الشاعرة السورية افين إبراهيم: تخمة اللغة وترفها

  ابراهيم حسو

تحاول افين إبراهيم المقيمة في الولايات الأمريكية المتحدة منذ عشرين عاما، في مجموعة كتاباتها المنشورة في النت التخلي عن ذاكرتها الطفولية والتنّكر لمنبتها الأول مدينتها (القامشلي) وأصالة خيالها الأول لتدخل إلى عوالم وحيوات جديدة وغريبة عنها، وذلك عبر عجن صور الماورائيات مع الحالات الذهنية المعقدة وطحن الرؤى وتشكل الحلم من خلال طرح مفردات عصية على اللغة.
افين تعيش غريبة عن لغتها لهذا فهي في بحث مستمر من اجل إيجاد لغة جديدة أكثر فراسة وإيغالاً في همها وغربتها، إنها تبحث في ماضيها عن وجودها الآتي، عن التيه والحضور معاً، عن اليوم وتفاصيله المبعثرة وعن تلك الذاكرة المرمية هناك خلف لغة تتخلى افين عن ابسط وجودها وهو البلاغة الجاهزة، إنها في كل كتابة تحاول استمالة القارئ (البعيد) ودحرجته نحو تهويماتها اللغوية، قابضة على ذاكرته كنمر أخرق، كي تطمئن على فريستها وتضمن ولاءه وجاهزيته للبقاء طويلاً في القصيدة، وبهذا لا تتخلى افين عن التعامل بقسوة مع القارئ، تمارس معه جميع المقالب لإخضاعه لها، إنها بالأخير تجهز عليه وتسفك صبره وجلده، والواقع أن ولع افين بسلطة اللغة والتفاخر بجبروتها يزيد من خطر تعرض نصها إلى التصحر والتفتت، إذ نوعية هذه الكتابة تتطلب دائماً سقاية بلاغية وقاموسا شاسعا من المفردات المحدثة والمتوالدة، وإلا سيعيش هذا النص على الأوكسجين الصناعي ورئة بلاستيكية وهذه حال القصيدة الذهنية. 
بعض من نصوص افين إبراهيم الجديدة: 

حب ينكمش كالضباب 

1
يغفو على حلم بارد
يحمله الموج لبحور غريقة
يغط في غيبوبة الشعر بعيدا هناكô
في زاوية الوجع
طفل يرتدي ابتسامة سريعة
يفتش عن حزنه العتيق بملل جديد ..
يلصق جسده الضئيل
بجسد أم تضارع نوماً مليئا برائحة الموتى واليتامى
تسأل عن صوت قديم
بصدى الآهات المغادرة
تصفعها زرقة فجر ملتبس
يُقوّس الحزن حاجبيها
فتزيح عن جبين الحب
أحضانها اليائسة
هناك في قلب العتمة
طفل يرتدي الابتسامة
يتمنى ويتمنىô
ليسقط على مقصلة السؤال
إجابة عرجاء؟!
تخرج من مرآة الروح
لا تملك وقتاً يتسع الدوران
2
يتلعثم الحب في شفتيك
ليتها علمتك
مضغ الحب ..
ورغم الكبرياء
ينكمش كوجه الصوف
في وهج النار
يخاف الأشباح ..
تلك المتسربة من ثقب بابٍ
في عتمة كثيفة
يناديك الأصدقاء
فتبحث عن حضن
يعلـّق عينيك أبداً
في صدى سماء باردة أكثر ارتعاشاً.
أفتح قلبك الموصد 
أرتمي في أحاسيسي ِ أخرس كالسؤال.
على مقعد شاحب كفيف
لا تعنيك جغرافية العالم
ولا الشعارات الوطنية
قلب الطريق
أسأل الأموات، علـّهم يبترون
أصابع الليل المترقب
دعه ُ، يسمع نبض حرمانه
في خطوات الحصى
ليستيقظ شاباً
ينعى وطنا حرمه أمه!!
شبح طفل تعذبه الكلمة
غصة من زمن البعد الآخر
أنطقها اليوم
تلامس يدها المتشققة 
شعرهُ الأبيض
ينفجر البكاء
يعزز الوشم الداكن
سؤال آخر أحمق
يخيم صمت الجواب
أحبك أمي .. 
أشكرك بلادي
صنعتَ لي أما بلا حضن
تجيد هندسة العمر
في زمن لا يجيد العبور
تابع .. تنفس اختناقي فيك
هذه جسوري
وانتظر موائد الفجيعة
هناك زمني الهستيري المختبئ
تحت عشقك الهلامي
هناك كلي
دعني أُرثيني وأرثيك
تدوسني بقدميك
أغبرني
ككل سيول الكلمات العاجزة
ضفتي نجمة لزرقتك السوداء
ربما لم تكتمل سيرة هبوبي
لوطن غاب قبل التاريخ 
سراب قادم يمتحن وجودي
يمتحن الغارقين في النوم
والغارقين في خرائط العتاب
دعك مني يا وطن غريباً
فأنا أكره استنساخ الجبال
في باحة البشر
لن أكون حلماً ينتظر النحر
نم هنّياً مادام قلبك ينبض فيّ
كل عام وأنت
تنكرني ولا تتذكر.
تحدق طفلاً يرتدي الابتسامة هاجساً
ثم يتبخر.

”” شاعر من سورية

القدس العربي

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبدالرزاق محمود عبدالرحمن

كان في صدري شرفة تطل على سماوات بعيدة،
أعلق عليها أمنياتي كفوانيس صغيرة،
حتى وإن كانت الحياة ضيقة، كنت أزيّنها بخيوط من الأمل،
أجمع فتات الفرح، وأصنع منه أحلامًا تكفيني لأبتسم.
كنت أعيش على فكرة التغيير، أتنفسها كل صباح،
وأخطط، وأتخيل، وأصدق أن الغد قد يجيء أجمل.

أما الآن…
فالنوافذ مغلقة، والستائر مثقلة بغبار الخيبات،
وألواني باهتة، وفرشاتي صارت ثقيلة بين…

عِصْمَتْ شَاهِينْ اَلدُّوسَكِي

وَدَعَتُ فِي نَفْسِي ضِيقَ الْحَيَاة

وَأَلَمَّ الْأحْزْانِ والْجِرَاحَات

أَذْرُفُ الدُّمُوعَ بِصَمْتٍ

كَأَنِّي أَعْرِفُ وَجَعَ الْعَبَرَات

أُصِيغُ مِنْ الْغُرْبَةِ وَحْدَتِي

بَيْنَ الْجُدْرَانِ أَرْسُمُ الْغُرْبَات

 

**********

يَا حِرمَاني الْمُكَوَّرِ فِي ظَلَامي

يَا حُلُمي التَّائِهِ فِي الْحَيَاة

كَمْ أشْتَاقُ إلَيْكَ وَالشَّوْقُ يُعَذِّبُنِي

آَهٍ مِنْ شَوْقٍ فِيه عَذَابَات

لَا تَلَّومْ عَاشِقَاً أَمْضَى بَيْن سَرَابٍ

وَتَرَكَ وَرَاءَهُ أَجْمَلَ الذِّكْرَيَات

**********

أَنَا الْمَلِكُ بِلَا تَاجٍ

أَنَا الرَّاهِبُ بِلَا بَلَاطٍ

أَنَا الْأَرْضُ بِلَا سَمَوَات

وَجَعِي مَدُّ الْبَحْرِ…

ميران أحمد

أصدرت دار ماشكي للطباعة والنشر والتوزيع مؤخراً المجموعة الشعرية الأولى، للشاعر الإيزيدي سرمد سليم، التي حملت عنوان: «ملاحظات من الصفحة 28»، وجاءت في 88 صفحة من القطع المتوسط.

تأتي هذه المجموعة بوصفها التجربة الأولى للشاعر، لتفتح باباً على صوت جديد من شنكال، يكتب من هوامش الألم والذاكرة الممزقة، بلغة جريئة تشبه اعترافاً مفتوحاً على الحياة…

حاوره: إدريس سالم

تنهض جميع نصوصي الروائية دون استثناء على أرضية واقعية، أعيشها حقيقة كسيرة حياة، إلا إن أسلوب الواقعية السحرية والكوابيس والهلوسات وأحلام اليقظة، هو ما ينقلها من واقعيتها ووثائقيتها المباشرة، إلى نصوص عبثية هلامية، تبدو كأنها منفصلة عن أصولها. لم أكتب في أيّ مرّة أبداً نصّاً متخيّلاً؛ فما يمدّني به الواقع هو أكبر من…