ريزان أحمد بالو هو أصغرأولاد الشاعرالراحل ملا أحمد بالو الأربعة ورثَ عن والده ِالتواضع والهدوء يتجلى ذلك واضحاً في علاقاته ِمع أصدقائه ِومع كل من يتعامل معهُ ترك العمل السياسي منذ سنوات وانصرف للعمل لتأمين لقمة العيش وبقي هاجسه ُتحقيق حلم والده :
أن ترى دواوينهُ الشعرية النور يتداوله ُالشعراء الشباب ويتناوله النقد
في قرية (سيراجور) التابعة لمدينة بالو في كردستان الشمالية عام 1920م ولد الشاعرالراحل وينتمي إلى قبيلة الكمالي من الزازا عاش يتيم الأبوين في كنف أعمامي بعد استشهاد جدي محمد مصطفى في ثورة الشيخ سعيد بيران 1925م ووفاة جدتي 1928 م وكان عمره ثماني سنين ويتناول سيرته ُخلال هذه الفترة في إحدى قصائده حينما يتحدث عن معاناته وهروبه من ظلم وقساوة أعمامه إلى قرية (سويركي) ويصف رحلتهُ إلى ماردين كيف اجتاز السهول والبراري نام فوق أغصان الأشجار خوفا من الحيوانات المفترسة ومن ثم مكوثه في المشفى أكثر من شهرين وبعد خروجه من المشفى يتعرف على بعض أهالي قرية (ويسيك) فيرافقهم إلى هناك حتى عام 1936 وفي هذه الفترة تعرف على الشخصية الوطنية جميل سيدا الذي كان يكبره في السن فأرشده للتوجه إلى قرية خزنة طالباً للعلم على يد الشيخ عزالدين أحمد الخزنوي ليتعلم قراءة القرآن وأصول الفقه واللغة وقواعدها من نحو وصرف
كانت حياتهُ سلسلة من المتاعب والحرمان والمرض حيث عمل راعياً في قرية (ويسيك) و إماماً ومدرساً في قرية (خربي حسي) وفي قرية (بلة) وعامودا اشتغل في تجارة الكتب حتى استقر في حي المحطة ليعمل حارساً للقمح والشعير قبل بناء الصوامع وقضى العقد الأخير من عمره طريح الفراش يعاني من مرض عضال ألم به دون أن يشعر بأوجاعه غيرافراد عائلته و بعض أصدقائه المقربين ولايمكنني أن أنسى وقفة الشيخ عبدالرزاق جنكو الذي لم يتوانى في مساندته كذلك المرحوم أحمد حسين الذي رافقه إلى دمشق أثناء محنته تلك …
*وعن نزعته القومية يقول ريزان بالو :
كان يرى في الخلاف شر وفي الاختلاف سنة وكانت تربطهُ مع جميع شرائح وطبقات المجتمع وأصحاب الرؤى المختلفة علاقة مودة واحترام ويستمع برحابة صدرالى الجميع من بينهم ملا حسن كرد الذي كان يتردد عليه كثيراً ليتعرف عن كثب على تاريخ الكرد ومعاناتهم هذا ثم اتسعت دائرة علاقاته مع الأدباء والساسة الكرد زاد من اطلاعه على معاناة شعبه مما مادفعهُ إلى الكتابة باللغة الكردية والاهتمام بالقضية القومية لشعبه كفريضة شرعية – حسب رأيه – وكان مقتنعاً بأن ( الاهتمام بقضية شعب مظلوم هو من روح الاسلام والدين )
كان ينتقد بشدة حالة التشرذم والانشقاقات التي تشهدها الأحزاب الكردية في سورية ويدعو إلى التوحيد والوقوف صفاً واحدا ًفي وجه أعداء شعبه ِ والتخلي عن المصالح الشخصية
كان معجباً بشخصية القائد الكردي مصطفى البارزاني ويعتبرهُ أحد أهم رموز الأمة الكردية عبر التاريخ لأنه ضحى بكل غال ٍونفيس من أجل نصرة قضية شعبه المضطهد
وقد وقع على الأرض عند سماعه بنبأ وفاة البارزاني وارتطم رأسه بالأرض مما سبب له جرحا
أبديا في قلبه ورأسه وبسبب مواقفه ودفاعه المستميت في المجالس عن قضية شعبه الكردي تعرض للضرب المبرح من قبل بعض المتصوفة في بلدة عامودا نجا بصعوبة من بين أيديهم
وتعرض للاعتقال من قبل السلطة أكثر من مرة بسبب مواقفه الوطنية الجريئة
*أما عن نتاجه الأدبي تحدث – بعد أن أطلق زفرة طويلة – قائلا:
كان والدي يتقنُ إضافة إلى لغته ِالأم ولهجاتها 🙁 الصورانية و الزازية والكرمانجية ) اللغات العربية والتركية والفارسية وهذا ما أثرى قاموسهُ اللغوي ساعدهُ في كتابة ِقصائد لا تشبهُ غير روحه ِفكان يشتغل بتأن على قصائده ِوملاحمه التي تزخربالمفردات والصور والأغراض الشعرية وتكشف أبعادها الجمالية والإنسانية والبلاغية
مايحزُّ في النفس أننا فقدنا الكثير من أعماله نتيجة تنقلاتنا الكثيرة من مكان إلى آخر ناهيك عن مداهمات المخابرات المتكررة على بيتنا في أواخر الخمسينيات والستينيات من بينها كتابهُ المترجم من اللغة الفارسية إلى الكردية (بندي عطار) – حكم عطار- للشاعر الفارسي المعروف فريد الدين عطار كما رواه ُلي صديق والدي الأستاذ الكاتب دحام عبدالفتاح
بين أيدينا الآن سبعة دواوين شعرية هي : برينا نشتماني- جفينا نمرا وهي ملحمة طويلة – جفينا نمرا وشورشي كوردا – بير وباوري – بهلوي وجفينداري – باغي أفيني – باعي نشتماني
وقاموس كردي – تركي
كما ألفَ كتاباً في قواعد اللغة الكردية معدّ للطباعة منذ سنوات ولا أخفي عنك بأني عرضت فكرة طباعته ِعلى أكثرمن شخصية سياسية وعلى فعاليات ثقافية واجتماعية لكن – دونما جدوى – أودُّ أيضاً أن أشير الى أن بعض الأصدقاء المعروفين بصولاتهم وجولاتهم في الساحة الثقافية تهربوا – سامحهم الله – من هذه المسؤولية الوطنية والتاريخية تحت ذرائع واهية وثمة من طلب مني مبلغاً من المال مقابل كتابة قصائده ِمن الحروف العربية إلى الحروف اللاتينية
له ديوان وحيد مطبوع بعنوان : dewr u gera kurdistane
وأتوجه بالشكر والعرفان للصديق الدكتورعلاء الدين جنكو الذي قام بتأليف كتاب (ملا أحمد بالو) يتناول فيه ِسيرته الذاتية ضمَّ بين طياته ِقصائد الشعراء المشاركين في أربعينية الشاعر الراحل الذي أقيم في بيتنا منهم : سيداي تيريج – وكجا كرد – وكاسي – ودلدارميدي وكان المرحوم فرهاد جلبي قد قرأ قصيدة من قصائد الشاعر بالو في هذه المناسبة وقام ِمشكوراً بترجمة الكتاب إلى اللغة الكردية الشاعر عزيز غمجفين
هنا توقف ربزان بالو لبرهة – ثم أردف – بصوت خافت :
لقد ظلم والدي في حياته ِولم يحظى بالشهرة التي حظي بها بعض الشعراء من مجايليه – مع احترامي للجميع- رغم أن قصائده لا تقل أهمية عن قصائد هؤلاء مرده ُ انتماءاتهم الحزبية من جهة وعلاقاتهم الشخصية مع أصحاب الشأن من جهة ثانية أما والدي فلم يلتزم بتنظيم حزبي معين بل كان همهُ خلاص شعبه من الظلم في عموم كردستان وهذا مايكتشفهُ القارئ في ديوانه المطبوع (دور وكرا كردستان) تصور لو أن دوواينه نشرت في وقتها لكان لنا الآن حديثا آخر
وأود أن ألفت انتباه القارئ الكريم إلى مفارقة تثير الدهشة والاستغراب عانى منها والدي ودفع ضريبتها : حينما اعتبرهُ المتصوفة مرتدا وملحدا وبعض القوميين الكرد متخلفاً ورجعياً
وظلم والدي بعد موته ِأيضا حينما تقاعس الجميع في طباعة ِدواوينه ِونشر قصائده ِبالرغم من ولادة أكثر من منبر إعلامي حزبي وأكثر من مؤسسة اجتماعية ثقافية في داخل البلاد وخارجه – ومايؤلمني حقاً أن تبقى نتاجاته في الظلمة ولم تبادر أية جهة – حتى الآن- إلى تبني فكرة طباعة أعماله في الآونة الأخيرة ثمة مبادرات من قبل بعض الأصدقاء تثير الفرح عندما ابدى بعضهم مشاركتي في هذا الحلم
وعن رأيه بتكريم الشاعر أحمد ملا بالو بعد عشرين سنة من رحيله يقول ريزان :
بالتأكيد (أن تأتي متأخراً خير من أن لا تاتي) كما يقول المثل
لايسعني إلا أن أشكر إدارة ملتقى نرجس الثقافي الاجتماعي التي تسعى إلى تحريك الركود الثقافي من خلال الغعاليات المتميزة التي تقيمها واشكر مركز محمد شيخو للثقافة والفن الذي هيأ لنا المكان وأسهم في نجاح هذه الفعالية واسمح لي أن استغل هذه المناسبة لتوجيه كلمة عتاب إلى قيادات الأحزاب الكردية في سوريا من أجل أن تعيد النظر في علاقاتها مع المثقفين الكرد فهناك أسماء وقامات إبداعية عالية وأصحاب مواهب فاعلة في المشهد الثقافي الكردي لكنها (مغيبة) بسبب اختلاف الرأي بينها وبين القوى المهيمنة ولابد أن تسعى هذه القيادات إلى إيجاد علاقة جديدة مغايرة تستجيب للراهن المتغير وينال المبدع الحقيقي مايستحقه وهو على قيد الحياة
قد نختلف في العديد من القضايا السياسية لكننا لن نختلف على إبداعات هؤلاء :
جلادت وكاميران بدرخان وجكرخوين واوصمان صبري ونورالدين ظاظا وملا نامي وتيريج وكلش وملابالو وملانوري هساري ….