إذا أردتم حقاً أن تكونوا في مستوى اللقب الذي يعنيكم معاً: فنانين وفنانات، كتاباً وكاتبات، وفي مستوى الهدف الجليل الذي تنشدونه والمقام العظيم الذي يعلو بكم إذ تكونون أهلاً له، فإن الواجب الفني والأدبي والثقافي يقتضي النظر فيما أنتم ماضون فيه وهو خلاف ما أنتم عليه اسماً وهدفاً ومقاماً، حيث يراد بكم تفريغكم من كل قيمة تتصورونها عائدة إليكم.
لا يظننَّ أحدٌ منكم، وهو يقف وراء طاولة “ملغومة” شعاراتياً، أنه مرحَّب به في الصميم، أنه مرفوع على الأكف. نعم هو مرفوع على الأكف، إنما ليوضع على الخازوق، بحسب تعبير بليغ لمتنور أجنبي لا صلة له بالكردية. إذا كنتم تبحثون عن الأضواء، فيكفيكم ضوءكم الداخلي المتكاثر، حيث كلُّ واحد كثير باسمه، والمجالات التي تحسنون التعبير فيها وإيصال صوتكم إلى الآخرين كردياً، أو بلغة تجدونها مناسبة وبلقطة فنية تراهنون عليها.
إن ضوءهم المسلَّط عليكم مزيف، يمتص كل نور يخص إبداعكم أو جهدكم الفكري والثقافي، وأن تماديكم في الإقبال عليهم، في مراكزهم التي تحمل علاماتهم التحزبية المريبة، حيث تنزف دماء الذين صيروا أسماء لها، وماتوا في بؤس حال، إنما يسيّل لعابهم باضطراد، ويجعلهم أكثر اعتقاداً أنهم أصحاب مراكز ومقررو ثقافة، وحملة أختام في الفصل بين الصحيح والمزيف، وليستمروا أكثر اندفاعاً في أكل لحمكم نيئاً، ومطبوخاً لو تسنَّت لهم الفرصة، والواقع العملي خير شاهد على ما تقدَّم، حيث يعتبرون أنفسهم الأول والأخير في الوصاية، وكونكم موجودين بهم، كما لو أنكم رهائن تحت أيديهم، فيا لعار العلاقة التي يتصورونها، ويا لخفة الذين ينتشون بتصفيق من مدّع ٍ أو كلمة ترحيب من مراوغ لتسويق بضاعته التحزبية. يا لخفة من يصبحون ديكَة صراع منتوفة الريش على حلبتهم، بدلاً من أن يكونوا هم مادة لموضوع ثقافي لكم، لتصبحوا بالطريقة هذه مضرب المثل في سوء العلاقة، وحجة لهم لتمرير تسويفاتهم وإبعادهم عن واجهة المساءلة عما يجري سلبياً في الواقع، ولتكونوا أنتم موضوعاً للتهكم والسخرية والتشريح وليسوا هم..
إنهم لم يتعلموا من التاريخ، لم يتَّعظوا من أي نائبة أو حدث عظيم، ولكم دورٌ كبير في ذلك، حين تلوون أعناقكم أمامهم وتطأطئون هاماتكم لهم رغبةً في عرض أعمالكم فيما يسمى بمراكزهم “ثكناتهم” التي يختنق فيها الهواء نفسه.
إنكم بذلك تضفون شرعية كاملة، ومصداقية تامة على كل ما يقومون به، لا بل ربما كانت خطيئتكم أكبر بكثير، بما أنكم تعتبرون أنفسكم أحراراً، تعون ما يجري أكثر، وهم لا يرون إلا في اتجاه واحد، هو مسارهم الإيديولوجي.
إنكم واهمون متوهمون إن اعتقدتم مرة واحدة فقط أنهم معنيّون بكم، فيعطونكم ما تحتاجونه.
إن فاقد الشيء لا يعطي أبداً! أنتم مأخوذون بكلامهم المنمَّق، لكنه النافذ في أرواحكم سهمياً، لذا فإنكم لا تملكون إلا قيودكم ليس إلا، وهم مكبَّلون بالقيود، ويريدون شركاء لهم وأكثر من ذلك، ليكفّروا عن أخطائهم، ويريدوا من يحمل وزرها أو الاقتناع أنهم طلقاء.
إن تحريرهم ولو جزئياً من وهم المكانة والنفوذ، يكون عن طريقكم كثيراً، عندما تقاطعون هاتيك المراكز بأسمائها كافة، حتى يعترفوا للتاريخ وأمامكم أنهم أخطأوا بحق التاريخ وحق الإبداع والكتابة، بحقكم تاريخياً مجدداً، وبالتالي، يكون حينها انتظار المأمول، ليكون هناك عقدٌ اجتماعي وثقافي وفني كردي مختلف في ضوء إقرارهم بأخطائهم المتراكمة.
أنتم تمثّلون المدينة الفاضلة فلا تقايضوها بالخاوية على عروشها، وهم يمنّون عليكم حتى بسلام عابر هنا وهناك..
أليس من العار ثانية، أن يتم تحويل الفنان الكردي أو الكاتب الكردي إلى سلعة يتاجَر بها من قبَل هذا الحزب أو ذاك، وقد صار اسماً لمركزه أو قاعته أو محفله التحزبي أو التجمعي الخانق، وهو يحمل دمغته على ” قفاه”، وهو ” الفنان أو الكاتب” كان ضحية / شهيد حبه لوحدة شعبه، وتمثّله لها، وها هو جار ٍ تفتيته بالعكس تماماً مما كان عليه وهو حي، ولا بد أنكم أنتم أيها الكتاب والفنانون تسهمون في التجهيز العنفي والتصفياتي على كل سلف لكم من هذا النوع، وأنكم لا بد أن تكونوا مسئولين أمام التاريخ وفي محاكمته، على هذا الفخ الذي يًنصَب باسمكم، وتحت سمعكم وبصركم وبمباركتكم..
إنني لا أسمّي هنا سوى الأرواح الحرَّة، والتي تحلّق في السماء، وتأنف سكنى الحضيض، أسمّي أرواح الذين يتنفسون وملء أرواحهم أفق يستشرف الكون والحياة معاً، وبالتالي، أستثني من يجد نفسه، ومنذ زمان طويل، متآلفاً مع الزوايا الرطبة والزواريب المعتمة والمديح الأجوف وبعض الإكراميات التي تجعل الواحد في حكم العبد منزوع القيمة والاعتبار.
لا أعني في مقالي سوى من أعرف أنه على أهبَة الاستعداد لأن يصعد بروحه إلى الأعلى، ليس من أجل روحه فقط، وإنما من أجل الحياة التي يريدها بروحه، وهي حياة تسمّي مجتمعاً كاملاً، لا مكان فيه للمتطفلين على التاريخ. ليس ما أكتبه هنا إملاءً على أي كان، إنما هو تصور لقضية خطيرة، تمس جوهر الفن والكتابة، والبحث عن الطريق الأسلم في التعامل معهما، كما يستحقان، حيث لا أثمَنَ منهما، إن وُضِعا في موقعهما السليم، ولا أكثرهما بؤساً وبخسَ ثمن حين يعرضان على من لا يتابع ولا يسمع إلا ما هو مهمٌّ لموقعه ومن الأنانية المتفاقمة معه.
ليس ما أثيره هنا دعوة إلى العصيان، إنما تذكيرٌ بما هو منتظَر من أجل كل ما هو مأهول بالحياة الفعلية، من أجل كلمة لا تقال سوى مرة واحدة، ولا يتردد صداها سوى مرة واحدة، هي حرية الروح المبدعة التي تنشدُّ للأعالي.
لقد كثُرَتْ، كما استفحلت عدوى الأرواح التي اعتادت الأزقة، والعيش على رائحة المستنقعات، وتلقّي الأوامر دونما تفكير فيها، اشتهاء لصيت يتناسب وموقعها الدوني، وقد انسلختْ عن أحلامها التي تجعلها جارَّة للأعالي والينابيع الصافية. أعني هنا الفنان الفعلي والكاتب الفعلي والمثقف الفعلي، من أجله، ومن أجل المفيد للجميع تماماً.
قبل ثلاثة قرون ونيّف كتب الشاعر الكردي العظيم أحمد خاني والمبتلي بالذين همّشوه، كما هو شأن أخلافه راهناً:
GER îlmê temam bidî bi pûlek bifroşî tu hîkmetê bi solek Kes na kete mîterê xwe Camê ra na giritin kesek Nîzamê