مهرجان وشعراء

صبري رسول

منذ تسعة عشر عاماً والمهرجان الشّعري الكُردي يتواصل، يتجدّد، ويُحتفَلُ به كلّ عام بقضاء حولٍ كامل عليه، يُقام الاحتفال، تُوزّع الجوائز، تضجّ القاعةُ بالشّعراء من كلّ حدبٍ وصوب، والحضور سعداء لحصولهم على فرصة للالتقاء بهذه القامات.
منذ القديم وهذا دأبُ الشّعراء، عند العرب والفرس وغيرهم، يجتمعون في سوق الشّعر، يُعلنُ كلّ منهم عن بضاعته، يُعرضها على الجمع المتعطش إلى الكلمة الإيحائية، يخطفُ أحدُهم الجائزةَ، يُخلّدون صورهم في المناسبة في ذاكرة صورية.
لكن ما يمكن طرحه من الأسئلة قد لا نجد إجابات لها في داخل المهرجانات، ولا في الأماكن التي شاركتهم في القصائد. 
ما الفائدة من إقامة هذه المهرجانات، والوجوهُ نفسُها تتكرّرُ، والمعاني نفسُها تتكرّر، وإن بعناوين مختلفة. 
أليسَتْ هذه المهرجانات تشبه احتفالات سياسية؟ حيث الخطاب السياسي يطغى على كلّ صوتٍ آخر. 
نسمع كلّ عام أنّ الشاعر الفلاني قد نال الجائزة، لكن لم نسأل كيف حصل عليها؟ كما سمعنا أنّ لجنة إدارة الشعر هي التي تحدّد الشاعر الذي سينال الجائزة قبل بدء المهرجان، ولم نسأل أعضاء هذه اللجنة: ما المعايير التي وضعتموها لاختيار الشاعر الذي يستحق الجائزة؟ ألم يكن من الأفضل تشكيل لجنة ممن لديه باعٌ في هذه الصناعة لتقوم بتشريح النصوص المرشحة، ومن ثم إصدار حكم نقدي عليها.
العرب في الجاهلية كانت تقيم مهرجانات الشعر في سوق عكاظ (مكان قرب الطّائف على طريق مكة) وفيها يتبارز الشّعراء في إلقاء قصائدهم، ويجلس النّابغة، وبعض ممن لهم شأن في الشعر، فيطلقون أحكاماً نقدية على القصائد (هذا أبلغ ما قالته العرب، لعمري لم تسمع العرب مثلها من قبل…) لكن للأسف حتى مثل هذا التقييم يغيب عن مهرجانات شعرنا.
الغريب في الأمر أنّ الكثيرين من هؤلاء يجمعُ في شخصيته السياسة والشعر، والصحافة، والنّقد، والكتابة، والتّحليل الاستراتيجي. 
ورغم امتلاكنا كلّ هذه الطّاقات يعاني هذا الشّعب المسكين من الضّعف والضياع، والتّيه في أزقة العالَم.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبدالعزيز قاسم

(كان من المقرر ان اقدم هذه المداخلة عن “اللغة الشعرية في القصيدة الكردية المعاصرة ـ ڕۆژاڤا” في مهرجان فولفسبورغ للشعر الكردي اليوم السبت ٢٥ اكتوبر، ولكن بسبب انشغالي بواجب اجتماعي قدمت بطاقة اعتذار إلى لجنة إعداد المهرجان).

وهذه هي نص المداخلة:

من خلال قراءتي لنتاجات العديد من الشعراء الكرد (الكرمانجية) المعاصرين من مناطق مختلفة “بادينان،…

إبراهيم محمود

 

تلويح خطي

كيف لرجل عاش بين عامي” 1916-2006 ” وفي مجتمع مضطرب في أوضاعه السياسية والاجتماعية، أن يكون شاهداً، أو في موقع الشاهد على أحداثه، ولو في حقبة منه، إنما بعد مضي عقود زمنية ثلاثة عليه، دون تجاهل المخاطر التي تتهدده وتتوعده؟ وتحديداً إذا كان في موقع اجتماعي مرصود بأكثر من معنى طبعً، كونه سياسياً…

د. محمود عباس

حين يمرض الضوء، تبقى الذاكرة سنده.

قبل فترةٍ ليست بعيدة، استوقفني غياب الأخت الكاتبة نسرين تيلو عن المشهد الثقافي، وانقطاع حضورها عن صفحات التواصل الاجتماعي، تلك التي كانت تملؤها بنصوصها القصصية المشرقة، وبأسلوبها المرهف الذي حمل إلينا عبر العقود نبض المجتمع الكوردي بخصوصيته، والمجتمع السوري بعموميته. كانت قصصها مرآةً للناس العاديين، تنبض بالصدق والعاطفة،…

خالد حسو

 

ثمة روايات تُكتب لتُروى.

وثمة روايات تُكتب لتُفجّر العالم من الداخل.

ورواية «الأوسلاندر» لخالد إبراهيم ليست رواية، بل صرخة وجودٍ في منفى يتنكّر لسكّانه، وثيقة ألمٍ لجيلٍ طُرد من المعنى، وتشريحٌ لجسد الغربة حين يتحول إلى قَدَرٍ لا شفاء منه.

كلّ جملةٍ في هذا العمل تخرج من لحمٍ يحترق، ومن وعيٍ لم يعد يحتمل الصمت.

فهو لا…