سيمفونية من بين أسوار قلعة حلب

وليد معمو
كانت الناس تدور حول قلعة حلب، في دوائر ملونة أشبه بتلك المرسومة على أثواب راقصي المولوية المزركشة، في أقطار مختلفة الحجم ومتداخلة .
ففي الصباح وأنت تنهض من رقادك، وتخرج للعمل ، فإنك تدور من حيث لا تدري حول القلعة ، مهما كان مكانك قريباً أو بعيداً ، لتتزود وأنت تدور بالعزم والتسارع ، فيزيد رزقك وأرزاق المدينة .
وجيرانك وزملائك يدورون ، من مختلف الإختصاصات ، بدءاً من الوالي وحتى عمال التنظيفات ، القاسم المشترك أن الجميع يطوف حول القلعة ، مركز المدينة حيث دائرة الحياة .
وكل حسب مقدرته ، وفي الدوران هناك متسع متاح  للجميع .
كل ليالي الشهباء كانت جميلة وأنيقة وباذخة، وبدءاً من دائرتك الخاصة ، ولكورداغيٍ مثلك أيضاً دائرته الخاصة في المدينة، نعم أصبح لديه دائرته الخاصة، وطوافه الخاص، حول حصته الخاصة من المدينة ، كالعازف في الجوقة الكبيرة، فتضيف لونك إلى معرض الألوان .
  فتبتدئ  لياليك بعشاء لطيف وخفيف من شرحات السجق أو البسطرمة أو لفة فلافل، في شارع بنسلفانيا وبالقرب من كنسية السريان الكاثوليك برهبتها الروحية، أو في ساحة العزيزية، حيث تغلي الساحة وتفور بالشابات والشباب، كحديقة جميلة، يتخللها تزوّد بشحنات الشباب، في استراقك خلسة للقطات جميلة لمفاتن المدينة، ويعقبها طبق حلو لذيذ من أم النارين في محطة بغداد ، ويليه طواف حول القلعة في دائرة ضيقة قريبة من المركز، بدءاً من باب الفرج إلى دار الكتب الوطنية، ثم صعودا باتجاه السبع بحرات ، ودوراناً  ولقاء روحياً ضرورياً مع مسجد سيدنا زكريا القريب، للتزود بشحنة من عبق التاريخ، كنوع من التربية اليومية .
وتنتهي جولتك اليومية بالغبطة والفرح، و استكمال السهرة في البيت، و يأتي الخلود للنوم العميق …
تأهباً لإعادة المقطع التالي …… من سيمفونية الحياة المتكاملة بين الجامع والكنيسة والحسينية… 
دوائر الحياة حول القلعة انقلبت إلى دوائر موتٍ صارخ وإنتحار لمن شرب من فرات المدينة… ولم يقدّر قدرها !!.
فهل يستطيع أحد رد ديون مدينةٍ بكل هذا الكرم … والطرب    ?!.
وهل يستطيع أحد إستبدال الموسيقا الجنائزية الحالية بسيمفونية الحياة….. وهي موسيقا حلب “الأوريجينال” ? !!. 
ناهيك عن إقتلاع الياسمين من شوارع المدينة !!.
عفرين في 17-12-2016

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبد الستار نورعلي

أصدر الأديب والباحث د. مؤيد عبد الستار المقيم في السويد قصة (تسفير) تحت مسمى ((قصة))، وقد نشرت أول مرة ضمن مجموعة قصصية تحمل هذا العنوان عن دار فيشون ميديا/السويد/ضمن منشورات المركز الثقافي العراقي في السويد التابع لوزارة الثقافة العراقية عام 2014 بـحوالي 50 صفحة، وأعاد طبعها منفردة في كتاب خاص من منشورات دار…

فدوى كيلاني

ليس صحيحًا أن مدينتنا هي الأجمل على وجه الأرض، ولا أن شوارعها هي الأوسع وأهلها هم الألطف والأنبل. الحقيقة أن كل منا يشعر بوطنه وكأنه الأعظم والأجمل لأنه يحمل بداخله ذكريات لا يمكن محوها. كل واحد منا يرى وطنه من خلال عدسة مشاعره، كما يرى ابن السهول الخضراء قريته كأنها قطعة من الجنة، وكما…

إبراهيم سمو

فتحت عيوني على وجه شفوق، على عواطف دافئة مدرارة، ومدارك مستوعبة رحيبة مدارية.

كل شيء في هذي ال “جميلة”؛ طيبةُ قلبها، بهاء حديثها، حبها لمن حولها، ترفعها عن الدخول في مهاترات باهتة، وسائر قيامها وقعودها في العمل والقول والسلوك، كان جميلا لا يقود سوى الى مآثر إنسانية حميدة.

جميلتنا جميلة؛ اعني جموكي، غابت قبيل أسابيع بهدوء،…

عن دار النخبة العربية للطباعة والتوزيع والنشر في القاهرة بمصر صدرت حديثا “وردة لخصلة الحُب” المجموعة الشعرية الحادية عشرة للشاعر السوري كمال جمال بك، متوجة بلوحة غلاف من الفنان خليل عبد القادر المقيم في ألمانيا.

وعلى 111 توزعت 46 قصيدة متنوعة التشكيلات الفنية والجمالية، ومتعددة المعاني والدلالات، بخيط الحب الذي انسحب من عنوان المجموعة مرورا بعتبة…