سيمفونية الأمل

نارين عمر

تي… تي… هيه… ها
آهٍ ما هذا الصّراخ المزعج؟ ما هذه الموسيقا الصّاخبة التي نسمعها
منذ ولوج خيوط الفجر محرابَ الشّمس المزهوّة وحتى غفوتها الأبدية
فيها؟؟
متى سنتعوّدُ عليها؟
أرجوكِ عزيزتي. اجلسي, اهدأي, ارحمي نفسكِ وارحمينا من صراخكِ
المتصارع مع صرعات زمننا القادر.
نامي, دعي النّومَ يداعبُ جفوننا ولو للحظات.
الليلُ ما زالَ صاحياً, والفجرُ غافٍ بين أحضان أحلامه. لكنّها تعاودُ
ترديدَ نغماتها الخاصة بها وحدها والتي اكتسبتها من تعاريج
الحياة المائلة
بعد أن تكون قد سكتت برهة فقط لإراحة حنجرتها من الصّدأ الذي
صادها منذ سنين و نحن الذ ين نعتقد أن تهديداتنا قد أفزعتها
لتبدأ مع ساعات النهار الأولى رحلتنا مع نغماتها المتلاحقة والتي
لا تقطعها سوى دقائقَ مخصّصة لتناول الطّعام أو لتحرر حنجرتها من
الصدأ الملا حق لها.
لتنطلقَ من جديد بمعدلٍ مضاعف مع دورانٍ حولَ نفسها في الغرفة
وكأنّها مريدٌ غاصّ حتى الأعماق في حبّ الإله فتوهّمَ إنّه يعيشُ لحظاتٍ
يقابلُ فيها وجه ربّه فيدورُ ويدور حتى يسقط أرضاً أو كأنّها تتدرّبُ على
حلقات الذكر التي يعقدها الدّراويشُ تيمّناً بجنّة الفردوس.
– اهدأي يا أختي, أين عقلكِ؟ ولسانكِ الذي كان ينطقُ حكمة وتعقّلاً في أيّ
سردابٍ أودعتيه؟
في المساء وعلى الرّغم من محاولاتها المتكررة مصارعة اليقظة وإلهائها
بالضّربة القاضية غير أن ّمحاولاتها تتقهقرُ أمام تخاذل النّوم وفراره المخجل.
وفي محاولةٍ أخيرةٍ منها ادّعاء النوم تبدو تائهة في مسالكه فيظلّ الرّأسُ
معلقاً في الهواء بينه وبين الوسادة مسافة بيّنة, والجسمُ منحنٍ, بل متقوقع حولَ
ذاته, قدمٌ على حافة الفراش, والأخرى تصطافُ ما بين الأرض والسّماء.
ماذا أصابكِ؟ قبلَ سنواتٍ كنتِ نبتة باسقة في جنّةِ الحيويةِ والنّشاط, ورأسكِ
يتلذذ بعقلٍ يزنُ بلداناً,لا بلداً واحداً.
ألسْتِ مَنْ أبدعتِ عهدَ القيام بدور الأبوين معاً لصغارٍ انجرفَ أبويهم مع تيّار
المنيّةِ باكراً؟؟ ألسْتِ مَنْ غزلتِ من همساتكِ الدّافئة, وهدهداتكِ الملائكية أنغامَ
هدوءٍ وطمأنينة في نفوس الصّغار حتى كبروا؟؟
ألسْتِ مَنْ كنتِ تنعشينَ مسامع الصّغار بحكاياتٍ من نبع ذاكرتكِ, لملمتها من
وقار الوالد حيثُ مجلسه يعجّ بالرّجال؟؟؟
ماذا أصابكِ؟ فقدتِ العقلَ, فقدت الإحساس, ولكن لماذا فقت النّطق؟
صوّبوا سهام لومهم ونحيبهم صوب زوجكِ. ولكن نحن الصّغار الذين كبرنا
ماذا فعلنا؟؟؟ لقد أتممنا الجريمة.
كبرَ الصّغارُ… زاروا… داروا… درسوا… تزوّجوا وأنجبواأطفالاً, لكنّ رحمَ
أحاسيسهم لم ينجب رأفة, ولا شفقة عليكِ.
تمضي الأيّام… خفّ عقلها… آهٍ… ماذا نفعلُ؟ ظروفُ الحياة قاسية……..
تهرولُ الشّهورُ… مخالبُ الآفاتِ تتلاعبُ بتلافيفِ المخ والمخيخ معاً…….
ماذا نفعلُ؟…اللعنة على الزّمان يطحننا في غياهب عجلاته………
و… وووتمضي السّنونُ …لقد تسللَ شبه شللٍ إلى نسائم اليدين والقدمين…
ماذا نفعل؟…؟…ما باليد حيلة.
كبر الصّغارُ وكلّ مشغولٌ بنفسه وهي…؟؟؟ تتموّجُ تبعاً لتيّاراتِ الدّهر وغدره
ما نفعُ وجودكِ عزيزتي؟ كم هو مسكينٌ مثلكِ الرّقم الذي يلفّ كينونتكِ………
لا تفكير… لانطق ينبشُ أعماقَ خاطرك الذي ما عادَ خاطراً, لاحسّ يدغدغ
إحساسكِ الذي ما عاد إحساساً.
– أيُعقلُ أن يغدوَ أحدنا شبه جمادٍ بعدما كان يُشارُ إليه بالبنان, بل بالأيادي
عقلاً ونطقاً وإنسانيّة حقة؟؟؟
كبُرَ الصّغارُ…وكبرتِ, لكنّهم تعلموا فجهلتِ… طاروا, ارتفعوا فسقطتِ, ثمّ
نطقوا فخرستِ.
تنظرين شرقاً وغرباً, وأحياناً شمالاً وجنوباً… تهدين المحيط نظراتٍ ليتني
أتعمّقُ في ماهيتها. أهيَ واعية أم تسللَ إليها الشّللُ الذي غزا جلّ أشلائكِ؟؟؟
تنظرين من النّافذة, تنتظرين عودة الصّغار الذين كبروا بعدما تشيخُ في
أفئدتهم الصّغيرة والتي كبرت الغراس التي انتعشت من نسائم روحكِ فكبرت.
                              

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خلات عمر

لم يكن الطفل قد فهم بعد معنى الانفصال، ولا يدرك لماذا غابت أمّه فجأة عن البيت الذي كان يمتلئ بحنانها. خمس سنوات فقط، عمر صغير لا يسع حجم الفقد، لكن قلبه كان واسعًا بما يكفي ليحمل حبًّا لا يشبه حبًّا آخر.

بعد سنواتٍ من الظلم والقسوة، وبعد أن ضاقت الأم ذرعًا بتصرفات الأب…

خوشناف سليمان

لم تكن الصحراء في تلك الليلة سوى صفحة صفراء فارغة. تنتظر أن يُكتب عليها موتٌ جديد.
رمل يمتد بلا نهاية. ساكن كجسدٍ لا نبض فيه. و الريح تمر خفيفة كأنها تخشى أن توقظ شيئًا.
في ذلك الفراغ توقفت العربات العسكرية على حافة حفرة واسعة حُفرت قبل ساعات.
الحفرة تشبه فمًا عملاقًا. فمًا ينتظر أن يبتلع آلاف البشر…

تلقى المكتب الاجتماعي في الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الكرد في سوريا، اليوم، بحزن، نبأ رحيل شقيق الزميلة رقية حاجي:

نايف أحمد حاجي
الذي وافته المنية في أحد مشافي هولير/أربيل عن عمر ناهز ٥٩ عامًا.

يتقدم المكتب الاجتماعي في الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الكرد في سوريا بخالص العزاء للزميلة رقية حاجي، وللفنان حسين حاجي، وللناشط عبدالكريم حاجي، ولعموم عائلة…

صبحي دقوري

في لحظة ثقافية نادرة، يتصدّر الموسيقار الكوردي هلكوت زاهير المشهد الموسيقي العالمي بعدد أعمال معتمدة بلغ 3008 أعمال، رقمٌ يكاد يلامس الأسطورة. غير أنّ أهمية هذا الحدث لا تكمن في الرقم نفسه، بل في ما يكشفه من تحوّل جذري في مكانة الموسيقى الكوردية ودورها في المشهد الفني الدولي.

فهذا الرقم الذي قد يبدو مجرّد إحصاء،…