المدفع ورمضان ديريك أيّام زمان

نارين عمر.. بهجت أحمد
يعتبر شهر رمضان من أهمّ الأشهر في البلاد الإسلامية لأنّه شهر الصّيام الذي يعدّ أحد الأركان الأساسيّة في الإسلام، والذي فُرِض  في الشّهر الثّاني للهجرة، وكان لهذا الشّهر أجواء وطقوس، لعلّ أبرزها صوت المدفع الذي يعلن فيه موعد الإفطار، وقصّة المدفع وعلاقته بشهر الصّوم مرتبطة بحادثة حصلت في عهد الخديوي اسماعيل في مصر، والقصّة تقول: 
أثناء صيانة أحد المدافع، أطلق المدفع طلقة بطريق الخطأ متزامناً مع موعد الآذان، فظنّ النّاس أنّها طريقة جديدة للإعلام بموعد الآذان وكان أن صدر فرمان بذلك من الخديوي، وأصبح المدفع أحد الطّقوس في هذا الشّهر.
وهناك قصّة أخرى أوردها بعض المؤرّخين الذين يرجعون فكرة استعمال المدفع إلى عام 1455م في عهد سلطان المماليك البرجية الظَاهر خشقدم، وهو ما ذهبت إليه قناة سكاي نيوز العربيّة أيضاً.
 ويترافق مع هذا الشّهر بعض من الأطعمة والمشروبات التي أصبحت من أهمّ رموز الشّهر مثل قمر الدّين المشروب السّوري الدّمشقي الذي أصبح من أهم المشروبات منذ العهد الأمويّ، وكذلك العرقسوس وخبز المعروك الدّمشقي الذي أصبح أحد أهمّ حلويات الشّهر، وﻻ شكّ أنّ بعضاً من هذه الطّقوس انتقلت إلى ديريك وبعضها كانت أصلاً موجودة فيها.
حكايتنا مع المدفع، والذي كنّا نسمّيه “طوپ” أجمل حكاية، حتّى ترافق وجود رمضان ديرك بوجود المدفع، فقد كنّا ننتظر قدوم الشّهر لنستمتع بالمدفع ومشاهدة إطلاقه، حيث كنّا نجتمع كلّ يوم في المكان الذي يُطلق فيه المدفع قبل موعد الإفطار بساعةٍ أو أكثر، وننتظر إطلاقه، وكان ما بين السّاقيّة الموجودة على طريق عين ديور وكنّا نسميّها ال “چم، çem” والجامع القديم أو كما يسّمى الآن “جامع الشّيخ معصوم” بالقرب من طاحونة ديرك الكبيرة، ونعدّ الدّقائق والثّواني على حلول موعد الإفطار -نحن أطفال وصبيان وصبايا الحارة وحارات ديرك الأخرى- وعندما نلمح مجيء العم مطلق الطوپ نتزاحم، ونتدافع على أخذ مكان الصّدارة في تلك الحلقات الدّائريّة التي كنّا نعقدها، وهو ينظر إلينا ببسمته المضمرة لنوع من الاستغراب والعجب لتصرّفنا. 
أجمل شيء كان يمتّعنا، ويعجبنا في تلك اللّحظات كانت صرخاتنا وهتافاتنا المدويّة تزامناً مع إطلاق الطوپ، حيث كنّا نتسابق في أيّنا وأيّتنا يمتلك حنجرة قويّة، قادرة على إطلاق صوتٍ رديف لصوت المدفع مع التّصفيق والتّصفير طبعاً، وعلى إثرها كنّا نتسابق في الوصول إلى دارنا، لنجد مختلف أصناف المأكولات والمشروبات الشّهية بانتظارنا، ونحن الذين كنّا ندعو ونتمنّى أن يحلّ رمضان في كلّ شهرٍ.
فيما بعد وبعد أن كبرت ديرك، واتسعت رقعتها العمرانيّة كان يجتمع في مكان الإطلاق أبناء وبنات الحارة والحارات القريبة منها، أما من كان يسكن في الحارات البعيدة وأهلهم لا يسمحون لهم بالذّهاب إلى هناك فكانوا يتسلّقون الجدران وأسطح البيوت، وحين يسمعون دويّ المدفع كانوا يصرخون، ويهتفون، ويرقصون فرحاً وبهجة. 
سقى الله أيّام زمان، والأيّام التي تلتها والتي كنّا نشعر فيها بلذة ومتعة وبراءة طفولتنا وصبانا. 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبدالعزيز قاسم

(كان من المقرر ان اقدم هذه المداخلة عن “اللغة الشعرية في القصيدة الكردية المعاصرة ـ ڕۆژاڤا” في مهرجان فولفسبورغ للشعر الكردي اليوم السبت ٢٥ اكتوبر، ولكن بسبب انشغالي بواجب اجتماعي قدمت بطاقة اعتذار إلى لجنة إعداد المهرجان).

وهذه هي نص المداخلة:

من خلال قراءتي لنتاجات العديد من الشعراء الكرد (الكرمانجية) المعاصرين من مناطق مختلفة “بادينان،…

إبراهيم محمود

 

تلويح خطي

كيف لرجل عاش بين عامي” 1916-2006 ” وفي مجتمع مضطرب في أوضاعه السياسية والاجتماعية، أن يكون شاهداً، أو في موقع الشاهد على أحداثه، ولو في حقبة منه، إنما بعد مضي عقود زمنية ثلاثة عليه، دون تجاهل المخاطر التي تتهدده وتتوعده؟ وتحديداً إذا كان في موقع اجتماعي مرصود بأكثر من معنى طبعً، كونه سياسياً…

د. محمود عباس

حين يمرض الضوء، تبقى الذاكرة سنده.

قبل فترةٍ ليست بعيدة، استوقفني غياب الأخت الكاتبة نسرين تيلو عن المشهد الثقافي، وانقطاع حضورها عن صفحات التواصل الاجتماعي، تلك التي كانت تملؤها بنصوصها القصصية المشرقة، وبأسلوبها المرهف الذي حمل إلينا عبر العقود نبض المجتمع الكوردي بخصوصيته، والمجتمع السوري بعموميته. كانت قصصها مرآةً للناس العاديين، تنبض بالصدق والعاطفة،…

خالد حسو

 

ثمة روايات تُكتب لتُروى.

وثمة روايات تُكتب لتُفجّر العالم من الداخل.

ورواية «الأوسلاندر» لخالد إبراهيم ليست رواية، بل صرخة وجودٍ في منفى يتنكّر لسكّانه، وثيقة ألمٍ لجيلٍ طُرد من المعنى، وتشريحٌ لجسد الغربة حين يتحول إلى قَدَرٍ لا شفاء منه.

كلّ جملةٍ في هذا العمل تخرج من لحمٍ يحترق، ومن وعيٍ لم يعد يحتمل الصمت.

فهو لا…