في ذكرى جكرخوين … بعض الوفاء.. جميل ان يكون المرء من تلامذته

م . محمد امين محمد

    اثناء اعدادنا للبرنامج الذي بث على فضائية كوردستان في ذكرى رحيل شاعرنا الكبير , سالني الاخ عبد الرزاق علي عدة اسئلة عن شاعرنا وتاريخه وحياته وبالرغم من ان تلك الاسئلة بدت بسيطة في البداية لكنها  لم تثر استغرابي لتفسير ضمني على ان الاخ عبدالرزاق ربما لا يعرف الكثير عنه بحكم البعد الجغرافي بين السليمانية والقامشلي وربما ايضا بسبب اللهجة , لذا استمرينا في الحديث دون الاكتراث بتلك الاسباب وبذاك التفسير الذي تبين فيما بعد عدم صحته لان استرساله في الحديث غير من مجرى الحديث كثيرا خصوصا حين قال : لقد كنا نسمع في السبعينات .

اثناء العمل في صفوف الثورة , بان هناك شاعرا كورديا من سوريا اسمه جكرخوين يعلم اطفال الكورد لغتهم الام بالرغم من الوضع الامني السيئ له ولهم . , تغير مجرى الحديث بطبيعة الحال , وتغيرت اللهجة ووضعية الجلوس ايضا وقلت له : نعم واكون احد تلامذته بكل فخر , واردفت : نعم اشعر بالسعادة على اني تعلمت الكوردية على يديه و ذلك بفضل زميل لي في الدراسة حينها اسمه سيف الدين داوود في ثانوية العروبة بالقامشلي – الذي اصبح يقرض الشعر بدوره –  حين بادر وعرض علي تلك المبادرة الجميلة حيث قال لي يومها: اذا اردت تعلم الكوردية فيمكننا ان نذهب معا الى بيت جكرخوين واذا رغبت ايضا فقد صدر له ديوان شعر جديد  هو الثالث له باسم ( كيمه از ) يمكنك شرائه وذهبنا معا الى شاعرنا الكبير  وحصل ما حصل ومن يومها – عام 1976 – تعلمت لغتي بفضله وفضل زميلي سيف الدين , حيث اكن لهم …………كل الحب وادين لهم بدين لن استطيع رده في اي يوم من الايام ومهما طال الزمن .
ابدى الاخ عبد الرزاق اعجابه بالموقف واستمر الحديث وتشجعت على التعبير عن المزيد مما احمله تجاه المتنبي الكوردي وتابعت الحديث لصديقي وقلت : ان جكرخوين بالنسبة لنا , على الاقل بالنسبة لامثالي هو بمثابة نبي ارسل للكورد وسردت له بعضا من قصصه الكثيرة وبعضا من شعره ومن بينها قصيدته الجميلة المعروفة عن الفتاة الكوردية ( كه جى رابه سه ري هلده ) ودعوته لها باليقظة والتعلم والنضال حيث ازداد اعجابه به اكثر واكثر ……….
في ذكرى مرور مائة عام على ميلاده قبل ثلاث سنوات – عام 2003 – كنت عضوا في لجنة احياء الذكرى مع اصدقاء آخرين , من بينهم درويش درويش وسيداي كلش وفواز كانو وسليم ولقمان وسليمان وعبدالرحمن كوجر واخرين , شاركنا معا بالعمل ضمن لجنة خاصة باحياء الذكرى , اثمرت عن تعليم اكثر من ثلاثمائة من الشباب والشابات الكورد للغتهم الام , حيث اتفقنا في اللجنة على ان خير ما نقدمه في احياء ذكراه هو تحقيق بعضا مما كان يطمح اليه في حياته ……..
استغرب صديقي , قليلا , او هكذا بدى لي , عندما ذكرت له بان شاعرنا كان عضوا في اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي التقدمي – ولو فخريا – حتى رحيله الاخير,  لكن صديقي هز براسه كثيرا كاشارة على الموافقة والرضا – او هكذا بدى لي – عندما اضفت بان انتمائه الحزبي بحد ذاته تعتبر مأثرة اخرى من مآثره العظيمة كونه ظل منتميا الى صفوف حركة شعبه السياسية الى آخر يوم من حياته ودون كلل …..
ربما ستكتشف الايام عن معان اخرى وعن مآثر اخرى وعن دروس اخرى لشاعرنا الكبير , لكننا الآن بكل تأكيد لازلنا ننهل من معينه الخصب والجميل ونتعظ منه ولازلنا نحبه ….كثيرا , وايضا و بكل تأكيد نحن احوج ما نكون الى امثاله اليوم بيننا وفينا ……….نعم فينا , في داخلنا , في فكرنا وحلمنا وخيالنا وطموحنا وحياتنا حبا وعشقا  وعنفوانا وجرأة وشجاعة …..ودون خوف .
لا يشبع المرء من قراءة ملايي جزيري – المعلم الاكبر لجكرخوين – ومن معاني العشق والفلسفة وصور الخيال والحب والخمر والله في شعره وفلسفته , بصورة يعجز احدنا من تاطير تلك الصور و تلك الفلسفة باطار معين او بفكرة محددة  , اذ ان الكل يفتخر به بدءا مني و من امثالي – كعلماني – وصولا الى الطرف الآخر – ان صح التعبير –  كالصديق تحسين دوسكي – كمتدين – وبيننا الكثير من المحبين والعشاق لشعر الجزري وفلسفته وتاريخه ودون حدود.
لايشبع المرء من سرد سيرة حياة جكرخوين وصور العشق والحب في حياته وشعره , لشعبه ولغة شعبه ووطنه كوردستان الذي احبها كثيرا الى درجة الخيال ….وربما الجنون .
في الذكرى الثانية والعشرون لرحيل جكرخوين , لازلنا نحب وطننا كوردستان ونحب لغتنا ونحب جكرخوين وربما سيستمر ………

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

فواز عبدي

إلى أخي آزاد؛ سيد العبث الجميل

في مدينة قامشلو، تلك المدينة التي يحل فيها الغبار ضيفاً دائم الإقامة، وحيث الحمير تعرف مواعيد الصلاة أكثر من بعض البشر، وبدأت الهواتف المحمولة بالزحف إلى المدينة، بعد أن كانت تُعامل ككائنات فضائية تحتاج إلى تأشيرة دخول، قرر آزاد، المعروف بين أصدقائه بالمزاج الشقي، أن يعبث قليلاً ويترك بصمة…

إبراهيم أبو عواد / كاتب من الأردن

يُعْتَبَر عَالِمُ الاجتماعِ الألمانيُّ ماكس فيبر ( 1864 _ 1920 ) أحَدَ الآباءِ المُؤسِّسين لِعِلْمِ الاجتماعِ الحَديثِ . وَقَدْ سَاهَمَ بشكلٍ فَعَّالٍ في دِرَاسَةِ الفِعْلِ الاجتماعيِّ ، وتأويلِه بشكلٍ مَنْطقيٍّ وَعَقْلانيٍّ ، وتَفسيرِه بطريقةٍ قائمة عَلى رَبْطِ الأسبابِ بالمُسَبِّبَاتِ .

عَرَّفَ فيبر الفِعْلَ الاجتماعيَّ بأنَّهُ صُورةُ السُّلوكِ الإنسانيِّ الذي يَشْتمل…

سيماف خالد محمد

أغلب الناس يخافون مرور الأيام، يخشون أن تتساقط أعمارهم من بين أصابعهم كالرمل، فيخفون سنواتهم أو يصغّرون أنفسهم حين يُسألون عن أعمارهم.

أما أنا فأترك الأيام تركض بي كما تشاء، تمضي وتتركني على حافة العمر وإن سألني أحد عن عمري أخبره بالحقيقة، وربما أزيد على نفسي عاماً أو عامين كأنني أفتح نافذة…

ابراهيم البليهي

منذ أكثر من قرنين؛ جرى ويجري تجهيلٌ للأجيال في العالم الإسلامي؛ فيتكرر القول بأننا نحن العرب والمسلمين؛ قد تخلَّفنا وتراجعنا عن عَظَمَةِ أسلافنا وهذا القول خادع، ومضلل، وغير حقيقي، ولا موضوعي، ويتنافى مع حقائق التاريخ، ويتجاهل التغيرات النوعية التي طرأت على الحضارة الإنسانية فقد تغيرت مكَوِّنات، ومقومات، وعناصر الحضارة؛ فالحضارة في العصر الحديث؛ قد غيَّرت…