كلمة في الذكرى السنوية التاسعة والتسعين للمجزرة الأرمنية (إلى روح جدتي اوصنا نرسيسيان: سارا)

كونى ره ش

مع قدوم الذكرى السنوية التاسعة والتسعين على المجزرة التي حلت بالشعب الأرمني يوم 24 نيسان عام 1915م، لا يسعني في هذه الذكرى الأليمة التي حلت بالشعب الأرمني على يدي سلطة السلطان الأحمر (عبد الحميد الثاني)، إلا ان أقف اجلالاً واحتراماً لأرواح الشهداء الذين سقطوا اثناء المجزرة وان اشارك الشعب الأرمني العريق قي مأساتهم التاريخية التي يندى لها جبين الإنسانية… كوني عشت وأنا طفل صغير، جزءاً من مأساة المجزرة تلك من خلال جدتي الأرمنية (والدة أبي: اوصنا نرسيسيان أو سارا لاحقاً. التي ظلت على دينها الى ان فارقت الحياة)، التي كانت تسرد علينا قصة مأساة مقتل اسرتها في بلدة (نكدا)، والسير بها عبر قافلة طويلة من الأرمن رجالاً ونساءً وأطفالاً الى حلب ودير الزور ومنهما الى الشدادي والمركدة.. حيث مات الكثيرون منهم خلال الرحلة وتوزع الباقون في قرى وبلدات الجزيرة..
ومن الخطأ اتهام الكورد بالمجزرة وان كان بعض الكورد المغرر بهم من قبل السلطة العثمانية لهم مشاركة محدودة إلا ان الكثيرين من رؤساء العشائر الكوردية، ذوي الضمائر الحية رفضوا أوامر السلطان بكل أبوة وشهامة وحموا الأرمن وآووهم في قراهم ودورهم والأسماء كثيرة.. وكمثال على ما أقوله يذكر الكاتبان دبليو ويكرام وإدكار ويكرام في كتابهما المشترك (مهد البشرية: الحياة في شرق كوردستان)، سعي احد أغوات الكورد الذين لم يدخروا جهداً في حماية الأرمن اثناء مجزرة 1896م إذ يشهدان:
 (.. ان (زهر أغا زيرنكي) كان احد الأكراد الذين تحدوا الحكومة بإيوائه الأرمن المطاردين عندما لجئوا الى منطقته في تلك الأيام السود، وأدركهم الجزارون وهم في حماه وقالوا له: ان أمر السلطان قد قضي بقتل كل هولاء الأرمن الكلاب.. فأجاب الأغا بجرأة واعتزاز انه لا يفهم أي أمر من أي سلطان يلزم سيداً ذا كرامة بتسليم ضيوفه ليقتلوا بحد السيف! وكان اللاجئون قد استاقوا معهم عدداً من الماشية والسائمة فسارعوا بتقديمها لمنقذهم فأبى قبولها وزاد من كرمه فسمح لهم برعيها مع قطعانه حتى يعودوا الى ديارهم وهكذا كان. ان خير مثل للجنتلمان الكردي لا يدانيه أي جنتلمان في أي بقعة من بقاع الدنيا مطلقاً).
أما بصدد مذبحة 24 نيسان 1915م، يذكران في كتابهما المذكور آنفاً وحشية جماعة (الاتحاد والترقي) وعلى رأسهم طلعت باشا: (ان رسائل (طلعت باشا) مازالت برهاناً باقياً تشهد كيف كان يدفع جراءه وكلابه إلى إقامة المجازر. وكيف إنه عزل وأذل اولئك الذين رفضوا تنفيذ هذه المهام الشنعاء عندما اجبروا على ادائها. لا بل انصبت نقمته حتى على اولئك الذين خففوا من حدة الإرهاب قليلاً بعد ان تقززت منه نفوسهم وكيف كان يصر اصراراً جازماً متواصلاً بأن لا يستثنى الأطفال من عمليات الإبادة كل هذا دون ان يبدر من بقية ((الثلاثي)) (انور وجمال) أي احتجاج منهما لم يقلا عنه قسوة وغلظه بل ايداه في كل ما عمل. لا ينكر ان بعض الترك حاولوا الاحتجاج على ما يقع غير ان معظم الشعب التركي شارك في هذه الجرائم مشاركة فعلية فلم يرفع عالم ديني واحد صوت استنكار. كما لم يلق الآمرون بها اية صعوبة في تحشيد العدد الكافي من السفاحين والجلادين الذين قبلوا المهمة برغبة وحماسة. ان الجريمة لهي جريمة العثمانيين وجريمة خلافة إستانبول)

أجل اشارك الشعب الأرمني في مأساته التاريخية بكل جوارحي واستنكر بشكل قاطع تلك المجزرة الجينوسايدية ولا يمكن نسيانها.. وأقول ليس للكورد ذنب.. كما ليس للكورد ذنب في مساهمتهم مع العثمانيين بالهجوم على اخوتهم الكورد الاصلاء في جبل سنجار ايضاً..

 القامشلي/  24. 04. 2014

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

د. محمود عباس

حين يمرض الضوء، تبقى الذاكرة سنده.

قبل فترةٍ ليست بعيدة، استوقفني غياب الأخت الكاتبة نسرين تيلو عن المشهد الثقافي، وانقطاع حضورها عن صفحات التواصل الاجتماعي، تلك التي كانت تملؤها بنصوصها القصصية المشرقة، وبأسلوبها المرهف الذي حمل إلينا عبر العقود نبض المجتمع الكوردي بخصوصيته، والمجتمع السوري بعموميته. كانت قصصها مرآةً للناس العاديين، تنبض بالصدق والعاطفة،…

خالد حسو

 

ثمة روايات تُكتب لتُروى.

وثمة روايات تُكتب لتُفجّر العالم من الداخل.

ورواية «الأوسلاندر» لخالد إبراهيم ليست رواية، بل صرخة وجودٍ في منفى يتنكّر لسكّانه، وثيقة ألمٍ لجيلٍ طُرد من المعنى، وتشريحٌ لجسد الغربة حين يتحول إلى قَدَرٍ لا شفاء منه.

كلّ جملةٍ في هذا العمل تخرج من لحمٍ يحترق، ومن وعيٍ لم يعد يحتمل الصمت.

فهو لا…

صدرت الترجمة الفرنسية لسيرة إبراهيم محمود الفكرية” بروق تتقاسم رأسي ” عن دار ” آزادي ” في باريس حديثاً ” 2025 “، بترجمة الباحث والمترجم صبحي دقوري، وتحت عنوان :

Les éclaires se partagent ma tête: La Biography Intellectuelle

جاء الكتاب بترجمة دقيقة وغلاف أنيق، وفي ” 2012 ”

وقد صدر كتاب” بروق تتقاسم رأسي: سيرة فكرية” عن…

كردستان يوسف

هل يمكن أن يكون قلم المرأة حراً في التعبير؟ من روح هذا التساؤل الذي يبدو بسيطاً لكنه يعكس في جوهره معركة طويلة بين الصمت والكلمة، بين الخضوع والوعي، بين التاريخ الذكوري الذي كتب عنها، وتاريخها الذي تكتبه بنفسها الآن، فكل امرأة تمسك القلم تمسك معه ميراثاً ثقيلا ً من المنع والتأطير والرقابة، وكل حرف…