استطلاع / محمد القذافي مسعود *
– الثورة التي لا تسبقها ثورة ثقافية هي ثورة تمشي على رأسها.
– أصحاب فتاوى القتل والتكفير هم أسياد الثقافة ويصل متابعوهم إلى الملايين من المغيبين والجهلاء.
– التغييرات السياسية في بلدان عربية لم تستطع أن تمد أوصال ثورتها إلى عقل المبدع .
هل كنا في حاجة إلى ثورات تمثلت على الأرض بين سلمية ومسلحة للإطاحة بأنظمة ديكتاتورية طال زمن استبدادها وقهرها للشعوب المتعطشة للحرية والعدالة ؟ هل كنا فعلا بحاجة إلى تغيير لم تدرك الشعوب نتيجته المأساوية التي وصلنا إليها بعد سنوات من لحظة الانتفاضة الأولى ؟
أسئلة أدرك كل من أطلق صرخته يوم انتقاضة الحرية أنها صادمة له اليوم بعد مضي خمس سنوات من ثورات ما سمي بالربيع العربي ؛ ليأتيَ السؤالُ الأهمُ والأكثرُ أهميةً : هل نحن بحاجة إلى ثورة ثقافية ؟
في هذا الاستطلاع يناقش عدد من المثقفين العرب هذا الموضوع بآراء تختلف باختلاف التفكير والمنشأ …
حمزة الأخضر / أستاذ جامعي ماجستير قانون خاص من ليبيا
نحن بحاجة إلى ثورة ثقافية تجفف منابع كل الأفكار الهدامة والأفكار المتطرفة التي أدت إلى الوقوف أمام عجلة الإصلاح الثقافي والتطور العلمي والبناء الاقتصادي .. وسبب ذلك ثقافة ( رومني والا نكسر قرنك) وثقافة ( اللي تحصله تحصله ) وثقافة ( اخطى راسي وقص ) كل هذه العبارات أوصلتنا إلى ما نحن فيه الان .. الثورة الثقافية ليست شهادات علمية أو مستويات وظيفية بل حصيلة ما يستفيده العقل والضمير من تعاليم راقية تؤدي الى اصلاح البلاد والاحسان بين العباد دون إفراط أوتفريط
ياسر فاروق خالد / كاتب وصحفي من مصر
لماذا نُثقف الناس ونسعى في توعيتهم لنخرج أفضل ما لديهم لصالح مجتمعاتهم فيكونوا على وعي حقيقي وجاد بتحديات مجتمعاتهم وكيف يتجنبون المخاطر التي تهددها وكيف يخرجون بها من أي أزمة حدثت لها
فإن غابت الثقافة أولم يحدث نتاج لها صارت المجتمعات لا أخلاق لها وأصبحت السمة الغالبة هي الأنا التي لو سيطرت على مجتمع لاع وفقد كل القيم وعندما نستعرض أوضاعنا الآن وننظر إليها نظرة محايدة سنجد أننا غاية في الجهل والقهر والعنف بل والقتل الذي أصبح له مقاولون يقتلون مقابل المال ومقابل الصفقات ومقابل التسيد والوصول إلى السلطة لا وازع من ضمير ولا رؤية ولا رشد القتل والتفجير والإرهاب ولهذا لا يجب أن نتأخر أكثر من ذلك في علاج هذه الأزمة – أزمة غياب الثقافة والوعي- فعلاج هذا المرض سينقذ ما يمكن إنقاذه لذا أعتقد أننا نحتاج الي ثورة ثقافية حقيقية تعيد ترتيب أولويات الأمة حتى نتخلص من هذا التشويه الذي حدث للمجتمع .
إن المجتمع يعاني من خواء فكري ومعرفي وثقافي وقيمي وهذا ما أنتج لنا داعش والنصرة وبيت المقدس والإخوان فلو أننا نقوم بدورنا الثقافي؛ لكانت أول قضية هي قضية المذهبية وكيف نقوم بتحجيمها أولا ثم نقضي عليها بعد ذلك المذهبية الدينية ولدّت لنا الفتنة ، وعندما نتعرض لقضية مثل هذه يجب أن نعالجها بالتركيز علي الانتماء أولا للدين الذي يربطنا بالله ثم الوطن الذي نعيش عليه ثم اللغة التي نتحدث بها سويا ،وإن هذا من الدين حماية الوطن واللغة والوحدة كفيلان بأن تعود القيم السيئة من حيث تفشي سفك الدماء بين المسلمين بتبريرات من التراث تقول بأننا في أزمة ثقافية أن سفك الدماء عندما يحدث عليك أن تتأكد أن هذه المجتمعات فقدت صلتها بالبشر وليس بالثقافة والتوعية فقط فالله قال لنا ” وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ” وليس لتعاركـوا ، ثورة ثقافية تتضافر فيها الجهود كلها لنُضيق الخناق على الفوضى لكن السؤال الجوهري هنا :
على من ستقوم الثورة ومن سيقوم بها وما أدواتها ؟
قولا واحدا على التراث الذي أنتج لنا بيئة من المتعلمين وأصحاب المؤهلات العُليا لكنها لا تتورع عن استخدام العنف والإرهاب واستخراج مبررات من التراث هنا يجب أن نبدأ ومن الصفر من الصغار ربما يأتي جيل من هؤلاء يقول لنا كما قال الشاعر
كلانا على دين هو به مؤمنُ
ولكن خذلان البلاد هو الكُفرُ.
منيرة العنيزي / أستاذة في الإتكيت من ليبيا
نحتاج ثورة ثقافية تنير لنا قلوبنا المعتمة نستبدل بها السلبيات إلى إيجابيات نرى بها طريقنا الملتوي قبل ثورتنا على الحكام والأنظمة ، يجب أن نقوم بثورة على عقولنا نتخلص بها من الجهل والتخلف ننظر إلى الحياة نظرة حضارية إيجابية نستمتع بحقوقنا كاملة ؛ نأخذ ما لنا بقوة ولا ننتظر من أحد إعطائها لنا .
الثقافة كنز يغذي عقولنا نحارب بها التخلف ننير بها طريق مستقبلنا ومستقبل أجيالنا القادمة نعم نحتاج ثورة ثقافية عارمة. من دون ثقافة الحياة ناقصة منكسرة.
أنيس بن رجب / كاتب من تونس
إن الثورة التي لا تسبقها ثورة ثقافية ؛هي ثورة تمشي على رأسها فالأصل في الثورات أن يسبقها وعي شعبي عام لدى عموم الجماهير بضرورة التغيير بإدراك علل التغيير ومسبباته ،والأهداف المرجو تحقيقها وأساليب التحرك للتغيير وهو لعمري لب الثقافي. فالثورة بما هي هبة جماهيرية لا بد أن يسبقها هبة وعي يقودها المثقف والمبدع بالنهوض بالوعي الجماهيري ، وخلافا لذلك فإن النتائج تكون الفوضى والغوغاء وتشنج الهويات المبنية على عدم إدراك الجماهير للذات والتجذر الوطني والذي بدوره يؤدي إلى شق الصفوف والتشتت. وخير دليل ما تعيشه دول الربيع العربي التي عاشت فيه شعوبها ما يسمى بالصدمة الثورية والتي ستؤدي بها حتما إلى التحرك إلى حين إيجاد توازنا جديدا يتماشى مع الوضعيات التي أحدثتها الثورة من فراغ على مستوى الوعي الجماهيري. فكل جسم ثابت يكون في حالة توازن طبيعي وأي تغيير على وضعيته يجعله في حراك لخلق توازن جديد ملائم مع وضعه الجديد ذلك هو ما تخبرنا به نظرية الصدمة في العلوم الفيزيائية.
د . سليمة سلطان نور / ناقدة وأستاذة جامعية من العراق
قبل أن تتم الإجابة عن ثورة ثقافية علينا العودة إلى معنى الثقافة وربما أبسط تعريف لها يكون بعبارة سهلة وواضحة الثقافة : هي ما يتبقى بعد أن يذهب كل شيء يقصد في مضمار المعرفة وهنا ماذا يتبقى إذن سيسقط السؤال الملح وهو هل نحن بحاجة لثورة ثقافية علي إذن أن أعيد تعريف الثقافة لتكون مجموع تصرفات وفعاليات الفرد التي تعكس ما تبقى من معارف ، الثقافة ليست استحصال النخبة أو أصحاب الشهادات الثقافة ليست فردية واجتهاد خاص ، الثقافة في العالم صناعة تشبه صناعة الطائرات والسيارات والمعلبات وهاري بوتر أنموذجا صالحا لصناعة الثقافة حيث بيعت ملايين النسخ في شتى أرجاء العالم ٢٥٦ مليون نسخة لم تدخل إلينا نسخة واحدة منها وترجم الى ٥٠ لغة ؛ العربية ليست منها وأنتجت أفلام وبوسترات وطبعت على الملابس وأصبحت جي وولّينغ مؤلفتها أغنى من ملكة بريطانيا ووفرت فرص عمل للآلاف والآن أعلى عدد مبيعات لأشهر كاتب عربي في بلاد سكانها أكثر من ٣٠٠ مليون لم يصل ربع مليون نسخة ؛ محمود درويش مثلا نزار قباني ،نجيب محفوظ ،عبد الرحمن منيف. فلماذا لأننا ببساطة بلاد لا تقرأ وهنا نسال عن الثورة المطلوبة واللازمة والملحة وليس سوْال هل نحن بحاجة لثورة! نحن يتوجب أن تكون لنا ثورة يجب أن نلغي النخب الثقافية والإبداعية المنعزلة كأنهم يعانون من جذام أو أن مجتمعهم يعاني من جذام الثورة الحقيقية ،أن ندعوهم للقراءة والفهم والوعي وأن تكون الممارسات الحياتية والمألوفة واليومية هي ثقافة مجموع وليس ثقافة فرد نتخلص من ثقافة النخب المغتربة ونساعد الآخرين من البسطاء لنقف في منطقة وسط يمكننا فيها أن نتفاعل مع بَعضُنَا وإلا سيبقى العريفي والقرضاوي وأصحاب فتاوي القتل والتكفير هم أسياد الثقافة ويصل متابعوهم الى الملايين من المغيبين والجهلاء.
صابرين فرعون / كاتبة من فلسطين
تُعتبر الثورة الثقافية جزءاً مؤصلاً في الثورات عبر التاريخ ، بدءاً بمحاربة ثقافة البرجوازية والنظام الإقطاعي والثورة الاجتماعية في الصين وصولاً للثقافات العربية المتداخلة والتي تشوبها العادات والتقاليد ، فليس من السهل القبول بالعقل والمنطق في جوهر الأشياء وتجديدها من خلال تصحيحها واعتماد العلوم الإنسانية والعلمية في تهذيبها ودحض التعميم القائم على تجربة فرد وافتراضات لا تقوم على بينة وبرهان مادي وبالتالي الاقتناص من الكم والنوع الجمعي والتعميم.. كرم الله سبحانه الإنسان بالعقل ، فسعى للتقدم وبناء حضارات ، تمازجت الأجناس واختلط الحضر والبدو وكبر النشء الإنساني وصار دافع العلم والتعلم متطلباً أساسياً أكبر من السابق ، حيث السعي لموازنة الهدم والبناء من أجل توسيع رقعة التطوير والإنجاز الإنساني ، فالقطب السالب يقابله قطب موجب في كل المجالات الحياتية تعمل على تجاذب الأيونات.. أول ما نزل على رسولنا الكريم كبدايات للوحي كلمة “اقرأ” وللمفردة دلالاتها ومعانيها التي تشير للسمو ، حيث إنها تتعدى فعل القراءة وتجاوره بمعنى الدعوة والتبليغ بالإسلام ، وقد توافد علماء الدين يجتهدون في تفسيرها ما بين ثقافتين اعتمدتا جواب الرسول محمد –عليه الصلاة والسلام- “ما أنا بقارئ” ، منهم من عدها في سياق النفي والإنكار ،ومنهم من عدها في سياق الاستفهام ، والسياق الثاني هو الُمرجح ، فكانت المفردة ركيزة في ثقافة العقيدة.. مثال آخر ، كعرب نسعى للتكاثر ، كما يقول د. مصطفى محمود ، نحن “نتضاعف كالنمل كل عام” ، ونختلف عن المجتمعات الغربية بالوعي ، فلا نرى المشكلة والمخاطر والناحية التربوية وإنما نتحدث بلغة هذا نتاج الزواج!! وكأن النكاح جريمة بريئون مما يترتب عليه .. هنا ، نقف عند تعريف الثقافة.. هل هي شأن فردي يجني على المجموع ، أم ذاكرة جمعية وطريقة للتواصل والاتصال داخل المجتمع الواحد ثم المجتمعات الأخرى ، أم هي نتاج دخيل على التقاليد كونها تعتمد العلم ، والعلم متجدد ويبنى على افتراضات متغيرة أم هي نمط سلوكي واتجاهات متفق عليها كمقومات للحضارة ؟ الثورة الثقافية اليوم ، فردية كما هي جماعية ، باعتبار الفرد اللبنة الصغرى للمجتمع ، تبدأ من عقليته كإنسان منتج عنده طاقات يستغلها للقيام بمهامه وواجباته وتحصيل حقوقه .. برأيي ، هذه الثورة تتغذى بالمعرفة ، والمعرفة تأتي من الكتب ، والكتب حلقات وصل للإرث الذي نخلفه لأجيال قادمة .. للأسف ، في عالمنا العربي على سبيل الحصر وبشكلٍ عام ، أمة اقرأ تهمش الكتاب وصاحبه ، فالنشر الورقي سوقه واسع بالرغم التوجهات الفكرية والمعرفية المتنوعة ، ولكن الفرد لا يبدأ بذاته في الوعي والإدراك وإنما يتبنى الفكرة الجاهزة المنطوقة دون مرجعيات لغوية أو فكرية وبالتالي هو لا يساهم في البناء وإنما يفرض عملية التراجع والعودة لقرون من الجهل والوحشية والدمار ، وهمه سد حاجته من هضم معوي لا تسييس أو تنوير للعقل فيه..
إبتسام القشوري / ناقدة من تونس
أكيد أننا في حاجة لثورة ثقافية لا نستطيع أن نحرك الماء الراكد في مجتمعاتنا إلا بالثقافة ، لا نستطيع أن نعلن الحرب على الإرهاب والجهل والظلامية دون ثورة ثقافية التى تبدأ برأيي بإصلاح المنظومة التعليمية في بلداننا العربية ،التى تعتمد في أغلبها على الاستهلاك دون الإبداع “بضاعتكم ردت إليكم ” لا بد أن نشجع على الإبداع ونشجع الجيل على التعبير بالتعبيرات التي يحبها المسرح ،الموسيقى ، السينما لا بد من نشر الكتاب والمكتبات في كل مكان وعلى الدولة أن تتحمل مسؤولية ذلك بأن ترصد ميزانية محترمة للثقافة ،وأن تسوق للكتاب وللمبدع في بلدانها وتشجع النشر الذى يعيش في غرفة الإنعاش كما على الأفراد تحمل جانب من المسؤولية بتشجيع أبنائها على المطالعة وحب الكتاب والفنون بذلك نستطيع أن ننقذ بلداننا من هذا الدمار الذي تعيشه ؛ الذى نتج بالضرورة عن تهميش الثقافة والمثقفين .
حنان درقاوي / روائية من المغرب
يجب أن نبدأ من تشخيص لأن هناك أزمة في الثقافة العربية حاليا وأن هناك مشكل تواصل بين المثقفين والشعوب العربية. في هذا الظرف التاريخي العصيب على المثقفين أن يدخلوا غمار الصراع الدائر وأن يتموقعوا داخل التحولات الجذرية التي تعيشها مجتمعاتنا. إن مثقفينا لايزالون يسكنون القلاع العاجية وقليل منهم نزل الى الشوارع وانضم إلى الفئات المطالبة بالتغيير. المثقف يعتبر أنه ليس من دوره النزول إلى الاشرع في حين أن المثقفين في فرنسا كانوا دائما منخرطين في المطالب الشعبية فلاسفة الأنوار كانوا صدى لما يعتمل داخل المجتمع من رغبة للانعتاق والخروج من عهد الوصاية الدين والملكية على مصائر الناس، أذكر أيضا جان بول سارتر الذي كان يوزع المنشورات خلال حراك 1968 هناك هوة بين المثقف والشعب وهاته الهوة هي التي تدخل منها التيارات الأصولية. أعتقد أن المثقف حاليا عليه أن يؤسس التواصل مع المجتمع المدني مادام قد يئس من الأحزاب التي فشلت في إنتاج مشروع مجتمعي واضح المعالم في المغرب؛ مثلا هناك مبادرة من أجل مجتمع قارئ وانخرط فيها مجموعة من المثقفين والمبدعين وهذا جيد هناك مبادرات مثل المقاهي الثقافية حيث يصير المقهى فضاءا للقراءة والاستراحة في آن واحد. أعتقد أيضا أن مثقفينا يجب أن يقتربوا من الثقافات الشعبية من موسيقى وتراث ثقافي، وأن تتضمن أعمالهم الفضاء الذهني للشعوب التي يكتبون عنها. شخصيا هناك روايات مغربية وحتى عربية قرأتها وكانت تحكي عن إنسان في المريخ لاعلاقة له بالواقع المغربي. في الجامعة كنا نرفع شعار “ثقافة شعبية للجامعة موازية” يجب على هذا الشعار أن يتحقق على أرض الواقع وتصير الثقافة الشعبية جزءا من اهتمامنا واشتغالنا لكي نفهم رؤية شعوبنا للعالم ونفهم طبيعة إحساسهم بالوجود وبالتاريخ والثقافة. يجب أن نعرف أنفسنا ثقافيا لكي نعرف كيف نواجه العالم من حولنا. هناك اوراش يجب أن نفتحها ونتعمق في دراستها عن موروثنا الثقافي الذي لايزال يحكم بنيات شعوبنا. يجب أيضا أن تكون لدينا صناعة ثقافية دور النشر عندنا بدائية فأغلبها لايتوفر مثلا على مسؤول إعلامي يعرف بالأعمال لدى الصحافة بكافة مكوناتها ومهمة التعريف موكولة للكاتب وهذا يثقل ظهره. يعني نحن نكتب وبعدها نقوم بكل أعمال التواصل التي تأخذ وقتا وجهدا. يجب أن نغير العقليات المؤسسة على العلاقات الشخصية أوبنيات الانتساب إلى هاته المؤسسة أو تلك. هاته البنى تحكمها الشللية والزبونية مما ينشئ عصابات ثقافية ويخرس الأصوات الجميلة نتيجة يأسنا فيما تصول الرداءة وتجول في الملتقيات والأعراس الثقافية التي صارت موكولة لمتعهدي حفلات وليس على أساس الجدارة والجودة. أنا أعرف كتابا جيدين في المغرب لكنهم انعزلوا لما يلاقونه من حيف وتجاهل. تشجيع الرداءة وإقصاء الأصوات الجادة هو مدخل إلى يأس الناس من العمل الثقافي شخصيا استدعى في المغرب من طرف هيئات حقوقية وليس ثقافية ،رغم أن أعمالي فرضت نفسها على الساحة المغربية والعربية وقس على مثالي الكثيرين من الأصوات الجميلة التي توارت عن الأنظار. في ظل وضع الإقصاء والتهميش وقلة الموارد يصير الاستمرار في الكتابة أشبه بالمعجزة، معجزة الإصرار الذاتي رغم الصعاب. أعتقد أنه يجب أيضا أن نفتح المجال للمؤسسات الخاصة لتبني الأعمال والملتقيات وتمويلها مع الحفاظ على الاستقلالية في الرأي والمنظور.
أعتقد أنه علينا أيضا كمثقفين أن نتصدى لورشة أمة هي ورشة الإصلاح الديني. الدين مكون اساسي من مكونات ثقافتنا العربية وأعتقد أن لا تغيير سيحدث في العالم العربي دون الالتفات إلى المكون الديني. يلزمنا فقه أنوار يفتح النص الديني على العلوم الإنسانية واللسانيات المقارنة والفلسفة وأن يقوم بجهد تأويلي يبتغي احترام مقاصد الشريعة وغاياتها الكبرى وليس المنطوق الحرفي للنص، هناك مفكرون فكروا في بنية العقل العربي كالجابري وأركون وفرج فودة وغيرهم .لكن الشعوب لا تعرفهم ويبقى فكرهم سجين دائرة المثقفين فيما بينهم علينا أن نفتح هاته المؤلفات على التلقي الشعبي وأن نوصلها إلى القارئ العربي بشكل مبسط وأن نلتف حول المفكرين ،وحتى الفقهاء الذين يقومون بمحاولات جدية لإعادة فهم النص الديني. مهمة الإصلاح الديني ضرورية ومستعجلة لنحارب الأصولية والإرهاب ولنخلق مجتمعا عربيا قابلا للخروج من الوصاية والعبودية الاختيارية إلى فضاء أوسع هو فضاء الفكر الحر والمبادرة الشخصية.
د . نجاة عمار / أستاذة في كلية الآداب الليبية
بعد انحدار مستوى الوعي في المجتمع الليبي نتيجة لانحدار المستوى الثقافي ، صار التفكير مُلحًا لتغيير جذري يصحح المفاهيم ويقوّم الأوضاع التي آلت إليها البلاد ، وبدت المطالبة بثورة جديدة ، تُعْنَى بالثقافة وتنمية الوعي للأفراد على الأصعدة كافة، أمرا ضروريا وليس ترفا ، إلا أن التجارب السابقة للثورات الثقافية في العالم تجعلنا نتوقف طويلا أمام هذا المصطلح ، والمقصود به ،لأننا بعد ثورات الربيع العربي غدت كلمة ثورة مرادفة للدمار، والهدم والقتل والفوضى ، لذلك لابد أن نطرح تساؤلات عدة لنصل إلى المراد من الثورة التى نأملها ، وكيفية التطبيق لتحقيق الهدف من ورائها .
نحن نحتاج بالفعل إلى ثورة ثقافية ، ولكن ليس على غرار ثورة الصين التي كانت صراعا على السلطة مما تسبب في دمار البلاد ، ولم تنهض الصين إلا بعد التوقف عن تلك الثورة بانتهاء عصر ماوتسي تونغ ، ولا كالثورة الثقافية في ليبيا بعد 69م، التي عطلت القوانين فصارت البلاد أشبه بغابة ، مما أسهم في تدمير قيم المجتمع ، وضياع الهوية الليبية .
نريد ثورة ثقافية تطهرنا من أدران الماضي المهيمن على العقول ، التي باتت نسخة من عقلية قامت ضدها بثورة لمحوها إلا أنها لا تزال أسيرة فكر تدميري أورثها العنف والفوضى ، وليس من السهل محو تلك العقلية ، وليس من المستحيل أيضا ، فعلينا أن نوحد جهودنا ونتكاثف من أجل النهوض ببلادنا من خلال وضع آلية أو مخطط لدراسة واعية عن كيفية إقامة الثورة الثقافية ،بالاستفادة من ذوي الخبرات في هذا المجال لنضمن نجاحا مطلوبا في هذه الفترة الحرجة التي تمر بها بلادنا .
لن تكون هناك نهضة بدون تخطيط سليم لها ، بعيدا عن النزاعات السياسية والصراعات السلطوية ، مع تحديد الأهداف المرجوة من البرامج الموضوعة لتحقيق الثورة الثقافية ،التي يراد منها أن تكون ثورة على الجهل والتخلف بتحويل المعارف إلى أفعال إيجابية ومن ثم واقعية تُسهم في وضع الحلول للمشاكل الإنسانية كالمصالحة وتقبل الآخر .
ولنجاح الثورة الثقافية لابد من التوجه إلى توعية أفراد المجتمع ، وغرس أفكار إيجابية بدل تلك السلبية التدميرية ، وذلك من خلال توظيف الإعلام والندوات بشكل مكثف دائم ومستمر تحت إشراف الدولة على أيدي خبراء متخصصين ، مع تبني نشر المعرفة وحب التعلم، وإتاحته لكل الشرائح من قبل وزارة التعليم في مؤسساتها من مدارس وجامعات ومكتبات ،والتركيز على التعلم نوعا وكما وكيفا ، مع تشجيع البحث العلمي ، ونشر النشاط الثقافي الذي يضمن عدم انعزالنا عمن حولنا بالأخذ بأسباب تقدم شعوب العالم، بما لا يضر بمكوننا الثقافي و أصالتنا ، والحفاظ على هويتنا ،محفزا على التمسك بالقيم والمبادئ.
عالية طالب / روائية وكاتبة من العراق
ماذا نقصد بالثورة الثقافية !! هل هي تغيير منظمة إبداعية معينة ؟ أم مواكبة أحداث مجتمعية ؟ أم تفتيت قوالب جامدة وبائدة لتدخل الحداثة الى ما ننتجه فكريا ومعرفيا؟ أم مواكبة النتاج الإبداعي العالمي وملاحقة ما دخلته الرواية والقصة والنص الشعري من عوالم أثبتت تفاعلها مع مجريات المتغير الاجتماعي والفكر المتوهج بالكثير من التجديد؟؟ أعتقد أن كل هذا مجتمعا هو المطلوب .. ونحن بحاجة فعلية إلى إحداث ثورة ثقافية وفكرية في مجمل حياتنا لنصل إلى المحطات الحقيقية لمعاني التجديد والإبداع المتميز ، فما زالت قوالبنا القديمة هي الثابتة في ما ننتج من سرد ، وما زالت عوالمنا قاصرة عن مواكبة الهزات الاجتماعية والسياسية والانتكاسات المتوالية على أغلب مدننا العربية بطرق تتشابه في الكثير من المعطيات ولا تختلف إلا في طرق الوصول إلى ذات النتيجة للبعض الآخر .
الثورة الفرنسية أنتجت ثورة فكرية وثقافية زلزلت السائد وأنتجت متغير توالى في تجدده عقدا بعد آخر وما زال يعيش في فضاءات رحبة متميزة لا يمكن إلا الإشادة بها دائما ، فيما راوح المنتج الثقافي العربي في منظمة أحادية النظرة إلى الثابت العام الذي يفكر فيه رغم حصول العديد من التغييرات السياسية في بلدان عربية عدة إلا أنها لم تستطع أن تمد أوصال ثورتها إلى عقل المبدع الذي بقي يراوح في مكانه وكأنه متفرج سلبي لا يتمتع بأحقية المشاركة في التغيير ولا يؤمن بأهمية دوره الفاعل في المنظومة القيمية لمفهوم الإبداع الخلاق.
ستة بلدان عربية حصل فيها تغيير سياسي ولا تزال تعيش في قلق استتباب النظام العام والأمن المفقود.. ودفع الكل ضرائب متعددة بعضها فتت البنية الأساسية للمنظمة الاجتماعية والتحتية للبلد واستبدل عديد من الممارسات بأخرى بعضها سلبية وأخرى إيجابية وكان المثقف داخل هذه الدوامة يدور ويلعن .. يدور ويلعن ويدور ويبقى في دوامة الإنتاج غير المتكافىء مع حجم ما حصل وما تشير إليه المخططات السياسية والعسكرية من قادم سيفعل فعله في مستجدات أخرى فهل تمتعت الثقافة بموازاة متكافئة ؟؟ لا نعتقد أنها فعلت وكلنا في الدوامة سواء رغم بعض النتاجات الخجولة التي لم ترتق إلى قوة الحالة وتداعياتها!! هل أقول للأسف ؟؟ نعم
حنين عمر / كاتبة من ليبيا
– نعم نحن بحاجة ماسة لثورة تساهم بتغيير وتفتيت قوالب جامدة لم تتغيير وتكسر منذ سنين، وبحاجة ماسة للطرق على تلك القوالب والافكار البالية للاسراع في ازالتها، التغيير من المفترض أن يطال منظومة كاملة بداءً من المناهج التعليمية وصولا إلى المنظومة الابداعية وكيفية مخاطبة العقول واقناعها بضرورة التغيير ومواكبة التغيرات في العالم، وربما ثورة الاتصالات مؤخرا قد ساهمت بشكل أو بأخر في تفتيت بعص المسلمات التي تسيطر على العقول. الثورة الثقافية حالة مستمرة أو هكذا من المفترض أن تكون وليست موسمة بقرار حينما نريد، وهي حراك ونتاج اجتماعي وصناعي وفكري متشابك، تلك هي الفكرة الأساسية التي تقوم عليها الثورة الثقافية لأي مجتمع سليم متماسك وطبيعي، وأما في مجتمعنا والمجتمعات المجاورة والمتشابهه معنا فنحن نقاتل أفكارا قديمة ونحارب لأجل العودة للماضي وكأن المستقبل ليس لنا. أغلب المثقفون غير جادون في التغيير مع أنهم هم القادرون على ذلك بالتأثير على العامة، وحين يكون المثقفون جادون في ذلك سيدركون روح مجتمعاتهم ويجدون طريقة ما في لأجل التواصل المجتمعي وحتى لا يكونوا في قواقع معزولة وبالتالي حتى لا يظلوا يخاطبون أنفسهم وفي عزلة تامة عن مجتمعاتهم.
* كاتب وصحافي مستقل من ليبيا