كان بينوسا نو أمام تحد كبير منذ البداية، فقد بدأت والأحداث الكبيرة قد تفجرت أكثر مما كانت عليه في كل أجزاء كردستان، إضافة إلى (الربيعين الإيراني الذي تم قمعه بدموية، والعربي الذي ما زال يحاول الخروج من قمقم الاستبداد)، وأيضاً في ظل ظروف دولية بالغة التعقيد. وايضاً كانت بينوسا نو أمام تحد تاريخي آخر، إزداد تفاقماً في الآونة الأخيرة، وهو التحدي الذي تفرضه الانقسامات الكردية، اختلافاً في الأهداف بين جزء وآخر، وتباينا حاداً في برامج الأحزاب والاتجاهات، إضافة إلى التدخلات العميقة للجوار الجغرافي والتأثير الدولي. لكن التحدي الأكبر كان يتمثل في الغبن التاريخي الذي لحق باللغة الكردية كوسيلة تواصل فكري وثقافي بين الكرد.
استطاعت بينوسا نو عبر الخبرات الإدارية والفكرية والثقافية أن تتجاوز هذه العقبات الكؤود بثقة والتزام، وانطلقت بقوة حافظت عليها طيلة أربعة وعشرين شهراً، جعلتها موئلاً للثقة والأمل، فقد بدأت بواقعية تعاملت مع الظروف الثقافية والسياسية بحكمة ومعرفة، ومستجيبة للشروط الموضوعية للحالة الكردية خاصة في كردستان الغربية، إذ صدرت بنسختين متزامنتين، نسخة باللغة العربية، وأخرى باللغة الكردية، وبأبواب متعددة ومتنوعة ترصد كل أوجه التحولات الثقافية والسياسية والاجتماعية للكرد خاصة، والمنطقة عامة، واستقطبت الكثير من الأقلام المخضرمة والواعدة، والتي عرفت بتميزها ونضجها وتأثيرها، مفتحة على الكتاب باختلاف انتماءاتهم، معتبرة أن كل ما يصب في إطار الحقوق الإنسانية والحرية والكرامة هو هدف بحد ذاته.
من يرصد مسيرة بينوسا نو يدرك هذا الطموح النبيل والعميق، الذي يعالج الأوجه المختلفة بأسلوب بالغ التأثير دون الاستغراق في التفاصيل اليومية واتجاهاتها المتباينة، عاملة على ترسيخ المشترك الإنساني، وتنمية الهوية الحضارية، مدركةً أنها تتعامل مع أمة وليس عصبة أو فئة، محاولة بدأب رصد الجديد والجاد، ومسلطة الضوء على المعتم والمجهول والمهمل، وساعية إلى الانصاف والدقة، وذلك بإتاحة مجال حيوي تتلاقى فيه الجهود الفكرية والإبداعية بحثا ودراسة وشعرا ونثراً وحواراً وفناً…
تجمع بينوسا نو عدداً كبيراً من الكتاب المميزين برؤاهم المختلفة وأساليبهم المتنوعة واهتماماتهم المتباينة، وكأنها تلملم شتات لوحة، لتظهر بكل بهائها، رصدت خلال مسيرتها تجارب قديمة وحديثة، من خلال الحوار والبحث والإبداع.. وهي في استمراريتها بنفس الزخم الذي بدأت به تبشر بمشروع يمكنه أن يستمر طويلاً، ويشكل أرشيفاً للمستقبل والأجيال القادمة، أي تؤسس للتفاعل مع الغد، وهذه سمة للعمل العظيم الجاد. وهي في راهنيتها تؤرخ للحظة بأحداثها وتحولاتها ومشاعرها، ترسم مشهدا متكاملاً للمنعطفات الكبرى التي تمر بها المنطقة بشكل عام، والكرد بشكل خاص، وايضاً بتفاعل وجهات النظر فيها تمهد لمشروع أمة طال العهد بغيابها عن الحضور المكافئ لأهميتها وتاريخها وامتدادها الجغرافي والسكاني. فقد حرم المثقفون الكرد من التواصل لأسباب تتعلق بهيمنة القوميات المجاورة على الجغرافية الكردية، وتعسفها تجاه الكرد ومحاولتها محو أمة عريقة، مما جعل الوعي الكردي تائها في مراحل كثيرة يتلمس الطرق الوعرة والصعبة والمكلفة.
لست ابالغ إذ اقول أن بينوسا نو لا تقل شأناً عن أي دورية كبيرة أوصحيفة مشهورة بما تحويه من مادة متنوعة وبما تقدمه من زخم فكري وإبداعي.. وأعتقد أنها ستكون علامة فارقة في المشهد الثقافي الكردي، وأيضاً في المشهد الثقافي للمنطقة بأكملها.. وأنها ستؤثر عميقاً في المشهد الاجتماعي الراهن والقادم.
قلما تجمع صحيفة بين الزخم الفكري والإبداعي، وبينوسا نو تجمع بينهما بجدارة ملفتة، ليعلي الفكر من قيمة الإبداع، وليلطف الإبداع من صرامة الفكر، وذلك من خلال اهتمام متواز بكل أشكال الكتابة والفن.. إن ما تحققه بينوسا نو لا يبعث على الاستسلام لمجد ما أنجز، إنما لتحدي ما يجب انجازه باستمرار.. إنها تطرح سؤال: ما الجديد؟ تاركة لمن يتابعها الإجابة على سؤال: ما الذي استجد؟
بينوسا نو.. والوعد الجاد… برهن القادم من الايام…