظام، ولعل ذلك هو الذي دفع الاجهزة الامنية وعصابات النظام والتي وصلت الى الدرك الاسفل من القمع، الى تشديد الخناق على الحي، والصدام معهم وقتل عدد منهم وعلى راسهم الشهيد زرادشت وانلي قبل ايام.