غسان جانكير
حدثنا العطال البطال قال : لمّا قتلت قوات الحماية الشعبية, الناس في مظاهرة سلمية, في مدينة عامودا الأبية, ومنعت الجرحى من الاستشفاء في القامشلي, ولم ترأف بهم على كلّ حالِ, وضربت على عامودا طوقا من الحصار, وتقمّصت دور الإله الجبار, في التحكم بحياة الأخيار, وزرعت على منارة الجامع قنّاصتها, ليصطادوا مَن يُخالفُ فرماناتها, وبصلف أعلنوا من مُكبرات الجامع, في صباحٍ دامع, أن مَن يخرج من بيته, يتحمّل مسؤولية حياته, فوارى الأقربون شهدائهم في الثرى, بصمتٍ قاتل وأن يتناسوا ما جرى, فلا نعوة تُخفف الحزن بالدموع, و موكبٌ يسير خلف الجنازة ممنوع,
فقررنا الرحيل عن مدينتنا المُغتصبة, خوفاً من سجنٍ أو اتهامات صعبة, كأن يتهمونا بنشر داء الحصبة, فاعتمدنا على مهرّب مغوار, شواربه ترسل الرعب كالسيف البتار, لا يأبه بالألغام و الأخطار, يحكي عن عبور الحدود بكلّ أريحية, دونما خشية من الجندرمة التركية, كلامه يوحي بعبورنا في غمضة عين, ولا أحدٍ سيسألنا: أنتم من أين ؟.
غير أن جهله بحظيّ المنحوس, و مُناكفته لي بوجه عبوس, و لا مُبالاته بالأقدار المُخبئة للنفوس, جعلته في حيرة من أمره, وشكّ في التفرّد بالنجاح على طول عمره, وكاد أن يفقد صبره, ويضرب كمداً على صدره, أو يلطم خديه ويقلع شعره, على صعوبة الدرب و عسره, وبعد عدد من المحاولات الفاشلة, والخُطط البديلة العاجلة, والتوكّل على الله بعد البسملة, قال : أشكّ في أمر أحدكم أيها القوم, لا بُدّ أنّ فيكم كافراً لا يعترف بالصلاة ولا الصوم, أو أنّ أحدكم لم يغتسل من الجنابة, فضحكنا على أنها دُعابة, فقال : ما لكم تضحكون, وبخسارتي هذا اليوم لا تُبالون, لا بُد من تفريقكم الى جماعات, للتخلّص من هذه الاخفاقات.
و نجح في تمرير مُعظم المُهاجرين, إلّا جماعتي فكنّا من الخاسرين, وصرنا طُعماً لحرس الحدود, محكومين بحظنا المفقود, تجتمع الجندرمة فتسدّ طريقنا, و تتنصّت على زفيرنا و شهيقنا, فتخلو النقاط الأخرى من الحرس, وكأنما في عنق كلٍ منا جرس, وبعد أن أعيانا العطش و الجوع, و وهادٍ نقطعها نزولاً و طلوع, والجندرمة تجبرنا على الرجوع, فيممتّ وجهي نحو القبلة, ومعي امرأتين إحداهما حِبلة, و الأُخرى هبلة, وتضرّعت الى الله بالدعاء, بقلبٍ صافٍ دون رياء, فقلت : إلهي يا مُجيب الدعوات, و واهب الطيبين للطيبات, و مُشيّد السماوات من غير دعامات, ومُسيّر الكواكب بلا أمراس أو كابلات, يا مَنْ مَسّخت الباطر قرداً, وأفنيتَ الكفرة في الطوفان عمداً, وجعلت حبيبك المُصطفى خير الأنام, و وهبت الليل سكوناً كي ننام, ومكّنت سليمان من فهم منطق الهوام, إلهي وأنت ترى النعاس قد تمكّن منّا, ومنذُ يومين ما نمنا, هلا ترفّقت بحالنا, وألقيت الستر علينا, هلا ضربت الغشاوة على أعين الجندرمة, ولك منيّ أن أُطعم عشرة مساكين الضونضرمة.
قال العطال البطال : والله ما أن أنهيت دعائي, حتى استجاب الله لرجائي .
غير أن جهله بحظيّ المنحوس, و مُناكفته لي بوجه عبوس, و لا مُبالاته بالأقدار المُخبئة للنفوس, جعلته في حيرة من أمره, وشكّ في التفرّد بالنجاح على طول عمره, وكاد أن يفقد صبره, ويضرب كمداً على صدره, أو يلطم خديه ويقلع شعره, على صعوبة الدرب و عسره, وبعد عدد من المحاولات الفاشلة, والخُطط البديلة العاجلة, والتوكّل على الله بعد البسملة, قال : أشكّ في أمر أحدكم أيها القوم, لا بُدّ أنّ فيكم كافراً لا يعترف بالصلاة ولا الصوم, أو أنّ أحدكم لم يغتسل من الجنابة, فضحكنا على أنها دُعابة, فقال : ما لكم تضحكون, وبخسارتي هذا اليوم لا تُبالون, لا بُد من تفريقكم الى جماعات, للتخلّص من هذه الاخفاقات.
و نجح في تمرير مُعظم المُهاجرين, إلّا جماعتي فكنّا من الخاسرين, وصرنا طُعماً لحرس الحدود, محكومين بحظنا المفقود, تجتمع الجندرمة فتسدّ طريقنا, و تتنصّت على زفيرنا و شهيقنا, فتخلو النقاط الأخرى من الحرس, وكأنما في عنق كلٍ منا جرس, وبعد أن أعيانا العطش و الجوع, و وهادٍ نقطعها نزولاً و طلوع, والجندرمة تجبرنا على الرجوع, فيممتّ وجهي نحو القبلة, ومعي امرأتين إحداهما حِبلة, و الأُخرى هبلة, وتضرّعت الى الله بالدعاء, بقلبٍ صافٍ دون رياء, فقلت : إلهي يا مُجيب الدعوات, و واهب الطيبين للطيبات, و مُشيّد السماوات من غير دعامات, ومُسيّر الكواكب بلا أمراس أو كابلات, يا مَنْ مَسّخت الباطر قرداً, وأفنيتَ الكفرة في الطوفان عمداً, وجعلت حبيبك المُصطفى خير الأنام, و وهبت الليل سكوناً كي ننام, ومكّنت سليمان من فهم منطق الهوام, إلهي وأنت ترى النعاس قد تمكّن منّا, ومنذُ يومين ما نمنا, هلا ترفّقت بحالنا, وألقيت الستر علينا, هلا ضربت الغشاوة على أعين الجندرمة, ولك منيّ أن أُطعم عشرة مساكين الضونضرمة.
قال العطال البطال : والله ما أن أنهيت دعائي, حتى استجاب الله لرجائي .