من منا لم يسمع بالعائلة التيمورية ! و من قال أن هناك شكسبير فقط في الغرب فلدى الشرق شكسبير اسمه محمد تيمور .. فعائلة تيمور العريقة التي عزفت نشيدا طال لحنه بداية من الكاتبة عائشة التيمورية و مرورا بالكاتب أحمد تيمور ونهاية بولديه أسطورتي الأدب محمد ومحمود تيمور ولا ننسى هنا حفيدة محمد رشيدة تيمور التي أصدرت روايتها الأولى (ميفان) المضيفة.
أما حديثنا فسيكون عن أديب، شاعر، ناقد ، ممثل مسرحي و رائد الحداثة المسرحية و الأدبية برؤية معاصرة للأدب ،نظر إلى الحياة بنظرة كئيبة و سوداوية تخفي وراءها أحزاناً ثقيلة على العكس من روحه المفعمة بالنشاط والمرح فانتهى بنهاية تراجيدية و هو في أوج عطائه..
أصل العائلة التيمورية:
عندما جاء محمد الكاشف بن إسماعيل بن علي إلى مصر مع الحملة العثمانية في عام 1801 – الذي ينحدر من سلالة كردية من شمال العراق – في سبيل التحاقه بجيش الوالي محمد علي باشا الذي عينه برتبة كاشف ثم محافظا للمدينة المنورة 1837 فمديرا للشرقية إلى أن توفي عام 1848 ليتولى ابنه إسماعيل رشدي باشا في مناصب الدولة فكان مديرا لبعض المديريات و رئيسا لديوان الخديوي ، نبغ أولاده في مجال الأدب : عائشة التيمورية و أحمد تيمور لينطلق بعدهم ولدا أحمد أعمدة للأدب و القصة محمد و محمود تيمور..
محمد تيمور النشأة و علاقته بأخيه محمود تيمور:
ولد محمد بن أحمد تيمور في القاهرة بإحدى أحياء مصر القديمة عام 1892 و نشأ في أسرة عريقة على خلفية أدبية واسعة و علم وجاه ، رحل إلى برلين لدراسة الطب لكن حبه و شغفه بالأدب جعلاه يهاجر إلى فرنسا ليطلع على الأدب الأوربي عموما و الأدب الفرنسي خصوصا اللذان تركا الأثر الكبير في حياته و على قصصه و أعماله، ليعود إلى مصر بعد ثلاث سنوات عام 1914 فألف فرقة تمثيلية عائلية ووضع مسرحيات و نهض بسوية المسرح المصري
من خلال مقالاته النقدية و اقتراحاته التي استخدمها بالتأثير الكبير للمسرح الفرنسي، علاقته القوية بأخيه الأصغر- الكاتب و رائد القصة المصرية محمود تيمور- و قربه منه كانت كقرب الجفن من العين حيث كان محمود يعتبر أخاه الأكبر مثله الأعلى و خير مرشد له من خلال التمسك بنصائحه و توجيهاته و آرائه السديدة بما يملكه من ثقافة واسعة و بعد النظر و حكمة للرأي، حتى إن محمود تأثر به في كتاباته باتجاهه نحو المذهب الواقعي في الكتابة القصصية و ألف مجموعته القصصية الأولى على غرارها..
محمد تيمور الأسطورة:
شكلت كتابات محمد القصصية و المسرحية و الشعرية و الفكرية منظومة إبداعية متكاملة في مجال تحديث الأدب و الفكر العربي حتى أن بعض المؤلفين قسموا الحياة الأدبية إلى عصرين هما عصر ما قبل تيمور و عصر ما بعد تيمور ،فكانت كتاباته هي البداية الحقيقية للأدب العصري الحديث و برع أيضا في مجال القصة بوعي بناء فني و مضمون فكري و إرساء تقاليد القصة القصيرة باعتماده على موهبته الفذة و حسه الفني و ثقافته الواسعة و السنين التي أمضاها في ربوع أوربا بالإضافة إلى التحامه مع قضايا مجتمعه المصري فلم تكن إبداعاته محاكاة شكلية لأنماط الأدب الغربي بل كانت وسيلة لتوظيفها بتجسيد بلورة المضامين التي تهم أبناء شعبه..
يبرز وعي محمد المبكر بتقنيات القصة القصيرة فوقتها لم يكن لفن القصة وحتى الرواية أية تقاليد سابقة في الأدب العربي وربما مواكبته لانجازات رواد القصة كإدجار ألان بو و تشيكوف و معاصرته لارنست همنغواي التأثير الكبير لوضع القواعد الأساسية للقصة ،عمل كمترجم خاص لمحمد علي باشا.
ريادته في المسرح:
بدأت ريادة محمد في المسرح بمسرحية العصفور في القفص عام 1918 حتى مسرحية الهاوية 1921 بأسلوب تحديثي للأدب المصري و بفن المسرحية القومية الأصيلة فلم يكن يلجأ للاقتباس أو الرجوع للتاريخ والتراث كما كان يفعل غيره..
جمع بين قراءة التراث العالمي في فنون القصة و المسرحية و بين قراءة الحياة المعاصرة بكل قضاياها و صراعاتها و تفاعلاتها و لعل أهم قضية أو القضايا التي تعامل معه في مسرحياته مفهوم الأسرة و العلاقات الجنسية العاطفية التي يجب النظر إليها في ضوء علمي و موضوعي وعالجها بأسلوب رو منطقي عقلاني فريد حتى تسير في بحر هادئ لا تعكره أمواج الانحراف والتشتت،شغلت الطبقة المتوسطة معظم أعماله بوصفها العمود الفقري للمجتمع و جسرا للتواصل بين الطبقة العليا و الدنيا..
لولا مقالات محمد النقدية عن الحياة المسرحية في عصره لما عرفنا الكثير عن نجومها و عروضها بكل ما تشمله معدات المسرح من تأليف ،إخراج ، ديكور ملابس و إضاءة و ربما لم يكن حينها يوجد ناقد مسرحي آخر سوى محمد تيمور..
رحيل قطار حياته إلى محطته الأخيرة:
برع محمد في القصة القصيرة و المسرحية بالإضافة إلى كتابة المقالة و التعليق و التحليل بوصفها أدوات تنير الدرب أمام القارئ و تحدث فكره و لعلنا لا ننسى انه كان شاعرا من الطراز الأول فقد نظم الشعر بطريقة وجدانية رقيقة و بسلاسة جميلة .
شعر محمد بدنو اجله و هو في ربيع العمر فقال:
هيئوا لي باطن الأرض قبرا * * * و دعوني أنام تحت التراب
في ظلام القبور راحة نفسي * * * ومن النور شقوتي وعذابي
وافته المنية في 24 من شباط عام 1921عن عمر يناهز التاسعة والعشرين تاركا وراءه إرثا فكريا ضخما و إنجازا أدبيا واسعا بفترة لا تتخطى الثماني سنوات من 1913 وحتى 1921 فكم خسر العالم عبقريا فذا و أديبا رفيع المستوى وهو بعد لم يكمل عقده الثالث.
نشرت مؤلفاته بعد مماته في ثلاثة مجلدات وميض الروح (ديوان شعره و كتاباته الأدبية و بعض القصص والخواطر) حياتنا التمثيلية (تاريخ التمثيل،نقد الممثلين ،رواية الهاوية) المسرح المصري (عبد الستار أفندي ،العصفور في القفص).
كرمته الحكومة المصرية وتخليدا لذكراه أصدرت جائزة محمد تيمور للإبداع المسرحي العربي، و أخيرا أتمنى أن أكون في هذه الكلمات قد سلطت الضوء على عبقري و مسرحي مغوار يجهله الكثيرون كالفارس الجالس في الظل و لعل هذه السطور لا تفيه جزءاً من حقه لشخص كان شعاره الأدب والثقافة والنهوض بالمجتمع.
مصادر وهوامش البحث:
1- نبيل راغب مصر – الأدبي محمد تيمور رائدا للتحديث
2- مير بصري- أعلام الكرد ليما سول قبرص
3- د.محمد مهدي علام – المجمعيون في خمسين عاما مجمع اللغة العربية القاهرة
4- www.alwatan.com 2 شباط 2006
4 – Al-Ahram Weekly
30 Dec. 1999 – 5 Jan. 2000
Issue No. 462
5- محمد جمال – حقيقي ابن الوز عوام -جريدة الأهرام العدد 419
6- www.yebeyrouth..com/pages/index1101.htm
7- www.syrianstory.com/taymoure.htm
8- د. حسين علي محمد -محمود تيمور رائد الأقصوصة العربية – بيان الثقافة العدد 88-