بقلم: جلادت جليكر.
ترجمة: دلاور زنكي.
ترجمة: دلاور زنكي.
لا شك في ان الأكراد كانوا يستثمرون بعض الأبجديات في كتاباتهم قبل أن يتخذوا الحروف اللاتينية وسيلة لهذه الغاية. ولكن منذ متى مارسوا أول أبجدية فذلك ما لم يتضح بجلاء حتى الآن. وهذه المسألة تفتقر إلى البحث والتنقيب وهي مهمة ملقاة على عاتق المؤرخين واللغويين الأكراد. فإذا علمنا أن الميديين هم أسلاف الأكراد وأصل شعبهم كما يعتقد معظم المؤرخين والباحثين وجب أن نبحث عن الأبجدية التي زاولها الميديون. وكثيرون من الكتاب معجبون أشد الإعجاب بالحضارة الميدية. وهم يتحدثون عن مكتبات كبيرة في بلاد الميديين. وكما يعتقد أ.م. دياكونوف فإن نوعاً من الحروف المسمارية دخلت الفارسية القديمة عن طريق الميديين ويعتقد الكاتب أن الميديين اقتبسوا هذه الحروف من “الأورارتيين”(1).
عُثِر على طبق “صحن” من الفضة في “كردستان الشرقية” يُعتقد أن تاريخه يعود إلى ما قبل القرن الثامن للميلاد، عليه كتابة بالحروف المسمارية، ومما يؤسف له أن وثيقة أخرى بهذه الكتابة من العهد الميدي لم تظهر حتى الآن.
كتب المؤرخ اليوناني هيرودوت بعد سفره إلى بلاد الميديين عام 450ق.م قائلاً: بعد هزيمة الميديين وسقوط دولتهم نهبت ودمّرت جميع المؤسسات والمنشآت الميدية على يد الدولة البارسية(2). تتألف الأبجدية المسمارية من (36) ستة وثلاثين حرفاً ويعتقد الباحث: هَمه تقي بهار أن الميديين أضافوا (6)ستة حروف إلى هذه الأبجدية واستخدموا في كتاباتهم اثنين وأربعين حرفاً (42). وأشكالها هي كالتالي(3):
في البلاد الميدية والفرس القديمة استعملت الأبجدية “الآوستية” إضافة إلى الحروف المسمارية. تقول بعض الآراء أن كتاب “الآفستا” المقدس لدى الزرادشتية قد سطّر باللغة الميدية.
والمؤرخ المستشرق: مينورسكي(4) وهو أحد أصحاب هذه النظرية يقول: إن الكتابة الآوستية تبدأ من اليمين باتجاه اليسار وكانت الأبجدية تتألف من أربعة وأربعين حرفاً (44). وتقول بعض المصادر إن هذه الأبجدية كانت مؤلفة من (48) ثمانية وأربعين حرفاً(5). هذه الأبجدية “zêr û zibe” بهذا الشكل حرر(6).
لو أننا ضربنا صفحاً عن كتاب الآفستا فإن أقدم أبجدية كتبت بها اللغة الكردية هي الأبجدية الآرامية. وجدت بعض الوثائق الأخرى في كهوف “الهوراميين” في مستهل هذا القرن، يعتبرها البعض أنها أقدم الوثائق الكردية التي كتبت بالخط الآرامي، وهي وثائق كتبت على الرق “جلد الغزلان” عن أحوال التجارة في تلك الأيام. أقدم هذه الكتابات يعود تاريخها إلى أعوام 87-88 قبل الميلاد(7).
يوجد كتاب كردي مدون بالأبجدية الفهلوية القديمة باسم (Dînkerd) (باللهجة اللورية). وحسب رأي “كيوم وكرياني” فإن هذا الكتاب أقدم كتاب حرر باللغة الكردية. الحروف الأبجدية الفهلوية القديمة وأشكالها هي كالتالي(8):
وهكذا يبدو أن الأكراد كانوا قد زاولوا الكتابة بأبجديتهم الخاصة قبل ظهور الإسلام وبعده.
يقول الكاتب العربي ابن وحشية في مؤلفه عام 241هـ. “؟…..-856ق.م”: “إن أغلب الأكراد كانوا يحررون كتاباتهم بالخطوط “الماسيسوراتية” والمؤلف نفسه قد شاهد ثلاثة مجلدات كردية كتبت بهذه الخطوط. في هذه الأبجدية حروف ليس لها ما يماثلها في الحروف العربية مثل: (Ç) و (P) وهذه الأبجدية مؤلفة من سبعة وثلاثين حرفاً (37) وأشكالها هي كالتالي (9):
يقول موسى عنتر في معجمه “كردي-تركي” الذي ألّفه عام 1967م: “إن الأكراد كانوا وضعوا أبجديتهم قبل ظهور الإسلام (10). ويرى الشيخ محمد مردوخي كردستاني أن تلك الحروف التي لم يوجد مثلها في الأبجدية العربية ربما كانت: مماثلة للحروف (ç, p, j, 11, g, o) (11). كما يقول الشيخ محمد مردوخي كردستاني: إن رجلاً اسمه “ماسي سوراتي” ظهر في القرن العاشر الميلادي حيث وضع حروفاً على غرار الأبجدية دُعيت فيما بعد بالحروف “الماسيسوراتية” وبهذه الحروف دوّنت كتابات كانت موضوع بحث وجدل. وهذه الحروف تشبه تلك الحروف المعروفة باسم “بستي آفستا” وظلت هذه الحروف دارجة حتى قبيل ظهور الإسلام بين الأكراد إلى جانب الخطوط الآرامية والسريانية واليونانية(12).
ومنذ مئات السنين يستخدم الأكراد اليزيديون أبجدية خاصة. يطلق عليها البعض اسم “الأبجدية اليزيدية”. ولكن واضع هذه الأبجدية غير معروف وتاريخ وضعها مجهول أيضاً. تتألف هذه الأبجدية من “31” واحد وثلاثين حرفاً، وتكتب من اليمين باتجاه اليسار. ويعتقد “صفي زاده بوركيي” أن واضع هذه الحروف استعان بالأبجديات الفهلوية والآفستية والعربية.. وبهذه الأبجدية كتبت الكتابات اليزيدية المقدسة. مثل: “مصحفا رش” و “جلوه” وكذلك الأدعية والأذكار الدينية. ولا تزال هذه الأبجدية قائمة بين اليزيديين حتى الآن وهي كالشكل التالي (13):
في المدوّنات اليزيدية تستخدم لغة كردية خالية من العيوب والنواقص وسنعرض أمثلة عن هذه الكتابات التي يرثي فيها أحد الأشخاص والده.(14) ولو أننا استبدلنا تلك الحروف بالحروف اللاتينية لقرأنا كلمات الرثاء كالتالي:
Lo bavo, lo bavo, lo bavo
Bavo çima felekê ha kir
Felekê sere xwe li min ba kir,
Avê min mirî ye, mala min xirav kir.
Bavo, min belengazî min sefîlî min sergerdan.
Bavê min miriye ez bûme sefîl.
Bavo bavtî tîştekt çê ye,
Kurtî bavtî zîneta rû erdê ye,
Bavo cinnet cehnem destê Xwedê ye
Bavo te yekê ne çê kir,
Te mala xwe ji mala min cihê kir.
وبعد ظهور الإسلام ودخول الأكراد في الدين الإسلامي انتشرت الكتابة العربية بينهم رويداً رويداً. من الكتاب والشعراء الذين دوّنوا مؤلفاتهم بالخط العربي نذكر: علي الحريري، والملا أحمد الجزيري، وفقي طيران، وملا الباتي، وأحمد خاني، ولما كانت الحروف العربية عاجزة عن تلبية تلك الصوتيات الموجودة في اللغة الكردية فقد أضافوا إليها حروفاً من ابتكارهم وقد حذوا حذو الفرس في أبجديتهم العربية.
والحروف العربية هي كالتالي:
ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق ك ل م ن ه و ي
ويبدو أن الحروف الكردية التي لا يمكن التعبير عنها بالأبجدية العربية هي:
g, ç, j, i, û, v, p. لذلك وضعوا حروفاً جديدة لتمكينها من أداء هذه الوظيفة الصوتية كالتالي: ك g ، ب p، ج ç، ز j، ف v.
الأبجدية الكردية اللاتينية:
حسب المعطيات المعرفية يعود تاريخ تداول الأمم الأبجدية اللاتينية إلى قرابة /2700/سنة سبعمائة وألفي سنة. وفي مدى هذه الأعوام طرأت تبدلات سياسية في الشرق الأوسط كان لها أثرها على الشعب الكردي. وفي هذه المتغيرات السياسية على الرغم من كل شيء كان الأكراد- كما يبدو لنا- ملمين بسبع أبجديات في أقل تقدير وهي: “المسمارية- الفهلوية القديمة- الآفستية- الماسيسوراتية- العربية- اليزيدية”. ولكننا حتى مطلع هذا القرن لا نجد إشارة إلى تغيير الأبجدية العربية واستبدالها بالحروف اللاتينية. وقد كتبوا في مدى قرون طويلة بأجناس من الأبجديات. واستناداً إلى آراء بعض اللغويين والمؤرخين كانت للأكراد أبجدياتهم الخاصة. ترى لماذا رأى الأكراد في إطلالة هذا القرن أن تبديل الأبجدية العربية باللاتينية أمر ضروري وملحّ؟.
وحسب يقيني فإن أسباب الدعوة الجوهرية إلى هذا التغيير تتلخص فيما يلي:
في خلال القرنين الماضيين حدثت في أوروبا تطورات كبيرة في ميادين الصناعة والعلوم والتكنولوجيا وكانت الدول الأوروبية تحصد مزيداً من الانتصارات العلمية كلما مرت الأعوام وتزداد قوة وبأساً وكانت الدول المضطهدة لا تستطيع ان تنال حريتها وكرامتها من غير دعم أوروبي وكانت الدول الأوروبية تؤازر وتعضد المسألة القومية حيثما وجدت من العالم وكانت تدعم وتؤيد جميع الفئات التي تناوئ الدولة العثمانية وتحاربها. وكان للرياح التي هبَّتْ من الغرب أثرها العميق في نفوس المتنورين في استانبول ضمنهم المتنورون الأكراد وكان جمع غفير من المتنورين الأكراد قد هجروا ديارهم جراء جور السلطان عبدالحميد وحاشيته واقاموا في البلاد الغربية لاجئين واختلطوا بالشعوب الأوروبية وتأثروا بهم وانتفعوا بعلومهم في التربية والفلسفة وغير ذلك وعلى الرغم من أن الأبجدية العربية لم تكن وافية بالغرض فإن الأكراد ثابروا على التمسك بها قروناً طويلة.. وللأسباب الآنفة الذكر جذبت الأبجدية اللاتينية اهتمام أولئك المتنورين. أحد أولئك المتنورين الذين أولوا قضية اللغة بالهم هو الدكتور عبدالله جودت.
في عام 1913م كتب الدكتور عبدالله جودت في مجلة “روزي كرد” داعياً الأكراد إلى تغيير أبجديتهم لأن الأبجدية العربية لا تستجيب للصوتيات الكردية اللغوية وفي تلك الأيام جرت بحوث ومحاورات مطولة بين أعضاء “جمعية الأمل لطلبة الأكراد” (هيفي) (Kurd Talebeyî Hêvî Cemiyetî) بصدد هذا الموضوع. يقول صالح بدرخان وهو أحد متنوري ذلك العهد: إن الأبجدية المؤلفة من /32/ إثنين وثلاثين حرفاً التي تكتب بها التركية العثمانية ليست كافية للكتابة الكردية.
لذلك فقد أضاف صالح بدرخان إلى هذه الحروف ثمانية حروف أخرى لتصبح الأبجدية العثمانية /40/أربعين حرفاً و بها كتبت كتابات في مجلة “روزي كرد”(15).
وحسب ما يرويه كمال بادلي فإن المتنورين الذين كانوا مُعنين بمجلة “روزي كرد” كانوا يسعون إلى إنجاز أبجدية قريبة من الأحرف اللاتينية. إلا أن الحرب الكونية الأولى لم تدعهم يكملون صنيعهم (16).
ومهما يكن من أمر فإن سؤالاً يخطر على البال:
تُرى كم أهتم أولئك المتنورون بالأبجديات التي كانت وسيلتهم في الكتابة؟ وهل فكروا في تلك الأبجديات وتساءلوا هل هي صالحة لتلبية جميع الصوتيات الكردية؟ ربما كانوا قد فعلوا ذلك كما فعل الدكتور شفان الذي يقول: “لقد كان للأكراد أبجديتهم الخاصة قبل البدء بالدعوة الإسلامية وما زال الأكراد اليزيديون حتى الآن الكتابة بهذه الحروف وقراءتها. وأي ضير في أن نصرّ على الكتابة بهذه الحروف نظراً لقيمتها التاريخية الكبيرة.(17)
ومن المعروف أن اليهود والآشوريين والأرمن يمارسون كتابتهم حتى الوقت الراهن بأبجدياتهم الغارقة في القدم باعتبارها رمزاً يدل على الحس القومي.
بعد أن وضعت الحرب الكونية الأولى أوزارها اندحرت بعض جيوش الدولة العثمانية فأبرم السلطان العثماني مع الدول المنتصرة معاهدة في “موندروس” لوقف القتال واللجوء إلى الهدنة، فاستغل الأكراد أحوال البلاد المضطربة وضعف الدولة فأسسوا جمعية “تقدم (ازدهار) كردستان” (Kurt Tealî cemiyeti). نُشرتْ بحوث في بعض الأعداد من مجلة “زين- الحياة” (1918-1919) لـ”جمعية تقدم (ازدهار) كردستان” غير الرسمية عن الصعوبات والمعوقات في كتابة اللغة الكردية بالحروف العربية. يقول كتاب مجلة “زين-الحياة” معبرين عن همومهم وآرائهم بهذه الجملة: “ماذا يسعنا أن نفعل إزاء لغة آرية ترتدي ثياب أبجدية سامية”؟.(18)
وبعد انتهاء الحرب الكونية الأولى وضع الميجر أ.ب. سوان أبجدية توافق اللغة الكردية ونشر كتابين بهذه الأبجدية. والكتابان هما: “Elemantary Kurmanjî Grammar” بغداد،1919، و “Kitabi Awwalamini Qiraati Kurdi”، 1920م، وهذه الأبجدية لم تلق رواجاً بين الأكراد.(19)
جلادت بدرخان والأبجدية الكردية:
جهود ما قبل مجلة “هاوار”:
في شهر كلاويز عام 1919م تم التوقيع على معاهدة سيفر التي نصّت على إقامة شبه دولة كردية “نصف دولة”. فنتج عن ذلك تضارب بين المطالب الكردية والأرمنية في مسألة الحدود. لذلك عينت الجهات الأرمنية مجموعة من الزعماء الأكراد الذين يعيشون على الأراضي الأرمنية للمشاركة في تعداد السكان ومعرفة النسبة بين النفوس الأرمنية والكردية.
وكان الميجر الانكليزي نويل رئيساً لهذه الهيئة وكان الشقيقان الأمير جلادت بدرخان و الأمير كاميران بدرخان يمثلان الطرف الكردي وقد حضرا من حلب إلى أنحاء “سروج” و”عنتاب” وفي شهر أيلول من عام 1919م يقصدان “ملاطيا” وكان أكرم جميل باشا قد اتصل بهما قبل مغادرتهما حلب. ويبدو أن عدداً كبيراً من أعضاء جمعية “تقدم (ازدهار) كردستان” قد التقوا في “ملاطيا” لتنظيم التحرك الكردي(20) وكان عبدالرحيم رحمي الهكاري أحد أولئك الذين وصلوا إلى “ملاطيا” وكان الميجر نويل يتلقى على يده دروساً في اللغة الكردية.
إن الغاية من هذا السرد التاريخي هي أن هذه الزيارة كانت ذريعة إلى إحداث الأبجدية اللاتينية الكردية التي ابتكرها الأمير جلادت الذي كتب في أمر هذه المسألة قائلاً:
في عام 1919م. كنا نسير بين شعاب الجبال حتى وصلنا إلى ديار عشيرة “رشوان”… وكان الميجر نويل الانكليزي مرافقاً لنا. وكان يتقن اللغة الكردية بإحدى اللهجات فرغب أن يتعلم لهجة “الشمال” وكان يسعى إلى ذلك ويدوّن كل ما يتعلمه. أما أنا فكنت أجمع القصص والحكم والأمثال التي اسمعها من أفواه الأفراد وأسجلها على الورق بالخط العربي وكنت أنا ونويل نعيد النظر الى ما كتبناه ونقرأ ما كتبنا. فكان هذا الرجل الانكليزي يتلو ما كتبه بكل يسر.. أما أنا فقد كانت قراءتي عسيرة وبطيئة وكنت أجد مشقة في التفريق بين (û) و(o) و (î) و(ê) فما علة ذلك؟. لقد كان الميجر يستخدم الحروف اللاتينية وكنت استعمل الحروف العربية.(21)
عندئذ اتخذت قراراً بإنشاء أبجدية لاتينية تستجيب لجميع الألفاظ الموجودة في اللغة الكردية.
ولدى هذا القرار برزت أمام الأمير بعض المتاعب لأن الأبجدية اللاتينية مؤلفة من /26/ستة وعشرين حرفاً وهذا العدد من الحروف لا يلبي أغراض الكتابة باللغة الكردية. وهذه هي المرة الأولى التي تكتب لغة “هندو-أوربية” من بين مجموعة اللغات الإيرانية بالأحرف اللاتينية.
يقول الأمير جلادت إنه بدأ الكتابة بالحروف اللاتينية فوجد الأمر على غاية من الوضوح والسهولة ولكن بعض الصعوبات اعترضت سبيله فاضطر للإستعانة بالحروف اللاتينية المركبة (diftong) مثل: (ou, ch, ai, …)، لا ندري كم كان عدد حروف هذه الأبجدية.. إلا أنه بعد زمن وجيز أخرج أبجديته من هيمنة الحروف اللاتينية مقتبساً بعض الحروف والرموز اليونانية والروسية المستقلة وهكذا أصبحت الكلمة الكردية تقرأ كما تكتب. وهذه الأبجدية مؤلفة من /36/ستة وثلاثين حرفاً.
يبدو الأمير جلادت وهو في غمرة أعماله في خلال زهاء ثلاثة أعوام كثير الاهتمام بقضية هذه الأبجدية.
في عام 1922م أصدر الكماليون قرار حكم بالإعدام عليه وعلى أخويه- لذلك فقد غادر الأمير جلادت وكاميران تركيا وهاجرا إلى ألمانيا. حيث درس الأمير جلادت الحقوق وهو يتابع اهتمامه بالأبجدية.
يقول الأمير جلادت:
“في عام 1924م وأنا في ألمانيا أعدت النظر إلى الأبجدية وبحثت ودققت في كل جوانبها فبدا لي أن هذه الأجناس من الحروف “اللاتينية واليونانية والروسية” لا تربطهما وشيجة وليس بينها أيّ تناغم وهي في الوقت نفسه تشوه مظهر الأبجدية فحذفت ما كان زائداً عن الحاجة واحتفظت بحرفين ضروريين لم يكن بد من وجودهما فأصبحت حروف الأبجدية /34/أربعة وثلاثين حرفاً وعلى ذلك استقرت واستقامت.(22)
في عام 1925م غادر الأمير جلادت ألمانيا قاصداً الديار المصرية ومن مصر إلى لبنان حيث يقيم عمه خليل رامي. الذي كان أحد القوميين البارزين في ذلك العهد ومن مؤسسي “خويبون”. وكانت “خويبون” تتطلع إلى ثورة في كردستان الشمالية، ولكن بعد إخفاق انتفاضة “آكري” اتضح لها أنها عاجزة عن تحقيق ذلك الهدف.
كان للأحداث التي جرت في خلال أعوام 1925-1930م أثر كبير في نفس الأمير جلادت، فبدأ بعد هذا التاريخ يلقي جل اهتمامه على مسائل اللغة وحل معضلاتها “في اللهجة الكرمانجية”.
كان الأمير جلادت واللغوي الكبير المعروف توفيق وهبي “من كردستان الجنوبية” يلتقيان في سورية لتفادي النواقص والخلل في اللهجة الكرمانجية والصورانية والتقريب بينهما ويتباحثان لوضع أبجدية لاتينية مشتركة لهاتين اللهجتين. ولكن توفيق وهبي عاد إلى العراق قبل أن تثمر هذه الجهود.
المصادر والمراجع:
1. E. M. Diyakonov, Tarîxê Mad, r. 339, wergera Farisî, 1345, Tehran.
2. Yê ji Heredot neqil dike, Borekeyî Sefîzade Seddîq, Mêjûy Wêjey Kur-dt-I, r.18, 1991, Baneh, Kurdistan.
3. Borekeyî Sefizade Seddîq, Mêjûy Wêjey Kurdî-I, r.15-16, 18,1991, Baneh Kurdistan.
4. Borekeyî S.S., and, r. 22-23.
5. Campbell , C. L, Compendium of the World””s Languages, Vol I, p. 2 26, 2993, London .
6. Borekeyî S.S., and, r. 17.
7. Soran Sineyî, Qewalla Konekani Hewraman Kontirtn Belgeyî Nûsra-wî Ziwani Neteweyî Kurd ke ta êsta dozrawe-tewa, Sirwe, hej. 67, r. 41-45, 1991, Wirmiye.
8. Borekeyî. S.S., and, r.19.
9. Borekeyî.. S.S., and, r.20.
10. Musa Anter, Ferhenga Khurdî-Tirkî/Kûrtge-Tûrkge Sözlûk, r.164, 1967, Istanbul .
11. şêx Muhamed Merdûxî Kurdistanî, Tarixa Kurd û Kurdistan, wergera Ebdilkerim Mihemed Seid, r. 302, 1991.
12. şêx Muhamed Merdûxi Kurdistani, and, r.81.
13. Borekeyi Sefizade Seddîq, and, r..20.
14. Borekeyî S. S., Nameyî Ferhengê Iran-Defterê dovom, r. 16 (222)
15. Malmîsanij & M. Lewendî, Li Kurdistana bakur û H Tirkiyê Rojname-geriya Kurdî 1908-1981, r.56, 1989, Uppsala .
16. Badilh Kemal, Tûrkge îzahh Kûrtge Crameri, s. 23, îkinci baski 1992, MED Yayinahk, Istanbul .
17. Dr. şivan -Adara 1971-, di pêşgotina kitêba “Zmanê Kurd” de, r. 15, 1976, Kava Yaymlan, Istanbul .
18. Jîn 1918-1919, Cild I, r.6, ji Pêşkêşiya M. E. Bozarslan, 1985, Weşan-xana Deng, Uppsala .
19. Cemal Nebez, Zimanî Yekgirtûyi Kurdî, r. 79, III, 1976, Almanya
20. Ekrem Cemîl Paşa, Muhtasar Hayatim, s. 42-43, Beybûn Yaymlan, 2. baski, 1992.
21. Hawar, jimar 13, Pêşgotinek, r. 1-2, ji pêşgotina Mihemed Bekir ya di qapa nu ya Hawar 1-9 de, hatiye girtin, r. XXI, Weşanxana Hawar, 1987, Stockholm .
22. Hawar, jimar 13, Pêşgotinêk, r. 1-2.
كتب المؤرخ اليوناني هيرودوت بعد سفره إلى بلاد الميديين عام 450ق.م قائلاً: بعد هزيمة الميديين وسقوط دولتهم نهبت ودمّرت جميع المؤسسات والمنشآت الميدية على يد الدولة البارسية(2). تتألف الأبجدية المسمارية من (36) ستة وثلاثين حرفاً ويعتقد الباحث: هَمه تقي بهار أن الميديين أضافوا (6)ستة حروف إلى هذه الأبجدية واستخدموا في كتاباتهم اثنين وأربعين حرفاً (42). وأشكالها هي كالتالي(3):
في البلاد الميدية والفرس القديمة استعملت الأبجدية “الآوستية” إضافة إلى الحروف المسمارية. تقول بعض الآراء أن كتاب “الآفستا” المقدس لدى الزرادشتية قد سطّر باللغة الميدية.
والمؤرخ المستشرق: مينورسكي(4) وهو أحد أصحاب هذه النظرية يقول: إن الكتابة الآوستية تبدأ من اليمين باتجاه اليسار وكانت الأبجدية تتألف من أربعة وأربعين حرفاً (44). وتقول بعض المصادر إن هذه الأبجدية كانت مؤلفة من (48) ثمانية وأربعين حرفاً(5). هذه الأبجدية “zêr û zibe” بهذا الشكل حرر(6).
لو أننا ضربنا صفحاً عن كتاب الآفستا فإن أقدم أبجدية كتبت بها اللغة الكردية هي الأبجدية الآرامية. وجدت بعض الوثائق الأخرى في كهوف “الهوراميين” في مستهل هذا القرن، يعتبرها البعض أنها أقدم الوثائق الكردية التي كتبت بالخط الآرامي، وهي وثائق كتبت على الرق “جلد الغزلان” عن أحوال التجارة في تلك الأيام. أقدم هذه الكتابات يعود تاريخها إلى أعوام 87-88 قبل الميلاد(7).
يوجد كتاب كردي مدون بالأبجدية الفهلوية القديمة باسم (Dînkerd) (باللهجة اللورية). وحسب رأي “كيوم وكرياني” فإن هذا الكتاب أقدم كتاب حرر باللغة الكردية. الحروف الأبجدية الفهلوية القديمة وأشكالها هي كالتالي(8):
وهكذا يبدو أن الأكراد كانوا قد زاولوا الكتابة بأبجديتهم الخاصة قبل ظهور الإسلام وبعده.
يقول الكاتب العربي ابن وحشية في مؤلفه عام 241هـ. “؟…..-856ق.م”: “إن أغلب الأكراد كانوا يحررون كتاباتهم بالخطوط “الماسيسوراتية” والمؤلف نفسه قد شاهد ثلاثة مجلدات كردية كتبت بهذه الخطوط. في هذه الأبجدية حروف ليس لها ما يماثلها في الحروف العربية مثل: (Ç) و (P) وهذه الأبجدية مؤلفة من سبعة وثلاثين حرفاً (37) وأشكالها هي كالتالي (9):
يقول موسى عنتر في معجمه “كردي-تركي” الذي ألّفه عام 1967م: “إن الأكراد كانوا وضعوا أبجديتهم قبل ظهور الإسلام (10). ويرى الشيخ محمد مردوخي كردستاني أن تلك الحروف التي لم يوجد مثلها في الأبجدية العربية ربما كانت: مماثلة للحروف (ç, p, j, 11, g, o) (11). كما يقول الشيخ محمد مردوخي كردستاني: إن رجلاً اسمه “ماسي سوراتي” ظهر في القرن العاشر الميلادي حيث وضع حروفاً على غرار الأبجدية دُعيت فيما بعد بالحروف “الماسيسوراتية” وبهذه الحروف دوّنت كتابات كانت موضوع بحث وجدل. وهذه الحروف تشبه تلك الحروف المعروفة باسم “بستي آفستا” وظلت هذه الحروف دارجة حتى قبيل ظهور الإسلام بين الأكراد إلى جانب الخطوط الآرامية والسريانية واليونانية(12).
ومنذ مئات السنين يستخدم الأكراد اليزيديون أبجدية خاصة. يطلق عليها البعض اسم “الأبجدية اليزيدية”. ولكن واضع هذه الأبجدية غير معروف وتاريخ وضعها مجهول أيضاً. تتألف هذه الأبجدية من “31” واحد وثلاثين حرفاً، وتكتب من اليمين باتجاه اليسار. ويعتقد “صفي زاده بوركيي” أن واضع هذه الحروف استعان بالأبجديات الفهلوية والآفستية والعربية.. وبهذه الأبجدية كتبت الكتابات اليزيدية المقدسة. مثل: “مصحفا رش” و “جلوه” وكذلك الأدعية والأذكار الدينية. ولا تزال هذه الأبجدية قائمة بين اليزيديين حتى الآن وهي كالشكل التالي (13):
في المدوّنات اليزيدية تستخدم لغة كردية خالية من العيوب والنواقص وسنعرض أمثلة عن هذه الكتابات التي يرثي فيها أحد الأشخاص والده.(14) ولو أننا استبدلنا تلك الحروف بالحروف اللاتينية لقرأنا كلمات الرثاء كالتالي:
Lo bavo, lo bavo, lo bavo
Bavo çima felekê ha kir
Felekê sere xwe li min ba kir,
Avê min mirî ye, mala min xirav kir.
Bavo, min belengazî min sefîlî min sergerdan.
Bavê min miriye ez bûme sefîl.
Bavo bavtî tîştekt çê ye,
Kurtî bavtî zîneta rû erdê ye,
Bavo cinnet cehnem destê Xwedê ye
Bavo te yekê ne çê kir,
Te mala xwe ji mala min cihê kir.
وبعد ظهور الإسلام ودخول الأكراد في الدين الإسلامي انتشرت الكتابة العربية بينهم رويداً رويداً. من الكتاب والشعراء الذين دوّنوا مؤلفاتهم بالخط العربي نذكر: علي الحريري، والملا أحمد الجزيري، وفقي طيران، وملا الباتي، وأحمد خاني، ولما كانت الحروف العربية عاجزة عن تلبية تلك الصوتيات الموجودة في اللغة الكردية فقد أضافوا إليها حروفاً من ابتكارهم وقد حذوا حذو الفرس في أبجديتهم العربية.
والحروف العربية هي كالتالي:
ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق ك ل م ن ه و ي
ويبدو أن الحروف الكردية التي لا يمكن التعبير عنها بالأبجدية العربية هي:
g, ç, j, i, û, v, p. لذلك وضعوا حروفاً جديدة لتمكينها من أداء هذه الوظيفة الصوتية كالتالي: ك g ، ب p، ج ç، ز j، ف v.
الأبجدية الكردية اللاتينية:
حسب المعطيات المعرفية يعود تاريخ تداول الأمم الأبجدية اللاتينية إلى قرابة /2700/سنة سبعمائة وألفي سنة. وفي مدى هذه الأعوام طرأت تبدلات سياسية في الشرق الأوسط كان لها أثرها على الشعب الكردي. وفي هذه المتغيرات السياسية على الرغم من كل شيء كان الأكراد- كما يبدو لنا- ملمين بسبع أبجديات في أقل تقدير وهي: “المسمارية- الفهلوية القديمة- الآفستية- الماسيسوراتية- العربية- اليزيدية”. ولكننا حتى مطلع هذا القرن لا نجد إشارة إلى تغيير الأبجدية العربية واستبدالها بالحروف اللاتينية. وقد كتبوا في مدى قرون طويلة بأجناس من الأبجديات. واستناداً إلى آراء بعض اللغويين والمؤرخين كانت للأكراد أبجدياتهم الخاصة. ترى لماذا رأى الأكراد في إطلالة هذا القرن أن تبديل الأبجدية العربية باللاتينية أمر ضروري وملحّ؟.
وحسب يقيني فإن أسباب الدعوة الجوهرية إلى هذا التغيير تتلخص فيما يلي:
في خلال القرنين الماضيين حدثت في أوروبا تطورات كبيرة في ميادين الصناعة والعلوم والتكنولوجيا وكانت الدول الأوروبية تحصد مزيداً من الانتصارات العلمية كلما مرت الأعوام وتزداد قوة وبأساً وكانت الدول المضطهدة لا تستطيع ان تنال حريتها وكرامتها من غير دعم أوروبي وكانت الدول الأوروبية تؤازر وتعضد المسألة القومية حيثما وجدت من العالم وكانت تدعم وتؤيد جميع الفئات التي تناوئ الدولة العثمانية وتحاربها. وكان للرياح التي هبَّتْ من الغرب أثرها العميق في نفوس المتنورين في استانبول ضمنهم المتنورون الأكراد وكان جمع غفير من المتنورين الأكراد قد هجروا ديارهم جراء جور السلطان عبدالحميد وحاشيته واقاموا في البلاد الغربية لاجئين واختلطوا بالشعوب الأوروبية وتأثروا بهم وانتفعوا بعلومهم في التربية والفلسفة وغير ذلك وعلى الرغم من أن الأبجدية العربية لم تكن وافية بالغرض فإن الأكراد ثابروا على التمسك بها قروناً طويلة.. وللأسباب الآنفة الذكر جذبت الأبجدية اللاتينية اهتمام أولئك المتنورين. أحد أولئك المتنورين الذين أولوا قضية اللغة بالهم هو الدكتور عبدالله جودت.
في عام 1913م كتب الدكتور عبدالله جودت في مجلة “روزي كرد” داعياً الأكراد إلى تغيير أبجديتهم لأن الأبجدية العربية لا تستجيب للصوتيات الكردية اللغوية وفي تلك الأيام جرت بحوث ومحاورات مطولة بين أعضاء “جمعية الأمل لطلبة الأكراد” (هيفي) (Kurd Talebeyî Hêvî Cemiyetî) بصدد هذا الموضوع. يقول صالح بدرخان وهو أحد متنوري ذلك العهد: إن الأبجدية المؤلفة من /32/ إثنين وثلاثين حرفاً التي تكتب بها التركية العثمانية ليست كافية للكتابة الكردية.
لذلك فقد أضاف صالح بدرخان إلى هذه الحروف ثمانية حروف أخرى لتصبح الأبجدية العثمانية /40/أربعين حرفاً و بها كتبت كتابات في مجلة “روزي كرد”(15).
وحسب ما يرويه كمال بادلي فإن المتنورين الذين كانوا مُعنين بمجلة “روزي كرد” كانوا يسعون إلى إنجاز أبجدية قريبة من الأحرف اللاتينية. إلا أن الحرب الكونية الأولى لم تدعهم يكملون صنيعهم (16).
ومهما يكن من أمر فإن سؤالاً يخطر على البال:
تُرى كم أهتم أولئك المتنورون بالأبجديات التي كانت وسيلتهم في الكتابة؟ وهل فكروا في تلك الأبجديات وتساءلوا هل هي صالحة لتلبية جميع الصوتيات الكردية؟ ربما كانوا قد فعلوا ذلك كما فعل الدكتور شفان الذي يقول: “لقد كان للأكراد أبجديتهم الخاصة قبل البدء بالدعوة الإسلامية وما زال الأكراد اليزيديون حتى الآن الكتابة بهذه الحروف وقراءتها. وأي ضير في أن نصرّ على الكتابة بهذه الحروف نظراً لقيمتها التاريخية الكبيرة.(17)
ومن المعروف أن اليهود والآشوريين والأرمن يمارسون كتابتهم حتى الوقت الراهن بأبجدياتهم الغارقة في القدم باعتبارها رمزاً يدل على الحس القومي.
بعد أن وضعت الحرب الكونية الأولى أوزارها اندحرت بعض جيوش الدولة العثمانية فأبرم السلطان العثماني مع الدول المنتصرة معاهدة في “موندروس” لوقف القتال واللجوء إلى الهدنة، فاستغل الأكراد أحوال البلاد المضطربة وضعف الدولة فأسسوا جمعية “تقدم (ازدهار) كردستان” (Kurt Tealî cemiyeti). نُشرتْ بحوث في بعض الأعداد من مجلة “زين- الحياة” (1918-1919) لـ”جمعية تقدم (ازدهار) كردستان” غير الرسمية عن الصعوبات والمعوقات في كتابة اللغة الكردية بالحروف العربية. يقول كتاب مجلة “زين-الحياة” معبرين عن همومهم وآرائهم بهذه الجملة: “ماذا يسعنا أن نفعل إزاء لغة آرية ترتدي ثياب أبجدية سامية”؟.(18)
وبعد انتهاء الحرب الكونية الأولى وضع الميجر أ.ب. سوان أبجدية توافق اللغة الكردية ونشر كتابين بهذه الأبجدية. والكتابان هما: “Elemantary Kurmanjî Grammar” بغداد،1919، و “Kitabi Awwalamini Qiraati Kurdi”، 1920م، وهذه الأبجدية لم تلق رواجاً بين الأكراد.(19)
جلادت بدرخان والأبجدية الكردية:
جهود ما قبل مجلة “هاوار”:
في شهر كلاويز عام 1919م تم التوقيع على معاهدة سيفر التي نصّت على إقامة شبه دولة كردية “نصف دولة”. فنتج عن ذلك تضارب بين المطالب الكردية والأرمنية في مسألة الحدود. لذلك عينت الجهات الأرمنية مجموعة من الزعماء الأكراد الذين يعيشون على الأراضي الأرمنية للمشاركة في تعداد السكان ومعرفة النسبة بين النفوس الأرمنية والكردية.
وكان الميجر الانكليزي نويل رئيساً لهذه الهيئة وكان الشقيقان الأمير جلادت بدرخان و الأمير كاميران بدرخان يمثلان الطرف الكردي وقد حضرا من حلب إلى أنحاء “سروج” و”عنتاب” وفي شهر أيلول من عام 1919م يقصدان “ملاطيا” وكان أكرم جميل باشا قد اتصل بهما قبل مغادرتهما حلب. ويبدو أن عدداً كبيراً من أعضاء جمعية “تقدم (ازدهار) كردستان” قد التقوا في “ملاطيا” لتنظيم التحرك الكردي(20) وكان عبدالرحيم رحمي الهكاري أحد أولئك الذين وصلوا إلى “ملاطيا” وكان الميجر نويل يتلقى على يده دروساً في اللغة الكردية.
إن الغاية من هذا السرد التاريخي هي أن هذه الزيارة كانت ذريعة إلى إحداث الأبجدية اللاتينية الكردية التي ابتكرها الأمير جلادت الذي كتب في أمر هذه المسألة قائلاً:
في عام 1919م. كنا نسير بين شعاب الجبال حتى وصلنا إلى ديار عشيرة “رشوان”… وكان الميجر نويل الانكليزي مرافقاً لنا. وكان يتقن اللغة الكردية بإحدى اللهجات فرغب أن يتعلم لهجة “الشمال” وكان يسعى إلى ذلك ويدوّن كل ما يتعلمه. أما أنا فكنت أجمع القصص والحكم والأمثال التي اسمعها من أفواه الأفراد وأسجلها على الورق بالخط العربي وكنت أنا ونويل نعيد النظر الى ما كتبناه ونقرأ ما كتبنا. فكان هذا الرجل الانكليزي يتلو ما كتبه بكل يسر.. أما أنا فقد كانت قراءتي عسيرة وبطيئة وكنت أجد مشقة في التفريق بين (û) و(o) و (î) و(ê) فما علة ذلك؟. لقد كان الميجر يستخدم الحروف اللاتينية وكنت استعمل الحروف العربية.(21)
عندئذ اتخذت قراراً بإنشاء أبجدية لاتينية تستجيب لجميع الألفاظ الموجودة في اللغة الكردية.
ولدى هذا القرار برزت أمام الأمير بعض المتاعب لأن الأبجدية اللاتينية مؤلفة من /26/ستة وعشرين حرفاً وهذا العدد من الحروف لا يلبي أغراض الكتابة باللغة الكردية. وهذه هي المرة الأولى التي تكتب لغة “هندو-أوربية” من بين مجموعة اللغات الإيرانية بالأحرف اللاتينية.
يقول الأمير جلادت إنه بدأ الكتابة بالحروف اللاتينية فوجد الأمر على غاية من الوضوح والسهولة ولكن بعض الصعوبات اعترضت سبيله فاضطر للإستعانة بالحروف اللاتينية المركبة (diftong) مثل: (ou, ch, ai, …)، لا ندري كم كان عدد حروف هذه الأبجدية.. إلا أنه بعد زمن وجيز أخرج أبجديته من هيمنة الحروف اللاتينية مقتبساً بعض الحروف والرموز اليونانية والروسية المستقلة وهكذا أصبحت الكلمة الكردية تقرأ كما تكتب. وهذه الأبجدية مؤلفة من /36/ستة وثلاثين حرفاً.
يبدو الأمير جلادت وهو في غمرة أعماله في خلال زهاء ثلاثة أعوام كثير الاهتمام بقضية هذه الأبجدية.
في عام 1922م أصدر الكماليون قرار حكم بالإعدام عليه وعلى أخويه- لذلك فقد غادر الأمير جلادت وكاميران تركيا وهاجرا إلى ألمانيا. حيث درس الأمير جلادت الحقوق وهو يتابع اهتمامه بالأبجدية.
يقول الأمير جلادت:
“في عام 1924م وأنا في ألمانيا أعدت النظر إلى الأبجدية وبحثت ودققت في كل جوانبها فبدا لي أن هذه الأجناس من الحروف “اللاتينية واليونانية والروسية” لا تربطهما وشيجة وليس بينها أيّ تناغم وهي في الوقت نفسه تشوه مظهر الأبجدية فحذفت ما كان زائداً عن الحاجة واحتفظت بحرفين ضروريين لم يكن بد من وجودهما فأصبحت حروف الأبجدية /34/أربعة وثلاثين حرفاً وعلى ذلك استقرت واستقامت.(22)
في عام 1925م غادر الأمير جلادت ألمانيا قاصداً الديار المصرية ومن مصر إلى لبنان حيث يقيم عمه خليل رامي. الذي كان أحد القوميين البارزين في ذلك العهد ومن مؤسسي “خويبون”. وكانت “خويبون” تتطلع إلى ثورة في كردستان الشمالية، ولكن بعد إخفاق انتفاضة “آكري” اتضح لها أنها عاجزة عن تحقيق ذلك الهدف.
كان للأحداث التي جرت في خلال أعوام 1925-1930م أثر كبير في نفس الأمير جلادت، فبدأ بعد هذا التاريخ يلقي جل اهتمامه على مسائل اللغة وحل معضلاتها “في اللهجة الكرمانجية”.
كان الأمير جلادت واللغوي الكبير المعروف توفيق وهبي “من كردستان الجنوبية” يلتقيان في سورية لتفادي النواقص والخلل في اللهجة الكرمانجية والصورانية والتقريب بينهما ويتباحثان لوضع أبجدية لاتينية مشتركة لهاتين اللهجتين. ولكن توفيق وهبي عاد إلى العراق قبل أن تثمر هذه الجهود.
المصادر والمراجع:
1. E. M. Diyakonov, Tarîxê Mad, r. 339, wergera Farisî, 1345, Tehran.
2. Yê ji Heredot neqil dike, Borekeyî Sefîzade Seddîq, Mêjûy Wêjey Kur-dt-I, r.18, 1991, Baneh, Kurdistan.
3. Borekeyî Sefizade Seddîq, Mêjûy Wêjey Kurdî-I, r.15-16, 18,1991, Baneh Kurdistan.
4. Borekeyî S.S., and, r. 22-23.
5. Campbell , C. L, Compendium of the World””s Languages, Vol I, p. 2 26, 2993, London .
6. Borekeyî S.S., and, r. 17.
7. Soran Sineyî, Qewalla Konekani Hewraman Kontirtn Belgeyî Nûsra-wî Ziwani Neteweyî Kurd ke ta êsta dozrawe-tewa, Sirwe, hej. 67, r. 41-45, 1991, Wirmiye.
8. Borekeyî. S.S., and, r.19.
9. Borekeyî.. S.S., and, r.20.
10. Musa Anter, Ferhenga Khurdî-Tirkî/Kûrtge-Tûrkge Sözlûk, r.164, 1967, Istanbul .
11. şêx Muhamed Merdûxî Kurdistanî, Tarixa Kurd û Kurdistan, wergera Ebdilkerim Mihemed Seid, r. 302, 1991.
12. şêx Muhamed Merdûxi Kurdistani, and, r.81.
13. Borekeyi Sefizade Seddîq, and, r..20.
14. Borekeyî S. S., Nameyî Ferhengê Iran-Defterê dovom, r. 16 (222)
15. Malmîsanij & M. Lewendî, Li Kurdistana bakur û H Tirkiyê Rojname-geriya Kurdî 1908-1981, r.56, 1989, Uppsala .
16. Badilh Kemal, Tûrkge îzahh Kûrtge Crameri, s. 23, îkinci baski 1992, MED Yayinahk, Istanbul .
17. Dr. şivan -Adara 1971-, di pêşgotina kitêba “Zmanê Kurd” de, r. 15, 1976, Kava Yaymlan, Istanbul .
18. Jîn 1918-1919, Cild I, r.6, ji Pêşkêşiya M. E. Bozarslan, 1985, Weşan-xana Deng, Uppsala .
19. Cemal Nebez, Zimanî Yekgirtûyi Kurdî, r. 79, III, 1976, Almanya
20. Ekrem Cemîl Paşa, Muhtasar Hayatim, s. 42-43, Beybûn Yaymlan, 2. baski, 1992.
21. Hawar, jimar 13, Pêşgotinek, r. 1-2, ji pêşgotina Mihemed Bekir ya di qapa nu ya Hawar 1-9 de, hatiye girtin, r. XXI, Weşanxana Hawar, 1987, Stockholm .
22. Hawar, jimar 13, Pêşgotinêk, r. 1-2.
*نقلاً عن مجلة “زند” (مجلة المعهد الكردي)، الصيف 1994،العدد:2. استانبول.