في رثاء أكرم

توفيق عبد المجيد

أخوتي وأحبائي وأصدقائي آل أكرم

لا أخفيكم أن الكثير من القراء الأصدقاء توسلوا إلي ّ لكي لا أكون السبب في بكائهم ، بل قالوا لي بالحرف : ارحمنا يا أستاذ توفيق فقد أبكيتنا كثيراً ونحن في ديار الغربة والمهاجر ، ومنذ ذلك اليوم حاولت أن أهدئ من فورة المشاعر والعواطف لديّ لكي لا أكون السبب في بكاء الكثيرين ، لكن ليعذرني أولئك الأحبة الذين أكن لهم كل الاحترام والتقدير أن الإنسان يضعف أحياناً فلا يستطيع الوفاء بالوعد الذي قطعه على نفسه ، وليسمحوا لي بأن أوعز إلى قلمي ليستخرج بعض الآهات والمشاعر من أعماقي ويصبها على الورقة البيضاء وفاء لشخص كنت أحبه وأحترمه واقدره جداً لأنني رأيت فيه ما توافق بل تطابق مع توجهاتي وتطلعاتي ورؤيتي للكثير من الأمور .
لقد كتبت في العام الماضي وفي مثل هذا اليوم وأنا أتلقى النبأ الصاعق الذي زلزل كياني ، كلمة من أعماق قلبي الذي كان ومايزال مطعوناً في داخله في رثاء أكرم ، وهأنذا أعيد الكرة فأكتب مرة أخرى هذه الكلمات في صديق صار من الذكريات .
اعذروني آل أكرم فلا أستطيع الكتابة إلا بهذا الشكل ، ولو تسببت لكم ببكاء يترجم إلى دموع غالية تنزل من أعينكم ، فقد شاركتكم بها ومازلت ، لأنه يستحق منا الدموع المدرارة .
أصدق النظم – أخي أكرم – هو الرثاء لأننا نقوله ونسطره شعراً ونثراً عندما تكون القلوب مفجعة ، وعندما تنهال المصيبة بثقلها على نفوس تعجز عن حملها ، وظهور تنحني أمام هولها ، وقلوب تتشقق وتنزف ألما وحزناً على وقعها .
ستعذرني أخي أكرم وأنت في رحلة ربانية طويلة صوب البرزخ ، لقد وصلت ، بل قاربت على الوصول ونحن مازلنا نحبو ونمشي ونعدو ثم نحبو مرة أخرى ونزحف باتجاه المحطة الأخيرة وقد سبقتنا إليها .
هنيئاً لك في عليائك ، هنيئاً لك في فردوسك ، وكان الله في عوني لأنني ابحث عن الفردوس الذي لم أعثر على طريقه بعد لألتقي بأحبة غادروا بل باكروا الغدو قبل الأوان .
نعم أخي أكرم :
حروفي تحلق في الفضاء الرحب على أجنحة الشوق والحنين إلى أحبة غادروا دون أن يصطحبونا ، غادروا خلسة وفجأة دون سابق إنذار ليصبحوا ضيوفاً على مواطن الهجرة والمنافي البعيدة ، أما كلماتي – أخي أكرم – فهي الأخرى تحاول التمرد على المخرج ، تاركة المجال للعين التي تشخص في الأفق البعيد لتذرف الدموع مدراراً ، لتكتحل أخيراً بمرأى الأحبة في روضة تخلب اللب وتأسر العين .
وبعد رحلة طويلة في أعماق الكون السحيق والسماوات السبعة ، احدودب ظهر النهار وهو يتعكز على قدمه الثالثة ، ليحط الرحال حيث الأحبة ، أما الشراع فقد احتضن العاصفة وقاومها بسلاح الإيمان والعقيدة والشوق العارم للقاء الأحبة ، فتلاشت العاصفة وتحطمت أمواجها أمام هذا الجلد وهذا العناد والتصميم ، ثم ترجل الحرف عن صهوة جواده ، وعادت العين إلى المحجر لتستقر فيه ، وتراجع القلب المحطم المكلوم إلى كهفه ليعلن نهاية حلم الرحلة الكونية ، ووصول العربة إلى المحطة الأخيرة .
25/4/2012

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبد الستار نورعلي

أصدر الأديب والباحث د. مؤيد عبد الستار المقيم في السويد قصة (تسفير) تحت مسمى ((قصة))، وقد نشرت أول مرة ضمن مجموعة قصصية تحمل هذا العنوان عن دار فيشون ميديا/السويد/ضمن منشورات المركز الثقافي العراقي في السويد التابع لوزارة الثقافة العراقية عام 2014 بـحوالي 50 صفحة، وأعاد طبعها منفردة في كتاب خاص من منشورات دار…

فدوى كيلاني

ليس صحيحًا أن مدينتنا هي الأجمل على وجه الأرض، ولا أن شوارعها هي الأوسع وأهلها هم الألطف والأنبل. الحقيقة أن كل منا يشعر بوطنه وكأنه الأعظم والأجمل لأنه يحمل بداخله ذكريات لا يمكن محوها. كل واحد منا يرى وطنه من خلال عدسة مشاعره، كما يرى ابن السهول الخضراء قريته كأنها قطعة من الجنة، وكما…

إبراهيم سمو

فتحت عيوني على وجه شفوق، على عواطف دافئة مدرارة، ومدارك مستوعبة رحيبة مدارية.

كل شيء في هذي ال “جميلة”؛ طيبةُ قلبها، بهاء حديثها، حبها لمن حولها، ترفعها عن الدخول في مهاترات باهتة، وسائر قيامها وقعودها في العمل والقول والسلوك، كان جميلا لا يقود سوى الى مآثر إنسانية حميدة.

جميلتنا جميلة؛ اعني جموكي، غابت قبيل أسابيع بهدوء،…

عن دار النخبة العربية للطباعة والتوزيع والنشر في القاهرة بمصر صدرت حديثا “وردة لخصلة الحُب” المجموعة الشعرية الحادية عشرة للشاعر السوري كمال جمال بك، متوجة بلوحة غلاف من الفنان خليل عبد القادر المقيم في ألمانيا.

وعلى 111 توزعت 46 قصيدة متنوعة التشكيلات الفنية والجمالية، ومتعددة المعاني والدلالات، بخيط الحب الذي انسحب من عنوان المجموعة مرورا بعتبة…