emerkoceri@gmail.com
أنت وأنت :
وأنت منهمك في نزع اللقمة من أفواه السباع في هذا الزمان القاحل… وفجأة يكاد قلبك أن ينفطر ابتهالاً وحبوراً ، تكاد إصبعك تغوص في أثير الهاتف ، فها ثلة من الشباب الكرد يحاولون الاتصال بك ، وانتشالك من الحزن الذي أنت مقيم فيه والظفر بوجودك معهم في رحلة طلابية .
ستنسى أشياءك ، وستؤجل شجونك الخاصة لتشارك هؤلاء الطلبة والطالبات الكرد فرحهم ، وربما وسوس شيطان الشعر في شرايينك ففكرت أن تلقي على مسامع ذلك الجمع الحلو والكبير قصائد في عشق كوجريتك التي فقدتها في يوم ما .. أو عشق الوطن المجسد في عيونها تلك الحبيبة.. الغيمة .
عليك إذن أن تتأهب لتلك الرحلة بأن تمتشق قلمك، وتفرد قلبك الأبيض صفحة بيضاء كرمى لعيون الأحبة العاشقين ، وعليك أيضاً أن تكون أمام باب المدينة الجامعية في ساعة مبكرة من ساعات الزمن .
بالتأكيد لن تنم منتظراً حرارة ذلك اللقاء ، وبسرعة تجد نفسك هناك حيث الليل لم يودع رموش دمشق بعد .
وهناك سترى التي ستقلك إلى ريف حمص راقدة بانتظار من يدفئها ويوقظها وسرعان ما تودع السكينة بفعل زقزقات الطلاب والطالبات ،وهم يتحاورون .. يتضاحكون في حب وإلفة ، وتنطلقون ، وتبدأ الحافلة ببلع أديم الأرض بشراهة واضحة .
نعم فأنتم متوجهون إلى ريف حمص ،وبالتحديد إلى وادي النصارى .. وبالقرب من المكان يغزو الحزن قلبك لأن اللجنة المنظمة بدأت ترتبك، وتضل الطريق ، وتحزن لأنك فقير وتصطاف هذي البلد فقط على شاشة التلفاز وأنت تمر مسرعاً إلى محطات ومحطات .
أنت تسمع بعين الفوار ومرمريتا والمشتاية ودير مار جرجس وعين العجوز، وعين القارة والحواش وقلعة الحصن … تسمع بكل هذه الأسماء من دون أن تفكر بزيارتها والتعرف على معالمها لضيق ذات اليد ، وهذه فرصتك لن تفوتها فأنت مدعو لرؤية أصدقائك، وربما طلابك في الجامعات جميعاً .
الله والكرد ندَّان:
في الطريق ستبقى مأسوراً مدهوشاً غير مصدق جمال الطبيعة الأخاذ حيث الأخضر يزين الجبال بقميص فائق الحلاوة ، وسترى الأودية السحيقة والأبنية الأثرية ن وستأخذك المناظر إلى جبالك التي تركن هناك وراء الأفق ، إنها جبال تتوقد في الذاكرة .. قريبة من الله .
ستأخذك الذاكرة إلى العزيز ” شيركو بيه كه س وستتذكر مطلعاً من قصيدة له يقول فيها: الله والكرد ندان فكلاهما وحيد لاشريك له
و… تودع منغصاتك وتتناسى الشعر لحظة ، فأنت هنا تنشد البهجة ولا سواها ، فهل قطفتها أيها المُعَجَّن بالعذابات .
هاأنت ..هاأنتم تقتربون من المكان .. إنه عين الفوار لا لا عين القارة ..ليس مهماً
طلبة حمص وصلوا ، وها طلبة دمشق، وأيضاً وصل طلبة اللاذقية … وتبقى العيون مفتوحة على وصول طلبة حلب .
تفرشون الأرض بالحب ودفء الطيبين والطيبات ، وتتذكر وتتحسر على أيام كنت فيها طالباً جامعياً حيث لم تكن علاقاتكم معهن بهذه الحميمية ” والدفء ”
عندئذ كانت ثمة جدران بينكم وبينهن ، كنتم رسميين أكثر من اللازم ،أما هنا ترى انسجاماً أنت تحسده بين هؤلاء وهؤلاء .
لقد جاؤوا :
ستظل مشدوهاً لروعة المكان ، ولروعة الدبكات المدارة من قبل الشباب والشابات الكرد ، ومع كل الفرح المفترض ترنو العيون في الأفق بانتظار الأحبة من حلب ..ولم يصلوا ..
ولأنهم تأخروا فقد بدأت الفرقة – وكسراً للملل- بمباشرة الحفلة في المقصف ، ولم يصلوا بعد ..تجتاحك الوساوس والهواجس لكنك لاتلبث أن تخمدها باندماجك مع مسرحية بلغتك الكردية يؤديها شباب وشابات موهوبون وموهوبات .
بعد قليل ستفرحون مجتمعين بوصول طلبة حلب بالسلامة ، وستعم الفرحة الأرجاء .. الأشجار.. الأحجار..
بعد قليل أيها الباحثون عن فرح ما .. سيجتاح فرحكم رجال متجهمون لا يطيقون سماع الرطانة من لغة لا تشبه لغتهم ، ويعتبرونها قنبلة قابلة للانفجار ، فيهرعون على المايكروفون يخرسونه ، وقلوبهم تغتلي حقداً على طلبة حلب الذين خالفوا الأوامر ، وجاؤوا إلى المكان .
ومن جديد يُجْهَضُ فرحك ، وتحس برغبة قوية إلى شربة ماء ، تريد لأولئك الطلاب أن يفرحوا ، ولكن .. فتعود إلى ما يصح أن يكون بيتك والأسى يأكل حتى عظامك …