على مدى ثلاثة أسابيع ومنذ عدة أشهر قليلة كنت متابعة لفيلم سينمائي كبير من ثلاثة أجزاء, واسم الفيلم (the lord of the rings) (سيد الخواتم) وعودة الملك, الحائز على (15) جائزة عالمية ومنها الأوسكار ويروي الفيلم أسطورة الصراع بين قوى الخير والشر, وتبدأ القصة في إحدى قرى الأقزام, أوالهوبيت حسب الفيلم حيث يتدحرج خاتم ذهبي لامع يسقط من إحدى الكائنات تسمى (الغولوم), ويلتقطها أحد الأقزام واسمه ( بيبلو باغنز), ثم يظهر رجل عجوز قوي يشع نوراً بشعره الطويل الأبيض, وثيابه البيضاء واسمه (غاندالف), ثم يلتقي بابن أخ (بيبلو), فيصعده معه إلى عربته, ومن ثم يعرج على (بيبلو) لأنهما صديقان قديمان, ومن هنا يكتشف (غاندالف) وجود الخاتم مع ( بيبلو), ثم مغادرة الأخير لمنزله ليقوم بإحدى مغامراته, فيترك المنزل والخاتم بناءً على طلب صديقه العجوز
يحاول العجوز أن يلتقط الخاتم لكن قوى الشر الموجودة في الخاتم تناديه وتحاول إغرائه فيترك الخاتم حيث هو, حتى يدخل عليه (فرودو باغنز) ابن أخ (بيبلو) فيلتقط الخاتم دون أن يتأثر بقوة الخاتم فيخبره قصة الخاتم ومصدرها, وفي هذه الأثناء كان (ساموايز كامجي) وهو أحد الهوبيتيين يتنصت على حديث (فرودو وغاندالف) فيشرك العجوز (فرودو وسام) لإيصال الخاتم إلى حانة في المدينة المجاورة حسب موعد متفق عليه, ليلتقي العجوز والفتية الأقزام هناك, بينما يذهب إلى معلمه لاستشارته بالأمر, وبعد أن يذهب (غاندالف ) إلى معلمه (سارومان) كي يساعده لكنه سرعان ما يكتشف انه اتحد مع (ساورون) ملك الشر, ويعد جيشا جراراً من مخلوقات مشوهة شبيهة بالإنسان, يصنعها بسحره من جثث الأموات تسمى (الأورك), ومن هنا تبدأ رحلة الخير والشر والصراع بين القوتين, ففي الطريق يرتطم (فرودو وسام )بصديقيهما (بيبي وماري) ومن ثم تبدأ مطاردة من الأشرار فيفر الأصدقاء الأربعة من قبضتهم ويصلون المكان المتفق عليه وفي الحانة يثمل (بيبي) ويبدأ بالحديث عن( فرودو باغنز) وما هي صلة القربى بينهم وعندما نطق باسم( باغنز) سمعتها قوى الشر وبدأت بالتوجه إلى تلك الحانة بحثاً عن (فرودو) وكان هناك في الحانة رجل جالس في الظلام بالكاد ترى وجهه ما إن سمع باسم (باغنز) هب واقفاً وهجم وأخذ (فرودو) ورفاقه الأقزام معه وواراهم عن الأنظار, وقال لهم لا تذكروا اسم (باغنز) فالأشرار يعلمون باسمه ويبحثون عنه, وهذا الشخص هو (آراغون ) ابن الملك (آراثون ) الذي يمثل القوى الخيرة وهو مساعد (غاندالف) الساحر الحكيم الذي يحارب من أجل الخير.
ومن ثم يتوجه الجميع إلى أرض الجان, وفي الطريق يهاجمهم الأشرار( فرودو) وأصدقائه فيطعن الأشرار (فرودو) في كتفه, فيأخذونه إلى ملك الجان الذي يستطيع إنقاذه من هذه الطعنة المهلكة, وفي الطريق تظهر فتاة حسناء اسمها (آرون) وهي ابنة ملك الجان وحبيبة (آراغون) فتتكفل بالمهمة بما أنها فارسة قوية وجوادها سريع لإيصال (فرودو) إلى والدها, فيهاجمها الأشرار, ولكنها تستطيع التغلب عليهم, وتوصل الفتى القزم إلى أراضي الجن بأمان, وهناك يداوي ملك الجان جراحه حتى يتماثل للشفاء, فيستدعي ملك الجان ملوك الأرض لإيجاد حل للكارثة المرتقبة على الأرض, وسيادة قوى الشر عليها فيختلفون فيما بينهم على إيصال الخاتم إلى جبل النار الذي صنعه الشرير (ساورون) من سعيره, وإتلافه هناك, فهنا يتدخل (فرودو باغنز) ويتكفل بمهمة أخذ الخاتم إلى جبل النار وإتلافه لينقذ البشرية من الهلاك المحتم ويتعهد الملوك والساحر(غندالف) بحمايته حتى حدود استطاعتهم في رحلة إيصال الخاتم, وتتكرر المحاولات لأخذ الخاتم من (فرودو) ويُقتل بعض الملوك فيفترق (فرودو) حامل الخاتم و(سام) حامي الخاتم عن صحبهم ويبدأان رحلتهم الشاقة بمفرديهما وفي الطريق ينضم لهما (سميغيل) أو (غولوم) ويتكفل بإرشادهما إلى (موردو) أرض الظلام حيث يوجد جبل النار مبتغاهم والذي صنع الخاتم من سعيره.
ففي الجزء الثالث والأخير، تدخل الثلاثية في ماضي إحدى شخصياتها الأساسية المحيرة وهي (غولوم )، للوقوف على ما قاده إلى مصيره الممسوخ الذي آل إليه, ولأنه عشق ذاك الخاتم قتل أعز أصدقائه بسببه, ومما لا شك فيه إن هذا المنحى أضاف بعداً إنسانياً حساساً لحكاية كان من الممكن أن تبقى على تخوم الفانتازيا والخيال, والحاجة إلى الالتفاف على المُشاهد بأكثر من إبهار بصري خارجي، ذاهباً إلى تخوم مظلمة سوداء داخل النفس البشرية وصراعها الأبدي بين الخير والشر, الحب وفناء الذات في سبيل إحقاق الحق.
وفي هذه الأثناء جهز (سارومان) جيشاً كبيراً كي يغزوا مملكة (روهان) وتدور على أسوارها معركة طاحنة يشارك فيها (آراغون) و(نيكولاس) الجني وملك الأقزام (غيملي) وملك روهان (ثيودون) فيكتب لهم النصر على قوى الشر, ومن ثم يُعد (سارومان) جيشاً أكبر من ذي قبل إلى (غوندور) مملكة (آراغون) فيتوجه (غاندالف) و(بيبي) لـ (غوندور ) لتنبيههم من الخطر المتوجه نحوهم ويرسل (آراغون ونيكولاس وغيملي) إلى ملوك الجبل الأشرار لإعانتهم في الحرب المرتقبة على مملكته لأنهم يدينون بولائهم لأجداده, الذين خذلوهم من قبل فحلت عليهم لعنة ساحر فلم تغادر أرواحهم الأرض, وقبل مغادرة (آراغون) جاء ملك الجان ليعطي السيف (آندرويل )الذي أعاد تصنيعه وحسنه لخوض هذه الحرب بالذات لأن هذا السيف سبق وأن هزم (ساورون) وهو لأجداده, ويعمل (غاندالف) و(بيبي) لتنبيه الممالك المجاورة وممالك الأرض بإشعال نار كبيرة فوق أعلى قمة الجبل حتى يتنبه الجبل الأخفض منه وهكذا يتنبه الجميع لطلب مملكة (غوندور) المساعدة, فهذا ذكرني بالنار التي أشعلها ( كاوا) الحداد لتنبيه رفاقه عندما قتل الضحاك الباطش بأدمغة الكرد, وتدور المعركة الحاسمة بين الخير والشر على أسوار (غوندور) والخير ينتصر في الأخير ويتزوج (آراغون) من ابنة ملك الجان (آرون), ويتوج على عرش أبيه ملكاً وكلٌ منهم يعود إلى دياره ويعيش رغد العيش, وهذا ما ذكرني أيضاً بأننا نكنى بأولاد الجان, وتتالى الذكريات وأعود إلى قصة هوميروس في (الإلياذة) و جلجاميش وصراعه للوصول إلى سر الخلود, وكيف وهو نصفه آلهة ونصفه الآخر من البشر وماذا سيفعل كي يظل خالداً ويبدأ رحلته الطويلة باحثا عن عشبة الحياة, والمخاطر التي يتعرض لها من خلال رحلته والنتيجة المحتمة التي يصل إليها وهو: أن كل كائن بشري مصيره الفناء والزوال, فبحث عن شئ يخلده فبدأ ببناء القصور من خشب الأرز وتبدلت معاملته لشعبه بعد أن كان ظالماً باطشاً تحول إلى ملك عادل متسامح, محب, فمنذ الأزل نقرأ أو نسمع من العجائز أن أقوام القصة الأسطورية عادة يعبرون عن مفهوم الصراع بين الخير والشر وبين شخصيات عاديِّة ومخلوقات عجيبة كالـ (الجن، والعفاريت، والغيلان، والوحوش الغريبة الأشكال, والعنقاء reşk şev ) وغيرها، وهي كائنات غالباًً ما تتشابه في مواصفاتها وسلوكياتها, فهي تتميَّز بالشكل المرعب والمخيف، وقواها خارقة خارجة عن الطبيعة البشرية المحدودة, هذا هو المفهوم العام للأسطورة, لكن ما توصلت إليه التقنيات السينمائية والتصوير الرقمي المدهش الذي اجتاز بالعقل البشري والتخيل إلى آفاق مرئية بالصوت والصورة مع إضافة رؤى المخرج (بيتر جاكسون) الحالمة ليبدع قصة اليهود ويزخرفها ويقدمها بأبهى حلة من العطاء الإنساني وتبليغ الرسالة اليهودية للعالم بأبهى صورة ممكنة في (the lord of the rings ).
ومن هنا نتعرف على القيمة الحقيقية لهذه الحكايات والأساطير عند محاولة فهم مغزاها, ألا وهي ردة فعل من أفراد الشعب لتسطير مواقفهم وعاداتهم وتقاليدهم وأفراحهم وأتراحهم, التي تعرضت لصراع طبقي أو اجتماعي, أو حالة سياسية معينة لم يستطيعوا معارضتها, وفي الوقت ذاته تصور الصراع بين الخير والشر, وبين الإنسان وأعداء الإنسانية وتعبر عن التفاؤل الكبير الذي يحس به أفراد الشعب من ضرورة انتصار الخير على الشر, فلجأوا إلى ملكة الحلم وسرد الحكايات والأساطير حولها ليخلدوا مقاومتهم لها ومواقفهم منها .
والشيء الذي يلفت النظر أنه مهما أظلمت الحياة وقست الظروف وتفنن الطغاة في التنكيل بالناس يكون الخير هو المنتصر الدائم, وما من طفل قروي إلاّ وسمع أكثر من مرة في ليال الصيف المتعاقبة الطويلة, حكايات وأساطير من مجالس أجدادهم في عهد الطفولة, وبعد الانتقال إلى المدن أخذت تتبخر وتتلاشى من أذهانهم بشكل تدريجي هذه الحكايات و الأساطير, ولم يعودوا يرون فيه سوى أنه كلام عجائز, ولأن الأساطير والحكايات عاشت محصورةً أو مقتصرةً على القرى وحدها باتت تنسى هذه الأشياء التي كانت شطراً من حياتنا, وخصوصياتنا والذي كان له الدور الكبير لتفتيح أذهاننا, وتقوية ملكة الحلم عندنا فكل طفل كان يرى نفسه ذلك البطل المغوار الذي دحر الشر وناصر الخير, وكم ليلة أحس بالقشعريرة تسري إلى داخله وهو يتلفت حوله خوفاً من جني كمن له في إحدى الزوايا المظلمة؟, فالليل بالرغم من سواده يظل مشعاً بنجوم الأمل .
————
– كاتبة كردية سورية
orkesh2005@yahoo.com –