إبراهيم محمود
فرحتُ كغيري من بني جلدتي من الكرد، بظهور شبكة اتصالات حديثة ” كورد- تيل”، موضوعة في خدمة كل كردي، كما في الكتلوك المرفق بهذه الشبكة، والذي نشر نصُّه في مختلف المواقع الالكترونية ذات الشأن لتعميم الفائدة على الجميع! وبصريح العبارة، فإنني- وكغيري من بني جلدتي الكرد أيضاً- لم أدَّخر جهداً في التأكيد على أهمية شبكة اتصالات كردية كهذه، يمكن لها أن تقوم بمهامها المعتبَرة والمنتظَرة بفارغ الصبر في الربط بين الكردي والآخر، وبأسعار زهيدة كما فهمت من الدعاية الخاصة بالشبكة، والأهم من ذلك، هو أنها ظهرت كمولود تقني في عالم الميديا وميدان تنافساته، وباشتراكات كردية،
أي شركة مساهمة مغفلة حرصاً على السلامة الأمنية للمشتركين، وهو يدل على مدى تنبه الكرد إلى خطورة وسائل الاتصال في عالمنا الحديث، ودورها في توثيق الروابط بين أهل اللغة الواحدة حديثا! ومن بين المزايا التي شُدد عليها هو أولاً، محاولة إظهار الصوت نقياً، صافياً، مسموعاً بدقة عالية، والمزْية الثانية، والأهم، ظهور الصورة على الشاشة الصغيرة في صحبة الصوت! لا أدري لماذا أنا متشائم، أو أنه يجب أن أظل متشائماً، فأسخط على الظروف أم على أمور أخرى تعنينا ككرد حصراً، إذ إن محاولة الاعتماد على هذه الشبكة، لم تحقق بغيتها، فما أشيع حوله بصدد سرعة الاتصال وقوة الشبكة كان وهماً. إذ ما إن تحاول كتابة رقم ما، أو تحفظ لديك رقماً لشخص يعنيك أمره، أو يعنيه أمرك، قريباً منك أو بعيداً، وتتهيأ للاتصال، حتى تقفز إلى الشاشة البيضاء الصغيرة عبارة وامضة ” الشبكة مشغولة”، أو تسمع صوتاً أنثوياً يفيض رقة وعذوبة: عزيزي المشترك ، أعد الاتصال بعد قليل من فضلك، وهو صوت مخصَّص لصنف الرجال، أما حين يكون المتصل امرأة، يكون الصوت الرنان بجهوريته صوت رجل: عزيزتي المشتركة، أعيدي الاتصال بعد قليل لو تكرَّمت ِ، وهذا التفريق التقني كان لافتاً حتى بالنسبة للذين لديهم باع طويل في حقل شبكات الاتصال من أهل اللغات الأخرى. هذا التفريق كان سبباً لإعادة الاتصال مراراً وتكراراً، ليس رغبة في الاتصال، إنما حباً في الصوت، أو ينقطع الاتصال في الحال، الأمر الذي أقلق المتصلين، وهذا من حقهم، إذ لماذا يحصل خلل تلو خلل. اللافت في عملية الاتصال، ما يتعلق بالصوت والصورة معاً، أما الصوت، فإن الاتصال ما إن يتم، وفي الغالب، حتى يتردد على الأثير صوت بين الجعير والفحيح وانفجار قنبلة، له دوي يؤثر مباشرة على غشاء الطبل، أما الصورة، فإن مجرد الدفع بالرقم إلى التفعيل، تظهر صورة وجهية، وليتها لم تظهر، أحياناً ينقسم الوجه، وأحياناً أخرى، يكون الفم فوق مستوى العينين، ويصبح الأنف محل الأذن، وأحياناً ثالثة، يصيب شرخ الوجه كاملاً، ويصبح نصف في الأعلى ونصف في الأسفل، كما هو وضع الشطيرة، ولكنها الشطيرة التي تخيف وأي إخافة طبعاً!! الأنكى من ذلك، هو حين محاولة أحدهم الاتصال باسم مهمٍّ، حيث يكون الاتصال به أصعب من الاتصال بأحد الساكنين في الكواكب الأخرى، من خلال الأصوات المزعجة التي تنبعث من الجهة المقبلة، والمحظوظ هو من ينجح في اتصال ما، ولكنه سرعان ما يرتد خائباً، لأن الاتصال لا يتم، وهو لا يتعدى أكثر من السلام الاعتيادي، أما لحظة الدخول في الكلام المطلوب، يحصل الانقطاع مباشرة، وتقفز عبارة أخرى إلى الشاشة البيضاء” ثمة خطأ في الاتصال”، ليكون الآخر في عداد” خارج التغطية” ولأكثر من مرة، ولا يعود من أي إمكانية للاتصال ولو حتى من باب السلام.. وكل الوعود بتدارك حالات الخلل لم تثمر، وكل الاعتذارات عن الأخطاء الحاصلة لم تحِل دون إثارة ردود أفعال عنيفة! تكون السرعة اللافتة بعد منتصف الليل، سرعة غير مألوفة في شبكات الاتصال الأخرى، إنما في العلاقات بين الذين يكون همهم الرئيس هو كيفية البحث عن شخص آخر، والدخول معه في دردشة وحتى من العيار الثقيل.. وبخلاف كل الشبكات الأخرى، لم تتوقف هذه الشبكة عن الاستمرار، على مدار الساعة، سوى أن صعوبة الاتصال وانقطاع الصوت أو استحالة المتابعة، كانت تفسَّر من قبل المعنيين بالشبكة، بأن ذلك بسبب الضغط على الشبكة هذه.. يبقى السؤال الجدير بالطرح، هو: هل في وسع شبكتنا الموقّرة أن تصمت لزمن معلوم، وأن تحصّن نفسها من لعنة اللاعنين، وسخط الساخطين، وحيرة الحريصين على لغتهم ومحبتهم لها، وما يدخل في الحسبان أولئك الذين لا يكفّون عن أنهم وراء هذه الشبكة من أهل الحسَب والنسَب الكرديين؟ هل سيلام الكردي، وهو في حيص بيصه الكردي المريع، أن يتحول إلى شبكة أخرى، ويستطيع الاتصال بمن يريد، ولو أن ذلك لا يحدث بسهولة، ولكن الحال أهون، والسخط يكون أخف، والتكلفة تحديداً، تكون أقل بالمقارنة مع ” كورد- تيل”!