اللغة الكردية (التاريخ والآفاق)

صبري رسول

من أين يبدأ تاريخ هذه اللغة؟ وكيف كانت قبل أ تتفرع إلى اللهجات؟ وبما أن الكرد من «الشعوب الآرية» فأين كان يسكن هذا الشعب؟ أسئلة طرحها الباحث الكردي دحام عبد الفتاح في معرض حديثه عن تاريخ اللغة الكردية أثناء الأمسية الخاصة بالعنوان أعلاه ضمن نشاطات جمعية سوبارتو السبت في 4/5/2013م.

ويرى أن قسم من اللغة الكردية مرتبط بلغات «الهندو أوربية»، وقسم مرتبط باللغة «السنسكريتية» القديمة، والقسم الثالث مرتبط باللغة الإيرانية «البارسي، الفارسية».
وأصل هذه اللغة يعود إلى (زرادشت) الذي خرج من (موكريان) إلى (خراسان) كونها الأقرب جغرافياً، والسؤال: بأي لغة كتب (أفستا)؟ فلغة أفستا أصبحت لغة الدولة والمجتمع في ذاك التاريخ، وهناك تأكيدات بأن ثلاث وثمانون ألف كلمة لم ينلها احتراق أفستا، وفي عام 147 ق.م كُتِب أفستا ثانية، وكانت اللغة في دولة (أشكانيا) من 250 ق.م إلى 126 ق.م واستمرت حتى 226 قبل الإسلام.
ويؤكّد الباحث عبد الفتاح أن اللغة الفهلوية كانت الرسمية في الدولة الإيرانية، والفهلوية هي (البهلوية) وتعني (بَرْتَو)  و(به رْ تاو) أمام النور. واللغة الكردية تأثرت بلغة أفستا والبهلوية اللتين تعدان منبعين للغات «الشعوب الإيرانية». لكن للأسف الدولة الميدية الكردية لم تترك شيئاً تتعلق بهذه اللغة، وهذه مسألة هامة لأنها مارست اللغة المحكيةـ الشفاهية، وكانت لليونانية تأثير كبير عليها.
 من جانبه تحدّث دلاور زنكي عن أهم اللهجات في اللغة الكردية، ففي عام 1000م ظهرت أربعة لهجات في مظلة اللغة الكردية، وفي عام 1500م ظهرت لهجات كثيرة، ويؤكد صاحب كتاب (شرف نامه) البدليسي هذا الأمر ومنها(لور، كرمانج، كوران…) أما الباحث علاء الدين سنجاري فيقسم اللكردية إلى قسمين: بوطاني( كرد سوريا وتركيا) وموكري(سوراني كرد العراق وإيران) أما كمال فؤاد فيرى هناك أربعة لهجات حسب جغرافية الكرد: غرب(كرد سوريا) وشرق(كرد إيران) وجنوب(كرد العراق) وشمال(كرد تركيا).وكما بدا من الآراء والأفكار التي قدّمها دلاور زنكي فان هذه اللهجات تُنسَب إلى العشائر والمناطق (كتسمية).
والقسم الثالث من النشاط كان للغوي برزو محمود الذي له باع طويل في قواعد اللغة الكردية، ويرى بأنّ أهم اللهجتين الأساسيتين هما (الكرمانجية والسّورانية)، بوصفهما اللغة الحية الحياتية، ويشبّه أحدهم اللغة الكردية بـ«جوال من التّبن» تذروه الرّيح، ويؤكّد الباحث برزو محمود بأنّ الاختلافات بين اللهجتين تصل أحياناً إلى حدّ يمكن وصفهما باللغتين، رغم التداخل الكبير في المفردات. فمثلاً جملة(أراك) في السورانية
 (tata binim)
وهي عبارة تركيبية، بينما الجملة ذاتها في الكرمانجية:
 (ez te di binim)  
فالعبارة هنا تحليلية، وكذلك الجملة (حملتُ طفلاً) في السورانية:
   ( zaroke kem hilgird)
بينما في الكرمانجية:
 (min zarok hil gird)
ويرى برزو أن السورانية حسب القوانين الداخلية في بنية اللغة والوقوف عند منطق اللغة أكثر إثراء في المفردات، أما الكرمانجية فتتميز بالتحليل النحوي وهي أكثر مرونة في القواعد. وهناك قضايا نحوية كثيرة لا يمكن الوقوف عندها في ربع محاضرة.
وما يتعلق بالترجمة فقد تحدّث العزيز فواز عبدي الذي ترجم عدة أعمال أدبية من وإلى الكردية عن تجربته في هذا المجال، مطبّقاً قواعد معينة أوجدها من خلال التجربة الحياتية، ويصف حالة الترجمة بـ«الخميرة» التي نضعها في عجينة أخرى، من أجل إنتاج جديد.
والخطوات التي يتبعها أثناء ترجمته هي:
قراءة النّص الأصلي قراءة كاملة لفهم الموضوع بشكل تام، ثمّ قراءة جزءٍ من العمل أكثر من مرة، ومن ثم ترجمته إلى اللغة الأخرى، وفي اليوم الثاني يجب قراءة النّص المُتَرجَم والقيام بترجمة الجزء الآخر.
ويضيف فواز عبدي: أقوم بتقديم النّص إلى أحد الأصدقاء، لإبداء الرّأي، وأقوم بدراسة الملاحظات وتغيير ما أراه ضرورياً. كما تحدّث عن أهمية الترجمة في إيصال المعلومات والآراء والأخبار بين الناس.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

مصطفى عبدالملك الصميدي/اليمن*

تُعدّ ترجمةُ الشَّعر رحلة مُتفَرِّدة تُشبه كثيراً محاولة الإمساك بالنسيم قبل أن يختفي سليلهُ بين فروج الأصابع، بل وأكثر من أن تكون رسماً خَرائِطياً لألوانٍ لا تُرى بين نَدأَةِ الشروق وشفق الغروب، وما يتشكل من خلال المسافة بينهما، هو ما نسميه بحياكة الظلال؛ أي برسم لوحة المعاني الكامنه وراء النص بقالبه…

إبراهيم أبو عواد / كاتب من الأردن

تَتميَّز الرُّوحَانِيَّةُ عِندَ الكاتب اللبناني الأمريكي جُبْرَان خَليل جُبْرَان ( 1883_ 1931 ) بِعُمْقِها الفَلسفيِّ، وقُدرتِها عَلى تَجاوزِ الماديَّاتِ ، والتَّعبيرِ عَن الحَنينِ إلى مَا هُوَ أسْمَى وأرْقَى في النَّفْسِ البشرية . وَهُوَ يَرى أنَّ الرُّوحَانِيَّة لَيْسَتْ مُجرَّد شُعورٍ أوْ طُقوسٍ تقليدية ، بَلْ هِيَ حالةُ وَعْيٍ مُتكاملة…

ابراهيم البليهي

من أبرز الشواهد على إخفاق التعليم الذي لا يقوم على التفاعل الجياش عجزُ الدارسين عن اكتساب السليقة النحوية للغة العربية فالطلاب يحفظون القاعدة والمثال فينجحون في الامتحان لكنهم يبقون عاجزين عن إتقان التحدث أو القراءة من دون لحن إن هذا الخلل ليس خاصا باللغة بل يشمل كل المواد فالمعلومات تختلف نوعيا عن الممارسة…

خلات عمر

لم يكن الطفل قد فهم بعد معنى الانفصال، ولا يدرك لماذا غابت أمّه فجأة عن البيت الذي كان يمتلئ بحنانها. خمس سنوات فقط، عمر صغير لا يسع حجم الفقد، لكن قلبه كان واسعًا بما يكفي ليحمل حبًّا لا يشبه حبًّا آخر.

بعد سنواتٍ من الظلم والقسوة، وبعد أن ضاقت الأم ذرعًا بتصرفات الأب…