إبراهيم اليوسف
لا يخفى على أي متابع للنص الفيسبوكي – على نحو خاص- وما يكتب في شبكات التواصل الاجتماعي-على نحو عام- أن هناك اتفاقاً غير معلن، وغير مقعّد، بين الناص والمتلقي، في ما يخص إيقاع النص، وهو قد فرض نفسه نتيجة طبيعة عملية التواصل، ضمن ثلاثية” النص-الناص- المتلقي، إذ نجد أنه وبحكم التجربة، هيمنة للنص سريع الإيقاع، مقابل غيرها من الإيقاعات التي تهيمن على النصوص، متوسطة الشريط اللغوي، أو المطولات، و هو ما ينجم وفي ظل الحاجة عن تفاعل جملة أدوات ضمن النص، بما يجعلها تنجح، أو تفشل في تحقيق مهمة تفاعلها مع المتلقي.
و بدهي، أن أي نص مدون، لابد من أن يتوافر فيه شرطان، أولهما: المحتوى، أو المضمون، و ثانيهما: الشكل الفني، وأن تفاعل كلا المكونين، في هذا النص يمنحه أهميته، وجدواه، هذه الأهمية التي قد باتت بلا معنى-تنظيرياً- ما لم تترجم من خلال تعاضدات جمهرات المتلقين معها، إذ أن قيمة أية مدونة تكتسب من خلال درجة تأثيرها في المرسل إليه، وإن كنا هنا أمام إشكال كبير، سنتعرض إليه، خلال هذه الوقفة.
ويستطيع أي مدون، أن يحقق الشرط الأول في ما يتركه عبر شبكات التواصل الاجتماعي، ومن بينها الفيسبوك، بمعنى أن في إمكان أي مشترك في الفضاء الافتراضي، أن يصوغ مجرد مفردات، أو عبارات، أو جمل، ضمن إطار معانيها المسبقة، في ما إذا لم يكن يعني التهويم، أو يعاني من عدم مقدرة التعبير اللغوي، بحيث يوصل فكرته إلى العامة، أو الخاصة ممن يحددهم كمتلقين لمدونته، بحسب رغبته الشخصية، لنكون أمام سلسلة شيفرات تعطي معاني مباشرة، أو غير مباشرة، بحسب طبيعة الخطاب.
ورغم أن بنية النص، لا يمكن تفكيكها، إلا افتراضياً، غير أن تناول: المفردات، وعلاقاتها في مابين بعضها بعضاً، ناهيك عن العمارة البسيطة، أو المركبة، التي تشكلها، ذات علاقات متعددة المستويات، منها ما هو جمالي، يتشكل بموجب مهارات الناص، ومنها ما يلعب دور الأداة الوسيطة في نقل الفكرة، حيث نجد هنا أن عمق تجربة المدون يظهر جلياً، ليس من خلال جذب المتلقي، وإنما من خلال صياغة النص في الشكل الفني المقبول.
وينظر إلى إيقاع النص، خارج الرؤية التقليدية للموسيقا الشعرية، وعروضها التي اكتشفت على يدي أبي خليل الفراهيدي، وحتى التفعيلات التي نجمت عنها، وظهرت محاولاتها الأولى في فن الموشحات، قبل أن يتبلور في أربعينيات القرن الماضي على يدي مربع الشعر العراقي” بلند الحيدري – بدر شاكر السياب- نازك الملائكة- عبد الوهاب البياتي”، بل من خلال مفهوم الإيقاع الذي ظهرت طروحاته، وتصوراته الأولى من قبل سوزان برنار في كتابها “قصيدة النثر من بودلير إلى اليوم 1959” ، وهي تتجلى في استبطان تواشجيات المفردة ضمن الجملة، والجملة ضمن النص، وهلمجرا، لاسيما وأن الدراسات النقدية الحديثة اكتشفت إيقاعات اللون، وإيقاعات الصورة، وإيقاعات الابتسامة، وإيقاعات الشجرة، والحديقة، والنهر، وغيرها، وكل هذا ما يأتي ككسر للعلاقة التقليدية الناظمة بين أحدنا ومحيطه.
ولعل كل متابع يدرك، أن شبكات التواصل الاجتماعي، قد أربكت، بل خلخلت، الكثير من نظم التواصل في مرحلتها البدائية، و الحداثية، عبر المضي بها، إلى لحظتها ما بعد الحداثية، بحيث أن فجوة كبيرة تتعرض سبل تواصلية النص، و وظيفيته، ما يعني أن الكثير من المفاهيم التنظيرية باتت خارج إطار المرجعية النقدية، التي طالما تم الاحتكام إليها، منذ بواكير النصوص النقدية، وانتهاء بالنقد الحديث، والنقد الذي وسم نفسه ب”ما بعد الحداثة” قبل الانغماس في فضاء الحالة نفسها، باعتبارنا قرأنا استشرافات نقدية استباقية، لم يكن هذا النص مدرجاً على طاولات تشريحها.
تكمن أهمية إيقاعات النص الفيسبوكي، في أنه خارج تقعيده، وأن لا شروط مسبقة تقيده، بل ثمة فضاء شاسع أمام الناص، يستطيع التكيف معه، كما يرغب، بيد أنه أحوج إلى قدرات فنية عالية، كي يستطيع تجنب استعادة ما هو مكرور، وكتابة نص غير مستنسخ الإيقاع، نص يستمد إيقاعه من تفاعل مجمل أدواته في مختبره النصي، وهذه سمة هذا النص، وهي علامته الفارقة أيضاً، في الوقت ذاته.