لطفاً لطفاً ! الحياة مؤجَّلة

 ابراهيم محمود
” إلى عبدالواحد علواني في رحلة البحث عن الزمن المفقود “
يحتجب الصباح على بوابة يومه
لأنه لا يجد من يرّحب به
جرّاء انخراط في لعبة أهواء ليلية 
ينتحر الورد في مناغاته الأولى
لأنه يفتقد يد العاشق
جرّاء انغماسه في مغامرات دون قلب
يتلوع النبع في منزله الأرضي
لأنه يفجع بموت فم مطبوع بالشفافية
جرّاء توحده مع ذوقيات طحلبية كاتمة للأنفاس
يعتزل البلبل أوركسترا تغريده
لأنه أعزل من أذن تعوّدت النوم بالقرب منه
جرّاء استسلامه لأبواق السوق المستفحلة
يدخل الكتاب في حالة موت سريرية
لأنه يخسر العين التي تضحك لمرأى قارئه
جرّاء إدمانه لعبة ” التعضّل ” الاجتماعي
يدخل الحلم في سبات مفتوح
لأنه مصدوم بالرأس المثقَل بالدبق
جرّاء عقوده مع يقظة قفراء
تتوقف الحواس السليمة عن العمل
لأنها تعدِم الجسد المهموز بالأمانة
جرّاء مضيها الماراتوني في تيار الروتين اليومي والسوقي
يصاب الطريق بالمغص الحاد
لأنه أفقِر من الخطى التي تصادقه في تمامه
جرّاء دخولها في لعبة التنافسات المهينة لاسمه
يتثائب محرك السيارة الحديثة في العراء
جرّاء استحمام صاحبها الطويل بالتخطيط المؤامرات داخلها
يضج النهر بشكل غير مسبوق
لأنه يكاد يحتقن بالموت الخارجي
جرّاء رمي الرؤوس المقطوعة فيه
تصاب كاميرا المراقبة بالعمى المباغت
لأن حدقتها افتقدت الوجوه الحليقة الباسمة
جرّاء تبادلها جثث أصدقاء كانوا لها بالأمس
ينتكس الرحم
لأنه يفتقد دفق خصوبة واعدة
جرّاء سموم تقيم بين ” الصلب والترائب “
تؤلّب الأبجدية اللغة على الناطقين بها
لأنها تعدِم تهجئة دافئة لحروفها
جرّاء مساومات استهلكت دمها بالكامل
يدخل شهود العيان في انتحار جماعي
لأنهم فقدوا الأسماء ذات الآذان
جرّاء عقود تواطؤية تحلهم محل عتاة المجرمين
تتصلب مطرقة القاضي في مكانها
لأنها تفتقر إلى راحة ذات حنان
جرّاء النطق بحكم يخدم الأهواء التي تعمُّ المدينة
تخرج دور العبادة عن صمتها
إذ يقصدونها لطلب استراحة مشبوهة
جرّاء ساعات واسعة من التسديد الدقيق على الطهارة
يقطع الكلب ذنَبه قهراً
إذ يرى  أذناباً لا تحصى 
جرّاء بصبصة تعلَّمها كثيرون في أقل من خمسة أيام
تنهار الأرقام المعلقة على أبواب العمارات العالية
إذ تعيش انحسار دائم إلى الخلف
لأن البيوت منتهكة على مدار الساعة
مراقب دوام العمل يقدم استقالته
إذ يتعداه جل الموظفون دون توقيع
جرّاء انشغالهم بالأهم من ” خدمات المواطنين “
تجتاح الموبايلات جائحة خرس عامة
إذ تتداخل أصوات فقدت اللغة المعهودة
جرّاء ” شحن ” بمواعيد تحض على التعجيل بالموت
تتشنج المطارات العالمية
إذ تفتقد الملامح التي تعدُ جنباتها بالرحابة
جرّاء صحبتها لأسلحة ثقيلة تكون هي في قائمة قنصها
تهجر المطارات الرسمية مواقعها
إذ تعيش عزلة في المسافرين الفعليين
جرّاء انتشار مطارات سرّية لتطويق الهواء المتبقي في المدينة
تلفظ شاشات التلفزة أنفاسها الأخيرة
إذ تحن إلى ساحات آهلة بالورود
جرّاء ازدحامها بالقناصين الشامتين بالإعلام الرسمي
تعلن الجينات الحضارية عن تقديم مسابقات
إذ توفرت فرص عمل لمحبي الآفات ونهب العواطف السريع
يتقاطر المولعون بالسياسة أباً عن جد
يدخل في ركابهم شعراء مطأطئي النظرات
يلحق كتاب مدربون على تلفيق العواطف الصيادة للأطفال والبكور من النساء
يتزاحم شهود عيان مخضرمون بارعون في الإيقاع بالقاضي والقسَم
يصطف الإعلاميون المعنيون بتركيب المشاهد الخارجة على القانون
يأخذ كل منهم موقعه في المدينة المركَّبة على الأهواء
يعض الله على إصبعه ندماً كونياً
إذ يرى ما لم يحسب له حساباً في قولة ” كن فيكون “
وسدرة منتهاه محاصرة بالهواء الأرض المسموم
ويبارك إبليس الجميع
في عرسه الموعود والمطنطن
 وهو يردد:
ألم أقل لك ذلك ؟
ألم أقل لك ذلك ؟
يمزَّق الستار

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف

الكتابة البقاء

لم تدخل مزكين حسكو عالم الكتابة كما حال من هو عابر في نزهة عابرة، بل اندفعت إليه كمن يلقي بنفسه في محرقة يومية، عبر معركة وجودية، حيث الكلمة ليست زينة ولا ترفاً، مادامت تملك كل شروط الجمال العالي: روحاً وحضوراً، لأن الكلمة في منظورها ليست إلا فعل انتماء كامل إلى لغة أرادت أن…

أعلنت دار الخياط – واشنطن عن صدور رواية جديدة للكاتب والباحث السوري مازن عرفة بعنوان «نزوة الاحتمالات والظلال»، لتضاف إلى سلسلة أعماله الأدبية التي تجمع بين العمق الفكري والخيال الجامح، وتفتح أفقاً جديداً في السرد العربي المعاصر.

وتطرح الرواية، التي جاءت في 190 صفحة من القطع الوسط، عالماً غرائبياً، تتقاطع فيه نزوات الطغاة مع رغبات الآلهة،…

غريب ملا زلال

أحمد الصوفي ابن حمص يلخص في تجربته الفنية الخصبة مقولة ‘الفن رؤيا جمالية وبدائل لفساد الروح’، وهو كثير الإنتماء إلى الضوء الذي يحافظ على الحركات الملونة ليزرع اسئلة محاطة بمحاولات إعادة نفسه من جديد.

يقول أحمد الصوفي (حمص 1969) في إحدى مقابلاته : “الفن رؤيا جمالية وبدائل لفساد الروح”، وهذا القول يكاد ينبض في…

عبد الستار نورعلي

في الليلْ

حينَ يداهمُ رأسَك صراعُ الذِّكرياتْ

على فراشٍ مارجٍ مِنْ قلق

تُلقي رحالَكَ

في ميدانِ صراعِ الأضداد

حيث السَّاحةُ حُبلى

بالمعاركِ الدُّونكيشوتيةِ المطبوخة

على نارٍ هادئة

في طواحينِ الهواء التي تدور

بالمقلوبِ (المطلوبِ إثباتُه)

فيومَ قامَ الرَّفيقُ ماوتسي تونغ

بثورةِ الألفِ ميل

كانتِ الإمبرياليةُ نمراً..

(مِنْ ورق)

بأسنانٍ مِنَ القنابلِ الذَّرية

ومخالبَ مِنَ الاستراتيجياتِ الدِّيناميتية

المدروسةِ بعنايةٍ مُركَّزَة،

وليستْ بالعنايةِ المُركَّزة

كما اليوم،

على طاولته (الرفيق ماو) اليوم

يلعبُ بنا الشّطرنج

فوق ذرى…