وداعاً أيها المشعل

د. آلان كيكاني

لعل من سماك مشعلاً تنبأ بأنك ستشعل بمقتلك قلوب الملايينن من أبناء الكرد حزناً وغماً على فراقك المباغت وغيابك الخاطف في وضح النهار, وستؤجج أتون الثورة في أصقاع البلد المثقل جسده بجراح الغدر والمشبع ترابه بدماء الغيارى والملوث هواؤه برائحة البارود الكريهة.
” المستقبل لنا ” قلتها مرفوع الرأس من صميم قلبك وأنت تعتلي منصة الأبطال وسط السكارى بنشوة الحرية والكرامة تبشرهم بالسقوط القريب للطاغية , تنتصف شباباً مثقلاً بالأحلام طامحاً إلى المجد والعيش الكريم , وكان لك المستقبل أن جعلوك اليوم وساماً على صدر كل باحث عن الحياة بعزة وشرف , وأضحيت رمزاً للإباء وإيقونة للكفاح ضد طواغيت الظلم والتجبر.
قالوها , أن مشعلاً بظهوره الملفت ومقارعته الشجاعة لقلاع الاستبداد إنما يروم شهرة ومزايدة على الآخرين أو يبتغي منصباً بعد زوال الطاغية . قالوها , حين تعرضت لمحاولة الاغتيال قبل أيام , على أنها ادعاء أو تمثيل لغاية في نفسك .
قالوها الأمس , عندما كنت تتهيأ لمشروعك الاستشهادي النبيل دفاعاً عن كرامتنا , نحن أيتام هذا البلد منذ أمد. وها أنت تثبت لهم أن الغاية ما كانت شهرة زائفة , ولا وجاهة زائلة , ولا منصباً , وإنما كانت كرامة لذيذة تريدها لأمتك , ودفعتَ الروح مهراً لها.
لم تقتلك الرصاصة , يا مشعل , بل قتلتَها وقتلتَ من أطلقها , فمثلك سيبقى من نعيمه الخالد شوكة في حلق سدنة الظلم وحراس البغي والطغيان إلى ما شاء الله . ومثلك خطر على الطغاة وهو في آخرته أكثر مما هو في دنياه .
قتلت الرصاصة إذ أثبتَتْ عدم جدواها في صد الجماهير عندما تطالب بكرامتها , بل هي تؤجج نار الحماس في صدور الأحرار وتلهب نفوسهم الطامحة إلى العلياء .
وقتلت مطلِقها إذ سقط هو أخلاقياً في الدرك الأسفل من القيم الإنسانية , ووقع في مستنقع الانحطاط والرذالة .
من أعزي فيك يا مشعل ؟
أبنَك ؟
وأنت الآن أقرب مني إليه .
أمَك ؟
وأنا أرى الدموع في عيني أمي لوعة عليك ؟
أم أخوتك ؟
وهم الآن ملايين , فمن أعزي منهم ؟
أعزي الكردَ ؟
وقد امتلأت صفحات العرب من أبناء الوطن على الشبكة العنكبوتية بتعابير الحزن والأسى على رحيلك .  
دفعنا وسندفع , الدماء والأرواح رخيصة في سبيل حقوقنا وشرفنا وكرامتنا . بالأمس كان الشيخ سعيد والقاضي محمد والسيد رضا يتدلون من أعواد المشانق التي نصبها لهم الطغاة  , وبالأمس أخترقت رصاصة الغدر قلب قاسملو , واليوم وعلى دربهم المشعل الوهاج مشعل ترديه  رصاصة دنيئة في ميادين الأبطال .
طوبى للكرد وهؤلاء شهداؤهم .
وطوبى لسوريا أن ينضم المشعل إلى قوافل شهدائها الأبرار .
وعزاؤنا أن الأمة التي أنجبت مشعلاً تستطيع إنجاب مشاعل . . .
اليوم خريفٌ , وقت زراعة القمح .
مئة ألف مشعلاً
زرعوا المشعل في أرض الأبطال ورووه بالدمع والدم
ليزهرَ المشعلُ
ويشعَ نوراً وضياءً
في عالم الظلام والانحطاط  , عالم السفالة .

عالم البعث .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

سيماڤ خالد محمد

مررتُ ذات مرةٍ بسؤالٍ على إحدى صفحات التواصل الإجتماعي، بدا بسيطاً في صياغته لكنه كان عميقاً في معناه، سؤالاً لا يُطرح ليُجاب عنه سريعاً بل ليبقى معلّقاً في الداخل: لماذا نولد بوجوهٍ، ولماذا نولد بقلوب؟

لم أبحث عن إجابة جاهزة تركت السؤال يقودني بهدوء إلى الذاكرة، إلى الإحساس الأول…

خالد بهلوي

بحضور جمهور غفير من الأخوات والإخوة الكتّاب والشعراء والسياسيين والمثقفين المهتمين بالأدب والشعر، أقام الاتحاد العام للكتّاب والصحفيين الكُرد في سوريا واتحاد كردستان سوريا، بتاريخ 20 كانون الأول 2025، في مدينة إيسين الألمانية، ندوةً بمناسبة الذكرى الخمسين لرحيل الأديب الشاعر سيدايي ملا أحمد نامي.

أدار الجلسة الأخ علوان شفان، ثم ألقى كلمة الاتحاد الأخ/ …

فراس حج محمد| فلسطين

لست أدري كم سيلزمني لأعبر شطّها الممتدّ إيغالاً إلى الصحراءْ
من سيمسك بي لأرى طريقي؟
من سيسقيني قطرة ماء في حرّ ذاك الصيف؟
من سيوصلني إلى شجرة الحور والطلع والنخلة السامقةْ؟
من سيطعمني رطباً على سغب طويلْ؟
من سيقرأ في ذاك الخراب ملامحي؟
من سيمحو آخر حرف من حروفي الأربعةْ؟
أو سيمحو أوّل حرفها لتصير مثل الزوبعة؟
من سيفتح آخر…

حاوره: طه خلو

 

يدخل آلان كيكاني الرواية من منطقة التماس الحاد بين المعرفة والألم، حيث تتحوّل التجربة الإنسانية، كما عاينها طبيباً وكاتباً، إلى سؤال مفتوح على النفس والمجتمع. من هذا الحدّ الفاصل بين ما يُختبر في الممارسة الطبية وما يترسّب في الذاكرة، تتشكّل كتابته بوصفها مسار تأمل طويل في هشاشة الإنسان، وفي التصدّعات التي تتركها الصدمة،…