الصحافة الكردية و كردستان

كريمة رشكو

في الثاني و العشرون من نيسان من كل عام , تمر علينا ذكرى صدور أول صحيفة كردية
(صحيفة كردستان ) والتي أصدرها الأمير مقداد مدحت بدرخان في القاهرة عام 1898, أعظم هدية قدمها أل بدرخان للشعب الكردي
يحتفل الشعب الكردي بعيد الصحافة الكردية في كافة أرجاء الوطن والمنافي , حيث يقومون بنشاطات متنوعة وإحتفالات وندوات ومحاضرات سياسية وثقافية وأمسيات شعرية

وهذا العام ليس كباقي الأعوام, الإحتفال غير مقتصر على الشعب الكردي فقط, إنما بمشاركة القوميات والطوائف الأخرى العربية و الآشورية والثريانية والدرزية .

صحيفة كردستان إن دلت على شيء , إنما تدل على الإرادة الحرة للمثقفين الكرد وتأكيدهم على أهمية الصحافة ودورها في النهوض الحضاري ونشر الوعي الثقافي والتعايش بين جميع القوميات وتعريف العالم بالقضية الكردية وبالشعب الكردي وأهدافه و مطالبه.
بعد مرور أكثر من قرن على صدور صحيفة كردستان,لابد لنا أن نتحدث عن هذه العائلة العظيمة … آل بدرخان
قال عنهم الصحفي الفرنسي المشهور كروس كوجيرا , يصف أمير العائلة بأمير كردستان فيقول *أن أمير كردستان قد خطا خطوات كبيرة في المجتمع الكردي , ففي مسألة الصراع الإقطاعي بين الأمراء الكرد والسلطان , كان بدرخان الأمير الأول الذي منح ذلك الصراع بعدا قوميا , واحتل بذلك مكانة الأب القومي للكرد.
كان الأمير مؤمنا ويعمل بموجب الشريعة الإسلامية ,حيث وصفه المبشرون الأمريكيون أيضا بأنه * رجل عهد و ميثاق *كان متحررا من طوق الطائفية و القبلية , بعيد عن التشدد و العنصرية .
قامت هذه العائلة بإنجازات كثيرة و أعظم إنجاز كان **صحيفة كردستان ** في القاهرة من مطبعة الهلال .
الصحيفة حملت إسم كردستان …باللغة الكردية وحروف عربية , كانت الصحيفة لخدمة الكرد ولرفع الوعي القومي الكردي وحث الكرد على التعليم والعمل من أجل الوطن والمحافظة على العلاقات الودية بين الكرد و الشعوب الأخرى و لاسيما الأرمن .
حيث حاول السلطان العثماني كثيرا إشعال نار الفتنة بين الأرمن والكرد بإسم الدين , وقد حصل هذا في مذبحة الأرمن الشهيرة عام 1905.
لم يتمتع المحررون بالحرية في كتاباتهم, حيث أن الطبقة الحاكمة للسلطة العثمانية كانت تقوم بكافة وسائل لمنعها ومحاولة لإفشالها, ألا أن آل بدرخان قاموا بجهود جبارة لإصدارها ,رغم المشاكل الكثيرة والقمع و ضعف التمويل .
كان الإصدار الأول في القاهرة حيث طبعت منه ألفا نسخة وزعت على كافة أنحاء كردستان .
غيرت الجريدة مركز إصدارها لأسباب سياسية من قاهرة إلى سويسرا ومن هناك إلى لندن ثم إلى إسطنبول ,ثم عادت إلى القاهرة وتوقفت عام 1902.
الملفت للإنتباه أنه كان يكتب على صفحتها الأولى: عنوانها الكامل. وإسم صاحبها ومديرها المسؤول بالاسم الكامل والصريح. و تاريخ الإصدار وسعر النسخة. وفي الصفحة الأخيرة اسم المطبعة التي طبعت فيها، و الملفت للنظر هو هذه الجملة التي كانت تكتب في الصفحة الاولى دوما: ((هر جار دو هزار جريدة أزي ريكم كردستاني بي بره، بِدِن خلكي)). (أي ترسل 2000 نسخة من الجريدة إلى كردستان توزع مجانا على الناس حيث كانت الأعداد ترسل إلى مدينة دمشق ومنها توزع إلى كردستان).
كان مقداد مدحت بدرخان صاحب أول صحيفة كردية ، فإن أسماء بدرخانية أخرى تبرز بقوة في مجال الثقافة و الإعلام كالأمير جلادت بدرخان والأمير كاميران بدرخان حيث كان لهم الفضل الكبير في نشر الثقافة الكردية عبر النشرات والمجلات والمؤلفات ، ولهم أيادٍ بيضاء على اللغة والأدب والكتابة الكردية .
آل بدرخان عمدوا الطريق للإعلام الكردي و للصحافة والثقافة الكردية.
ربما لابد لنا أن نتذكر شخصية أخرى كان له الدور في الحفاظ على الجريدة.
الدكتور كمال فؤاد وهو كردي عراقي وكان قياديا من الاتحاد الوطني الكردستاني, قام بجمع أعداد الجريدة كاملة وطبعها في كتاب مستقل عندما كان طالبا في إحدى الجامعات الألمانية وأضاف في عمله هذا خدمة عظيمة للمكتبة الكردية والصحافة الكردية,
الأعداد الأصلية للجريدة توجد في بعض المكتبات الكبيرة في لندن وجنيف. 
للدكتور كمال فؤاد فضل في الحفاظ على هذا الإرث العريق والغني.
بعد أكثر من قرن على صدور أول صحيفة كردية ,فشل المثقف والإعلامي الكردي في إستخدام الإعلام بطريقة صحيحة والإيجابية ولاسيما أن الإعلام هو السلاح الأقوى ضد العدو والطاغية .
لم يتمكن الإعلامي الكردي في إيصال القضية الكردية إلى العالم وإيصالها بشكل صحيح و تعريف القوميات الأخرى بقوميتنا و قضيتنا العظيمة.
ففي إنتفاضة قامشلو 2004 , لم نتمكن من إيصال السبب الحقيقي لهذه الإنتفاضة , ربما هذا يعود إلى ضعف التكنولوجيا والصحافة الإلكترونية آنذاك في كردستان الغربية, أما في باقي أنحاء كردستان فكانت الصحافة الإلكترونية نشطة جدا ولكن المثقف والإعلامي الكردي لم يتمكنوا من إستخدامه وتفعيل دورهم وإيصال الفكرة والقضية بل جروا نحو تحقيق مصالحهم الشخصية وإستخدموا التكنولوجيا بعيدا عن لغة العصر و العقل.
واليوم وبعد إنطلاقة الثورة السورية وبزوغ فجر الحرية ووجود التكنولوجيا والأنترنت والصحافة الإلكترونية وكسر الرقابة على الكتابة بنسبة لابأس بها و لم يعد للنظام السيطرة التامة على منع الكتابة وإيصال المعلومات والإخبار إلى العالم .
ظهرت محاولات كثيرة لتفعيل دور الإعلام لخدمة القضية الكردية ونشر الوعي للحفاظ على السلم الأهلي و التعايش المشترك وإحباط محاولات النظام في إشعال نار الفتنة والعنصرية بين القوميات الموجودة في المنطقة.
بدأ الإعلاميون الكرد بتفعيل دور الإعلام الحقيقي ونشر الوعي القومي الكردي . كما بدأوا بتأسيس مراكز إعلامية كردية مثل **مركز آشتي للإعلام و الثقافة , مركز البيت الكردي للإعلام , مركز آسو للأعلام **
تقوم هذه المراكز بنشاطات كثيرة وتأهيل كوادر إعلامية كردية داخل الوطن , رغم إنقطاع وسائل الإتصال والطاقة وإنعدام المعيشة والإقتصاد المتدهور والأساليب العنفية التي يمارسها النظام الأسدي وشبيحته ضد الإعلام السوري بشكل عام والكردي على وجه الخاص.
في عيد الصحافة الكردية, أنحني إجلالا لآل بدرخان وجهودهم العظيمة والإرث الذي تركوه لنا ولإجيالنا .
ولكل إعلامي كردي أقول لهم كل عام و أنتم بخير
معا نحو بناء سورية ديمقراطية تعددية تشاركية, ومعا لإيصال القضية الكردية إلى العالم .
معا نحو كسر وتحطيم القيود التي منعتنا عن ممارسة طقوسنا الكردية .
معا نغني كردستان …أغلى الأوطان
كل عام و أنتم بخير

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…

ابراهيم البليهي

لأهمية الحس الفكاهي فإنه لم يكن غريبا أن يشترك ثلاثة من أشهر العقول في أمريكا في دراسته. أما الثلاثة فهم الفيلسوف الشهير دانيال دينيت وماثيو هيرلي ورينالد آدمز وقد صدر العمل في كتاب يحمل عنوان (في جوف النكتة) وبعنوان فرعي يقول(الفكاهة تعكس هندسة العقل) وقد صدر الكتاب عن أشهر مؤسسة علمية في أمريكا والكتاب…