كيف أكتبُ لأمي وهي لا تعرف القراءة والكتابة..

  شيراز خليل

في إحدى ضواحيها يا أمي كنت أنتظره ليلاً في كل يوم، نمشي في نفس الأزقة ونتعرف على ملامحها من جديد في كل مرة، يردد اسمي في كل مرة بطريقة وبأحرفٍ جديدة، نتعارك ونختلف ونتصالح من جديد وكأنه شيئاً لم يكن..

ما زلتُ أبحث عن تلك الحارات بملامح جديدة يا أمي، أتخيلُ نفسي أضمُّها بأَعيني، أتفقدُ أشرطة الكهرباء المتدلية على جوانب الشرفات ومنها المكبلة على أعمدة تكادُ تقع من ثقلها وشدِّ الحبال السوداء عليها من كل الجهات، أتعمد المشيَ على جوانب الشارع الخاصة بمرور السيارات لأن الواقفة منها تحتل الأرصفة الخاصة بالمشاة، يقع ناظري على بسمة طفلٍ في عربةٍ تدفعها أمه، أقتربُ منه لأبادله الابتسامة وأخرى لأمه..
يمرُّ الوقت كما لو أنه لم يكن موجوداً، سرعان ما يتبدد كل شيءٍ يا أمي، سرعان ما يوقظني الكوكب الأبيض في السماء وقد تغير وجههُ عليَّ يوم وصلتُ إلى هذه البلاد، وجهٌ ليس كما كان يبتسم لنا مُذ كنا صغاراً يا أمي، كلما أشاهد مدى انقلابه أَزدادُ وعياً لِطول بُعدي عن أرضي وأعتذرُ لقلبي حينها، والذي حملتُه رغماً عنه إلى مكانٌ ليس بمكانِه، ظناً مني بأني أحميهِ من الموت ولكن لم أُدرك بأنه سيموت شوقاً وحنيناً في الغربة.

هنا الوقت له مكانته ويحتل كل الأحلام..

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبدالرزاق محمود عبدالرحمن

كان في صدري شرفة تطل على سماوات بعيدة،
أعلق عليها أمنياتي كفوانيس صغيرة،
حتى وإن كانت الحياة ضيقة، كنت أزيّنها بخيوط من الأمل،
أجمع فتات الفرح، وأصنع منه أحلامًا تكفيني لأبتسم.
كنت أعيش على فكرة التغيير، أتنفسها كل صباح،
وأخطط، وأتخيل، وأصدق أن الغد قد يجيء أجمل.

أما الآن…
فالنوافذ مغلقة، والستائر مثقلة بغبار الخيبات،
وألواني باهتة، وفرشاتي صارت ثقيلة بين…

عِصْمَتْ شَاهِينْ اَلدُّوسَكِي

وَدَعَتُ فِي نَفْسِي ضِيقَ الْحَيَاة

وَأَلَمَّ الْأحْزْانِ والْجِرَاحَات

أَذْرُفُ الدُّمُوعَ بِصَمْتٍ

كَأَنِّي أَعْرِفُ وَجَعَ الْعَبَرَات

أُصِيغُ مِنْ الْغُرْبَةِ وَحْدَتِي

بَيْنَ الْجُدْرَانِ أَرْسُمُ الْغُرْبَات

 

**********

يَا حِرمَاني الْمُكَوَّرِ فِي ظَلَامي

يَا حُلُمي التَّائِهِ فِي الْحَيَاة

كَمْ أشْتَاقُ إلَيْكَ وَالشَّوْقُ يُعَذِّبُنِي

آَهٍ مِنْ شَوْقٍ فِيه عَذَابَات

لَا تَلَّومْ عَاشِقَاً أَمْضَى بَيْن سَرَابٍ

وَتَرَكَ وَرَاءَهُ أَجْمَلَ الذِّكْرَيَات

**********

أَنَا الْمَلِكُ بِلَا تَاجٍ

أَنَا الرَّاهِبُ بِلَا بَلَاطٍ

أَنَا الْأَرْضُ بِلَا سَمَوَات

وَجَعِي مَدُّ الْبَحْرِ…

ميران أحمد

أصدرت دار ماشكي للطباعة والنشر والتوزيع مؤخراً المجموعة الشعرية الأولى، للشاعر الإيزيدي سرمد سليم، التي حملت عنوان: «ملاحظات من الصفحة 28»، وجاءت في 88 صفحة من القطع المتوسط.

تأتي هذه المجموعة بوصفها التجربة الأولى للشاعر، لتفتح باباً على صوت جديد من شنكال، يكتب من هوامش الألم والذاكرة الممزقة، بلغة جريئة تشبه اعترافاً مفتوحاً على الحياة…

حاوره: إدريس سالم

تنهض جميع نصوصي الروائية دون استثناء على أرضية واقعية، أعيشها حقيقة كسيرة حياة، إلا إن أسلوب الواقعية السحرية والكوابيس والهلوسات وأحلام اليقظة، هو ما ينقلها من واقعيتها ووثائقيتها المباشرة، إلى نصوص عبثية هلامية، تبدو كأنها منفصلة عن أصولها. لم أكتب في أيّ مرّة أبداً نصّاً متخيّلاً؛ فما يمدّني به الواقع هو أكبر من…