الفلم الأرمني وشوم جدتي

عرض وحوارات: سيامند إبراهيم

عرض أمس في كنيسة القديس يوسف للأرمن الكاثوليك بالقامشلي الفيلم الوثائقي “وشوم جدتي” للمخرجة الأرمنية السويدية سوزان خاردليان بترجمة مميزة من الكاتب الدكتور أنطوان أبرط وبتنفيذ إبنه الشاب جاك أنطوان أبرط . وقد حضر الفلم العديد من الكتاب الكرد والعرب,  وقد عرض هذا الفلم بمناسبة مرور 97 سنة على المجازر والمذابح التي ارتكبها السلطات العثمانية  ضد الشعب الأرمني العريق وقد امتدت هذه المجازر خلال فترات متفاوتة من   1915ـ 1923.
وتبدأ القصة في أحد الأحياء الأرمنية التي كانت تعيش فيها المخرجة, وخلال عملها في السينما حيث أخرجت العشرات من الأفلام الوثائقية, ومن خلال علاقتها بجدتها حيث اتسمت هذه العلاقة “بالنفور والخوف والارتياب, لتجهمها وعدم الاقتراب منها, ومن بقية الأطفال” ولم تكن تقبل أحد من الأطفال, ويبدأ الفلم حيث تروي قصتها وتلك الأوشام الغامضة المرسومة على وجهها, وتسرد علاقتها مع جدتها, واكتشفت كل شيء في هذه القصة بالصدفة , حيث كانت “أثناء تقليبها أرشيفاً عن تاريخ إبادة الأرمن عثرت على وثيقة  ضمت صور شابات نَجَون منها، وأكثريتهن كانت وجوههن مدبوغة بوشوم تشبه وشوم  جدتها، فخطر على بالها سؤالا عما إذا كانوا الأرمن يوشمون بناتَهُم مثل بعض الشعوب والقبائل في العالم؟. هذا السؤال أحالها الى عائلتها؛ فهي أفضل من يقدر الإجابة عليه.
رحلتها للسؤال عن الوشم بدأت من بيروت، في نفس العمارة السكنية التي ولدت فيها وما زالت بقية العائلة تعيش. في الشروع بعملية البحث رافقها زوجها المخرج والمصور السويدي المعروف (بيو هولمكفيست)، فهما ومنذ مدة يتشاركان في صنع وثائقيات مهمة عن القضية الفلسطينية منها: “فرويد غزة”، “كلمات وحجر ـ غزة” و”غيتو غزة” وفي الواقع فلم يكن عند المخرجة من البحث عن المزيد من هذه القصص الغامضة لهذه الأسرار, فذهبت إلى أمريكا, وإلى أرمينيا وقبلت آخر المعمرات من اللواتي كن جزءاً من ذلك التاريخ المأسوي””   الحقيقة يشعرون بالخزي من تذكره ولهذا كانوا يسكتون عليه، فلم يكن أمام خاردليان سوى الذهاب الى أمريكا لمقابلة أخت جدتها فهي حتما، كما ظنت، ستزودها بشيء عن ماضيها واالوشوم التي على جسدها بخاصة وأنها كانت برفقة والدتها وأختها في جوف القارب الذي نقلهم من ضفة المذبحة الى عمق الصحراء. لم تفلح في تحريك ذاكرة العجوز فقد كانت جزءا من التاريخ المنسي أو المرغوب بقوة في التناسي، وكانت هي أيضاً موشومة بذات الوشوم، ولم تكن توضحياتها عن مصدرها سوى همهمات غامضة ليس فيها من روح الكلام سوى الحروف, وكم كانت النتيجة خائبة حيث لم تستطع العجوز الأمنية سوى سرد بعض من تلك المآسي, قالتها الدموع تترقرق في عيونها, وذهبت إلى منطقة الفرات علها تجد ما تبحث عنه, ومضت لأى دير الزور ومركدة وغيرها وشاهدن بقايا العظام وأخذت سن عظمي من تلك العظام لأولئك المتى الراقدين هناك وهن كل أمل في أن تسرد قصص كل هذه المآسي التي جرت لهم, ومنهن هذه المخرجة التي تسأل العديد من بدو هذه المناطق عغلها تصل إلى ما تطمح إليها في هذه الرحلة الشائكة. ويقول أحد النقاد حيث عرض الفلم في قناة الجزيرة:
“بعد أن أتضح أن صاحب القارب (لم تُحَدد جنسيته، فمرة كانوا يقولون كردياً ومرة أخرى تركياً) قد أخذ الفتاة الصغيرة وأمها وأختها كسبايا، وقد تخذ من الجدة زوجة أو خادمة وأجبرها على وشم وجهها لتُعَلم الى أي قبيلة تعود ملكيتها. ثم وبعد سنوات حررت من أسرِها! وأطلقت وحيدة في البرية، لا أحد يعرف كيف عاشت، و ما إذا تعرضت للاغتصاب؟ هل مارست الدعارة أم اشتغلت؟  كل السنوات التي سبق وصولها الى لبنان مع أولادها وزوجها ظلت سراً لم يتطرق إليه أحد. كان العار والخجل منه يلف حياتهم وكان هذا أكثر ما يغضب الحفيدة ـ المخرجة. في بيروت عاشوا وكأنهم جميعاً ولدوا هناك وفي وقت واحد، بلا ماضي ولا جذور. “أوشام جدتي” هو قصة الجدة وقصة الحفيدة معاً، قصة شعب سُبيّ وما زال يخجل من ذكر ما تعرضت له مسبياته. قوة إقناع “أوشام جدتي” تكمن في فضح الماضي، في القبول بمناقشته كما هو وأيضاً في تجسيده معنى الراحة عند اكتشاف الجذور. جمالياته السينمائية، لم تأت من الصورة، بل من تشعب قصته البسيطة التي بدأت حول علاقة طفلة بجدتها حتى وصلت الى عرضٍ لتاريخٍ  طويل من الفجيعة لشعب تعرض للإبادة وتوزع نسله بين جهات الأرض”.
وبعد عرض الفلم فقد أهدى الكاتب الكردي خليل كالو مجموعة من الوثائق إلى مكتبة الكنيسة وفيها  تؤكد على قيام العديد من العائلات الكردية من حماية واحتضان الآلاف من أبناء وبنات هذه الشعوب التي لاقت الويلات من ظلم وفتك السلطات العثمانية في تركيا..
وفي الختام أجريت هذه الحوارات مع بعض الشخصيات السريانية والأرمنية :
دكتور انطون: هذا الفلم يختلف عن كل الأفلام الوثقائية التي تتحدث عن الابادة الأرمنية , لان معظم الافلام الاخرى كانت تدخل في الجانب التاريخي اوالسياسي ولهذا السبب لم تكن لها التأثير على المشاهد , اما في هذا الفلم فالوضع مختلف حيث يعالج الجانب الشخصي والتأثير هنا أكبر بكثير..
 جورجيت برصوم: الفلم كان مختصر جدا عن المجازر, اعطتنا فكرة عامة عن المجازر..
تانييل بوغوص: فقط اود ان اشكر كل من قام بهذا العمل الرائع ..
رافي:
الفلم حلو, يتحدث عن حياة اجدادنا , كيف عاشوا , ويعلمنا كيف نحافظ على قوميتنا وان نحلم بالعودة الى الوطن الأم , ونحكي هذه القصص لأحفادنا ..
الياس بشارة ترزي باشي: لم يتسنى لي مشاهدة الفلم بالكامل, ولكن بشكل عام يتحدث عن المجازر, وبالمناسبة لي هناك تسعة من أهالي استشهدوا بوحشية في المجازر , يجب ان نطالب بحقنا من خلال كسب الرأي العام العالمي ويجب ان نجبر الاتراك على الاعتراف بهذه الابادة …
شمعون توما: شكرا للمخرجة الرائعة , الفلم كان باسلوب جديد , طبعا هناك افلام وثائقية طويلة , ولكن هذا الفلم اسلوبه جديد , وطريقة عرضه رائعة جدا , هي قصة عائلية لكنها تشملنا كلنا , هذه القصة تتكرر في كل عائلاتنا , واتمنى ان تكون رسالة محبة من احفاد الشهداء الى كل الشعوب بان لا تتكرر هذه المأساة , واينما كنا نحن بناة وليس مخربين ونقول لكل احفاد العثمانيين والسلجوقيين لن نسمح ان تتكرر المجازر بحق شعبنا ..

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

 

فراس حج محمد| فلسطين

تتعرّض أفكار الكتّاب أحياناً إلى سوء الفهم، وهذه مشكلة ذات صلة بمقدرة الشخص على إدراك المعاني وتوجيهها. تُعرف وتدرّس وتُلاحظ تحت مفهوم “مهارات فهم المقروء”، وهذه الظاهرة سلبيّة وإيجابيّة؛ لأنّ النصوص الأدبيّة تُبنى على قاعدة من تعدّد الأفهام، لا إغلاق النصّ على فهم أحادي، لكنّ ما هو سلبيّ منها يُدرج…

عمران علي

 

كمن يمشي رفقة ظلّه وإذ به يتفاجئ بنور يبصره الطريق، فيضحك هازئاً من قلة الحيلة وعلى أثرها يتبرم من إيعاقات المبادرة، ويمضي غير مبال إلى ضفاف الكلمات، ليكون الدفق عبر صور مشتهاة ووفق منهج النهر وليس بانتهاء تَدُّرج الجرار إلى مرافق الماء .

 

“لتسكن امرأةً راقيةً ودؤوبةً

تأنَسُ أنتَ بواقعها وتنامُ هي في متخيلك

تأخذُ بعض بداوتكَ…

 

محمد إدريس *

 

في ذلك المشهد الإماراتي الباذخ، حيث تلتقي الأصالة بالحداثة، يبرز اسم إبراهيم جمعة كأنه موجة قادمة من عمق البحر، أو وترٌ قديم ما زال يلمع في ذاكرة الأغنية الخليجية. ليس مجرد ملحن أو باحث في التراث، بل حالة فنية تفيض حضورًا، وتمنح الفن المحلي روحه المتجددة؛ جذورٌ تمتد في التراب، وأغصانٌ…

 

شيرين الحسن

كانت الأيام تتسرب كحبات الرمل من بين أصابع الزمن، ولكن لحظة الغروب كانت بالنسبة لهما نقطة ثبات، مرسى ترسو فيه كل الأفكار المتعبة. لم يكن لقاؤهما مجرد موعد عادي، بل كان طقسًا مقدسًا يُقام كل مساء على شرفة مقهى صغير يطل على الأفق.

في كل مرة، كانا يجدان مقعديهما المعتادين، مقعدين يحملان آثار…